القائمة

أرشيف

الألخاميدو.. لغة سرية ابتكرها المورسكيون للحفاظ على هويتهم ودينهم

بعد سقوط مدينة غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس، واجه المورسكيون (المسلمون الذين بقوا في الأندلس تحت الحكم المسيحي) ضغوطا كبيرة لتغيير دينهم والتخلي عن ثقافتهم ولغتهم، وهو ما جعلهم يبتكرون لغة "سرية" أطلق عليها اسم "الألخاميدو" لمساعدتهم على الحفاظ على هويتهم.

نشر
مخطوطة مكتوبة بلغة الألخاميدو
مدة القراءة: 4'

في سنة 1492 للميلاد، سقطت مدينة غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس، بعدما عقد حاكمها أبوعبدالله الصغير (من سلالة بني الأحمر) معاهدة مع الملك فرناندو والملكة إيزابيلا، تضمنت مجموعة من الحقوق لمسلمي الأندلس، ومنها التسامح الديني والمعاملة العادلة والحفاظ على ممتلكاتهم ولغتهم وثقافتهم، مقابل استسلامهم غير المشروط وخضوعهم.

لكن سرعان ما تم التخلي عن هذه المعاهدة، وبدأ الحاكمون الجدد في اضطهاد المسلمين، وشرعت محاكم التفتيش في الضغط عليهم للتخلي عن دينهم، رغبة منها في طمس الهوية الإسلامية العربية واستبدالها بالهوية المسيحية الاسبانية.

ومع بداية القرن السادس عشر خير المسلمون بين ترك دينهم أو الطرد خارج البلاد، وفي سنة 1567، أصدر الملك فيليب الثاني مرسوما يجبر المورسكيين على عدم استخدام اللغة العربية، وبات التحدث أو الكتابة بالعربية جريمة، ومنح المسلمون مهلة ثلاث سنوات لتعلم الإسبانية، مع التخلص من كل النصوص المكتوبة بالعربية، ومحو جميع أسماء العائلة المستمدة من العربية واستبدالها.

وأمام هذا الوضع، أطلق المورسكيون ثورة مسلحة في مناطق مملكة غرناطة السابقة، قادتها شخصيات ترجع أصولها لبني الأحمر، لكن الملك فيليب الثاني أرسل قوات عسكرية، قمعت التمرد الذي كان حقق بعض الانتصارات، وقتل قائد الثورة محمد بن عبو سنة 1571.

وجاء في كتاب "العقد الثمين في تاريخ المسلمين" لصاحبه أبو ادهم عبادة بن عبد الرحمن رضا كحيلة أنه "ترتب على إخفاق المورسكيين في ثورتهم إلى اقتناعهم في جملتهم بعدم الجدوى من المقاومة، فأظهروا جميعا نصرانيتهم، لكن غالبهم أسر إسلامه، ولما كانوا قد فقدوا على وجه التقريب لغتهم العربية، وصاروا يتحدثون بالقشتالية أو القشتالية المختلطة بالعربية فإنهم شرعوا في كتابة هذه اللغة بحروف عربية، ومن ثم عرفت لغتهم بالألخاميدو Aljamiado وهو تحريف إسباني للأعجمية".

وهكذا ساهمت هذه الظروف القاسية في بروز لغة الألخاميدو التي تخلط بين اللغة القشتالية والأحرف العربية، وتمت مبادلة كل حرف روماني بحرف عربي يعتبر الأقرب إليه نطقا في محاولة لخلق وساطة بين المنطوق والمكتوب.

ومع مرور الوقت بدأت هذه اللغة تلقى صدى كبيرا بين المورسكيين، وظهر شعراء وأدباء يكتبون بها، وهو ما خلف موروثا أدبيا أطلق عليه فيما بعد "أدب الألخاميدو".

ويشير كتاب العقد الثمين في تاريخ المسلمين إلى أنه "وصلت إلينا بعض هذه الكتابات، وهي توضح أن المورسكوس حافظوا في معظمهم على دينهم الحنيف، فموضوعات الألخاميدو موضوعات دينية من فقه وتفسير وسيرة، على أن الأفكار الإسلامية في الألخاميدو شابتها في بعض الأحيان أفكار نصرانية".

وبحسب ما جاء في كتاب "انبعاث الإسلام في الأندلس" لصاحبه علي المنتصر الكتاني فقد طور "طور كتاب الألخميادو أدب القصة باعتبارها وسيلة بيداغوجية لتدريب الناشئة المسلمة سرا على المبادئ والأخلاق الإسلامية، ومن أهم هذه القصص التي نجت من الضياع: "قصة العصر الذهبي" و"قصة علي والأربعون جارية" و"قصة الإسكندر ذي القرنين". ومن أمثلة الكتب التي كتبت بالأعجمية في العلوم التقنية كتاب إبراهيم المرباش المسمى "العز والمنافع للمجاهدين بالمدافع"، وهو في التقنية العسكرية".

وأوضح  كتاب "التاريخ كما كان"  الذي أعده فريق من الباحثين، أن هذه اللغة لبثت "أكثر من قرن من الزمان سرا مطمورا. كانت المخطوطات التي عثر عليها في تجاويف جدران المنازل، السقوف، والمغارات، هي السبيل للكشف عن أسرار الأدب الموريسكي".

ويضيف ذات المصدر أن هذا الأدب كان "ضمن استراتيجية المحافظة على هويتهم الإسلامية الشرقية المهددة بالانقراض مقابل الثقافة الكاثوليكية الغربية".

وتعرف المؤرخون على أدب الألخميادو في مطلع القرن التاسع عشر ونشأ اهتمام كبير بدراسة وثائق ومخطوطات هذا الأدب من طرف بعض رواد هذا المجال، ولا يزال هذا الأدب محفوظا في المكتبة الوطنية الأسبانية في مدريد ومعدودا من الموروث الثقافي والحضاري.

وترمز المخطوطات التي تم العثور عليها، إلى مجهود شعب قاوم محاولة تغيير هويته وثقافته ودينه بالقوة.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال