القائمة

أخبار

جلال حامي الدين.. أستاذ كفيف يضيء حياة تلاميذه

رسم جلال حامي الدين وهو أب لطفلين، طريق نجاحه بنفسه، ولم تشكل إعاقته البصرية عائقا أمام تحقيق أهدافه في الحياة، فبالنسبة له "الإعاقة ليست المشكل، لكن الإحساس بها هو المشكل".

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

بالعزيمة والإرادة، استطاع الشاب جلال حامي الدين أن يتجاوز إعاقته البصرية ويفرض ذاته وسط المجتمع، وأصبح أستاذا للغة الإنجليزية ومدربا واستشاريا دوليا معتمدا في التنمية الذاتية وفاعلا جمعويا.

ولد جلال بمدينة الدار البيضاء سنة 1980 وسط عائلة فقيرة، تتكون من ستة اخوة، ثلاثة منهم فقدوا بصرهم منذ الولادة، وكان واحدا من بينهم. وقال في حديثه لموقع يابلادي "أنا الأصغر سنا، ولدي شقيقين آخرين كفيفين أكبر مني، مهدا أمامي الطريق وجعلا الأمر أسهل نوعا ما للتعايش مع الوضع". رغم ذلك، كانت طفولته مليئة بالحزن والخوف من المجهول، على حد قوله.

وكان الأخ الأكبر لجلال خير أنيس وصديق له، إذ كان يقضي معه معظم الوقت خارج المنزل ويتذكر تلك اللحظات قائلا "كنت أجالس أخي الأكبر مني سنا إلى جانب أصدقائه وأنا في سن الرابعة والخامسة، وهو ما سمح لي بتعلم أشياء كثيرة، كنت أشعر بأنني أكبر من سني بسنوات، هذا الأمر جعلني أكسب ثقة كبيرة في النفس".

لكن سرعان ما تغير هذا الإحساس، بعد دخوله في سن السادسة إلى مدرسة داخلية للمكفوفين. وتذكر تفاصيل تلك اللحظات وقال "ولجت معهد المنظمة العلوية لرعاية المكفوفين بالدار البيضاء. قبل دخولي إلى هناك كنت أسمع فقط بالظلم داخلها، لكن بعد ولوجي إلى المؤسسة، جعلني أحد الأساتذة أتعرف على الظلم وأعيشه بكل ما تحمله الكلمة من معنى".

"كان لدي مشكل في طريقة لمس ورق برايل، بحكم صغر أصابعي، لذا كنت أُضْرب بشكل يومي وبشكل رهيب وعنيف جدا من طرف أحد الأساتذة، ما أدخلني في اكتئاب ومجموعة من المشاكل النفسية كما كنت أتبول بشكل لا إرادي".

جلال حامي الدين

وبسبب العنف الذي تعرض له خلال تلك الفترة، قرر جلال مغادرة مقاعد الدراسة لمدة سنة كاملة، إلى أن التأمت جراحه، وعاد مرفوقا بمذياعه الذي كان بمثابة أنيسه، وبدل اللعب مع أقرانه كان يفضل، الاستماع إلى الأخبار سواء الوطنية أو الدولية في أوقات الفراغ. وقال "كنت ملما بالأخبار السياسية، منذ الصغر. وكانت إذاعة بي بي سي إحدى محطاتي المفضلة".

ويتذكر بنبرة افتخار أنه "ذات يوم طلب منا أحد الأساتذة في قسم الرابعة كتابة موضوع إنشائي، كتب أصدقائي عن الطبيعة والبادية وأشياء من هذا القبيل، وأنا كتبت عن دور الإذاعات العروبية في تحرير فلسطين. انذهل الأستاذ حينها".

وظل جلال بنفس المؤسسة إلى أن حصل على شهادة الباكالوريا سنة 1998، وبعدها انتقل إلى جامعة الحسن الثاني، بكلية الأدب والعلوم الإنسانية بعين الشق التي حصل بها على شهادة الإجازة في اللغة الإنجليزية في 2003.

وأثناء دراسته في الجامعة واجهته صعاب أخرى بسبب إعاقته البصرية، وقال "كنت مضطرا إلى القيام بالبحوث على الأنترنيت ولكنني كنت عاجزا على ذلك". وظل هذا الأمر يشكل أمامه عائقا إلى أن قرر تخطي هذه المشكلة وشراء حاسوب ومحاولة تعلم كيفية الاشتغال عليه. وأضاف وهو يضحك "بدل السفر مثل أقراني كنت أجلس بالساعات أمام الحاسوب. رغم أنني كنت أتسببت في تعطليه في كل مرة".

وظلت الأمور على هذا المنوال إلى أن حصل على برنامج ناطق للمكفوفين، قام بتحميله بمساعدة أحد الأصدقاء، وأصبح الولوج إلى المعرفة أمرا سهلا بالنسبة له. وأصبحت الآلة الصماء آلة ناطقة، بل أكثر من ذلك أصبح يقوم بإصلاح الآلات المعطلة لأصدقائه ومساعدتهم.

واشتغل جلال بشكل تطوعي في بداياته، كأستاذ للغة الإنجليزية في نفس المعهد الذي درس به. وقال "كنت أدرس اللغة الإنجليزية صباحا، وفي المساء أسافر للرباط من أجل النضال للحصول على عمل قار".

وفي 2009، تحقق حلم من أحلامه، ليجد نفسه في زيارة للإذاعة التي كانت بمثابة صديق عزلته خلال فترة الطفولة التي قضاها بالمدرسة الداخلية، ولم يقتصر الأمر على زيارة فقط بل تم إجراء مقابلة إذاعية معه. 

وقال "وقع على الاختيار للقيام بزيارة إلى بريطانيا، التي تمت عن طريق المعهد التي كنت أدرس به بحكم أنني أتحدث اللغة الإنجليزية".

وبعد عودته بشهر واحد، حصل على وظيفة كإطار في الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بمدينة فاس، وبعدها بسنة عاد إلى مسقط رأسه واشتغل بشكل رسمي كأستاذ للغة الإنجليزية بنفس المنظمة التي تلقى فهيها تعليمه.

وبالموازاة مع ذلك، يعمل كمدرب واستشاري دولي معتمد في التنمية الذاتية وفاعل جمعوي، بعد حصوله على عدة شهادات التي تخوله لممارسة هذه المهنة.

وأنهى جلال حديثه قائلا "إعاقتي جعلتني أكتسب ملكة الإنصات للشخص الآخر، وهذا ما كان يجعل الكثير من الأشخاص المقربين يلجؤون إلي لكي يبوحوا لي بهمومهم. وشاءت الصدف أن تلقيت تدريبا في التنمية الذاتية".

ويطمح جلال إلى إنشاء أكاديمية للتنمية الذاتية "لأن مساعدتي للآخرين تجعلني أستمتع بالحياة أكثر.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال