القائمة

أرشيف

أخوات الصفا.. قصة أول منظمة نسائية في تاريخ المغرب    

قبل الاستقلال، خرج أول تنظيم نسائي في تاريخ المغرب من رحم حزب الشورى والاستقلال، ورفع مطالب متقدمة آنذاك، ونادى بمنع تزويج الطفلات، وتعليمهن، وإشراك المرأة في العمل السياسي.

نشر
صورة تعبيرية
مدة القراءة: 6'

على مر العقود الثلاثة الماضية كانت قضية حقوق النساء في المغرب، إحدى الموضوعات الأكثر إثارة للجدل والاهتمام في الأوساط الثقافية والسياسية والإعلامية، وتم تنظيم العديد من الندوات والملتقيات لمناقشة هذه المسألة.

وعكس ما يعتقده كثيرون، فإن العمل الحقوقي النسوي ليس دخيلا على المجتمع المغربي، ولم يظهر في العقود القليلة الماضية، بل يعود إلى زمن الاستعمار خلال سنوات الأربعينات.

فبالرغم من أن الهم الأول للمغاربة خلال سنوات الأربعينات، كان هو طرد المستعمر واستعادة البلاد لحريتها، إلا أن ذلك لم يثنهم عن محاولة نشر ثقافة حقوق الانسان في المجتمع، والنضال من أجل عدم إقصاء المرأة والوقوف في وجه التقاليد والعادات المتوارثة. 

أول تنظيم نسائي مغربي

فقد شهدت مدينة فاس في 23 ماي من سنة 1947 ميلاد أول جمعية حقوقية تهتم بالدفاع عن حقوق المرأة، أطلق عليها اسم "أخوات الصفا" وكانت تتبع لحزب الشورى والاستقلال، وأنشأت فروعا لها في عدد من المدن. 

وجاء تأسيس الجمعية في سياق اتسم ببروز حركات التحرر بعد الحرب العالمية الثانية، ونهضة الحركة النسائية في عدد من الدول، وساعد أيضا في ذلك النزعة الليبرالية الإصلاحية لحزب الشورى والاستقلال، حيث كان مفكروه يربطون بين قضية المرأة ومسألة تمدين المجتمع وتحديثه، وينظرون إلى تحرير المرأة، باعتباره جزء من دعوتهم لتوفير الحرية والديمقراطية.

"نهضة الأمة برجالها ونسائها لا بفريق من أعضائها دون فريق؛ فكل نهضة تقوم على الرجل دون المرأة، إنما هي نصف نهضة. إنها لتكون ناقصة بتراء متخلفة عقيمة بقدر ما يكون في الأمة من نساء جاهلات".

محمد بن الحسن الوزاني مؤسس حزب الشورى والاستقلال

وشارك في المؤتمر التأسيسي لمنظمة "أخوات الصفا" بحسب ما يشير محمد معروف الدفالي أكثر من ثلاثة آلاف امرأة، وتم الاتفاق على احتضان مدينة فاس المقر المركزي، مع تأسيس فروع في مدن أخرى.

وخلف المؤتمر التأسيسي صدى كبيرا، تجاوز المغرب إلى عدد من الدول العربية والإفريقية، وعقدت الجمعية مؤتمرها الثاني بتاريخ 12-13 دجنبر 1948، ثم الثالث في يونيو من سنة 1951.

وأشارت المنظمة إلى أن المرأة المغربية "تعيش عيشة بدائية لا تراعي لها حرمة ولا حقوق وتتخبط في ظلام الجهل وبحر من الانحطاط"، وأرجعت سبب ذلك إلى "ثالوث الجهل والخرافات والأوهام، العسف والإرهاق، إضافة إلى مجموعة من الآفات التي نتجت عن انحراف المسلمين عن دينهم". 

واعتبرت أن "المرأة عماد وركيزة النهوض والتقدم، مقياس رقي الأمم"، وأن "تطور المغرب بمشاركتها وعملها إلى جانب الرجل في كل الميادين".

ووجهت المنظمة نداء إلى المرأة "لإصلاح نفسها، ومسايرة العصر، عن طريق الانعتاق من أسار الماضي، والتخلص من الانحصار في بوثقة المهام المنزلية وتجاوز ذلك نحو إبراز الشخصية، ومسايرة الزوج في كل مهام الحياة، والمشاركة في الكفاح من أجل الوطن، الذي ينتظر تضحيات النساء في ميدان القومية وطي المراحل والتخلص من كابوس الظلم والاستبداد".

التعليم ومحاربة التقاليد والاحوال الشخصية

ركزت الجمعية على التعليم، واعتبرت الجهل من الأسباب الرئيسية المسؤولة عن الوضع المزري للمرأة المغربية، واعتبرت "أماني المغرب المنشودة غير قابلة للتحقيق إلا بوجود نساء متعلمات، قادرات على تأدية واجبهن موفورا".

وانتقدت الجمعية النظام التعليمي الذي كان ينص على اقتصار تعليم الفتيات في المستوى الابتدائي، واعتبرته غير مفيد وطالبت بضرورة متابعة دراستهن إلى "الباكالوريا ثم التخصص في نوع من أنواع العلم". واقترحت لغير الراغبات في إتمام دراستهن، اعتما نظام دراسي خاص بهن مدته أربع سنوات بعد الحصول على الشهادة الابتدائية، تخصص السنتان الأوليتان منه للثقافة العامة، والسنتان الأخيرتان لقواعد الصحة العامة وتدبير المنزل وتربية الأطفال والأشغال اليدوية، كالضرب على الآلة الكاتبة، ومسك الدفاتر، مع إضافة بعض المواد مع مراعاة الاختلاف بين القرى والمدن.

كما ربطت الجمعية بين تحرر المرأة وبين التخلص من بعض العادات، التي طالبت بنبذها ومكافحتها، "عن طريق تنظيف أفكار المرأة وتوعيتها وسن نوع من القطيعة مع الماضي، ومحاربة المعتقدات الخرافية التي لصقت بالإسلام، من المشعوذين والدجالين مثل التمسح بأضرحة الأولياء..".

وكانت قضية الحجاب واردة ضمن اهتمامات "أخوات الصفا"، وانتقدت التشدد فيه، واعتبرته أحد نتائج انحراف المسلمين عن جادة الدين، وتحويلهم المرأة "متاعا يصان عن العيون، خشية الذئاب، ويحجب عن الأبصار خوف العار".  وبدل الحجاب اقترحت الجمعية اعتماد النموذج الأوروبي.

"الآنسة فاطمة التهامي مثل حي للفتاة المغربية العصرية، تخرج سافرة، لابسة الزي الأوربي، تركب الدراجة، وتقود السيارة، تتقن اللغة الفرنسية، والإيطالية، وتتفاهم بالإنجليزية".

مقال منشور في جريدة حزب الشورى والاستقلال (الرأي العام) بتاريخ 31 دجنبر 1948

وفيما يخص الأحوال الشخصية، طالبت الجمعية بترسيم حالات الزواج بطريقة قانونية، ورفعت في شأن ذلك ملتمسا للحكومة، كما ألحت على ضرورة تحديد سن الزواج بالنسبة للفتيات، وطالبت بمنع تزويجهن قبل بلوغهن سن السادسة عشرة، كما اعتبرت تعدد الزوجات من بين آفات المجتمع، وألحت على منعه ومقاومته، أو على الأقل تقنينه بعدم السماح به إلا في حالة توفر الشروط التي اشترطها الإسلام لإباجته، وتوفر الأعذار المقبولة.

وطالبت الجمعية أيضا بإصدار "قانون يقضي باحترام شخصية المرأة ويحفظ كرامتها، ويمنع إهانتها بأي نوع من الإهانات، مع تحديد نوع العقاب للمخالفين"، وفتح الأبواب أمام المرأة "لمشاركتها في الجيش الملكي، وإعداد أقسام لها بالمدارس العسكرية، وإرسال بعثات منها إلى الخارج لدراسة الشؤون العسكرية"، ومشاركة "المرأة في المجالس الاستشارية والانتخابات البرلمانية، ومراعاة حقها في التصويت".

خيبة أمل

بعد نيل المغرب استقلاله سيأمر الملك محمد الخامس بوضع مدونة للأحوال الشخصية، وكان من بين المسؤولين عن صياغتها زعيم حزب الاستقلال علال الفاسي، وكانت المدونة مخيبة لآمال الجمعية.

حيث أبقت النساء في وضعية دونية مقارنة بالرجل، مع اشتراط الوصاية على المرأة لدى إبرام عقد الزواج، والترخيص بتعدد الزوجات...

وكانت جمعية "أخوات الصفا" التنظيم الوحيد الذي اعترض على المدونة الجديدة، وتساءل عن دور الإسلام، وكذا السنة النبوية والشريعة الإسلامية في التشريع، وهو ما أثار غضب عدد من رجال الدين.

وحاولت الجمعية بعد ذلك توضيح أن الأمر يتعلق بنقد منهجي للتشريع الإسلامي، وأن الغرض منه التعبير عن رغبة في فهم أفضل لأسسه.

تزامنت هذه المرحلة ببروز مواجهات سياسية حادة بين حزبي الاستقلال والشورى والاستقلال، وصلت إلى حد الاختطافات والاغتيالات، وتراجع الاهتمام بحقوق المرأة مقابل أولويات أخرى.

ودخل حزب الشورى والاستقلال في مرحلة احتضار، وتراجع تأثيره، وكانت جمعية أخوات الصفا ضحية هذا الوضع حيث ستختفي من الساحة، ليختفي معها الاهتمام بالحقوق المدنية للنساء آنذاك.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال