القائمة

أخبار

يعانون فقراً ورعباً..كيف سيستفيد مزارعو القنب في المغرب من الترخيص؟

يتجه المغرب إلى الترخيص لنبتة القنب الهندي التي عُرفت تاريخيا في مناطق بشماله. الخطوة تبدو ضرورية لوقف تناقض بين قانون يجرّم هذه الزراعة وواقع أن المغرب من أكبر مصدري القنب الهندي، فما وقع القانون المرتقب على المزارعين؟

(مع DW)
نشر
DR
مدة القراءة: 6'

النقاش حول تقنين نبتة القنب الهندي (نبتة الكيف) التي يستخرج منها مخدر الحشيش ليس جديدا في المغرب، فمنذ سنوات والمغاربة يتداولون حوله من حين آخر، لكن هذه المرة يبدو النقاش جديًا أكثر، إذ هي المرة الأولى التي تتدارس فيها حكومة مغربية مشروعا لتقنين زراعة هذه النبتة، في بلد يعدّ من أكبر منتجيها، رغم أن هذه الزراعة لا تزال مجرّمة بحكم القانون، وذلك أسابيع قليلة على حذف الأمم المتحدة النبتة من قائمة المخدرات الخطيرة.

ويشكل تقنين هذه الزراعة حبل نجاة لسكان مناطق كبيرة في شمال المغرب وتحديداً في ما يعرف بالمناطق التاريخية الموجودة في إقليمي شفشاون والحسيمة، حيث تعدّ هذه الزراعة النشاط الاقتصادي الوحيد في منطقة ينتشر فيها الفقر.

ويقول عبد الله الجوط، فاعل جمعوي بإقليم شفشاون، لـDW عربية، إن المنطقة تحتاج إلى ما يشبه مشروع مارشال لإخراجها من الفقر، مضيفا: "الفقر مستمر في المنطقة منذ مدة، لكن منذ ثلاث سنوات تفاقم أكثر، إذ تراكمت الديون لدرجة أن نصف المزارعين لم يزرعوا شيئا"، ويضيف الفاعل الجمعوي أن "الكيف" تحوّل مؤخرًا إلى "مصدر نقمة" بسبب استخدام المزارعين، تحت ضغط الفقر، بذورًا هجينة أضرّت بالتوازن المائي وبالبيئة، والحلّ "لن يكون سوى بالتقنين الذي يشجع المزارعين على العمل في ظروف أفضل واستخدام بذور محلية النشأة".

مشروع القانون المذكور أعدته وزارة الداخلية، التي تتحدث في مذكرتها الموجهة إلى مجلس الحكومة، عن أن هذه الخطوة تأتي في إطار مسايرة القانون الدولي الذي رخص باستخدام نبتة القنب الهندي لأغراض طبية وصناعية، مبرزةً أن المغرب يحتاج لتأهيل تشريعه المحلي لأجل استقطاب الاستثمارات العالمية، وأجلت الحكومة التداول في المشروع للأسبوع القادم.

مشروع لإنهاء حالة الرعب

يظهر المشروع حاجة ملحة لوقف شبح الاعتقال الذي يلازم نشاط المزارعين في المنطقة، إذ تشير تقارير إعلامية إلى أن عدد المزارعين المطلوبين للعدالة يقدر بعشرات الآلاف منهم من اعتقل وُحكم عليه بالفعل. ويوجد قانون صادر عام 1974 يعاقب على إنتاج النبتة بغرامات باهظة وبحبس قد يصل إلى 10 سنوات.

"التقنين سيجعل حياة الرعب تنتهي، إذ تكفي رسالة من مجهول ضد أحد المزارعين ليجد هذا الأخير نفسه أمام المساءلة القانونية"، يقول عبد الله الجوط. وقد سبق لمزارعين من المنطقة أن تحدثوا لوسائل إعلام عن تعرّضهم للابتزاز مقابل غض الطرف عن زراعتهم، كما سبق لحزب الأصالة والمعاصرة المعارض أن طالب بإصدار عفو شامل عن هؤلاء المزارعين المتابعين.

في السياق ذاته، يقول شكيب الخياري، منسق الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الصناعي والطبي للقنب الهندي، إنه يجب النظر إلى التقنين كحلّ اجتماعي أولا، "إذ سيتمكن المزارع من بيع منتج نبتة الكيف بشكل قانوني، وبالتالي لن تستمر حالة الرعب"، مشيرا في حديث مع DW عربية، إلى أنّ جلّ المزارعين لا يمكنهم الاحتجاج والترافع للمطالبة بحقوقهم خوًفا من المتابعة، بل لا يستطيعون حتى التوجه إلى الإدارات العمومية ما دام ذلك يمكن أن يعرضهم للاعتقال بسبب متابعات قضائية، ومنهم من لا يستطيع حتى السفر، إذ في حالات كثيرة تتم الاعتقالات في الحافلات".

ماذا يقول المشروع؟

ينص المشروع الذي اطلعت عليه DW عربية، على فتح مجال الترخيص أمام كل "الأنشطة المتعلقة بزراعة وإنتاج وتصنيع ونقل وتسويق وتصدير واستيراد القنب الهندي ومنتجاته". كما يؤكد على خلق وكالة تحت وصاية الدولة يُعهد إليها بالتنسيق العام والمراقبة ومنح الرخص. وينص كذلك على فتح المجال أمام "المزارعين للانخراط في التعاونيات الفلاحية".

ويشترط المشروع جملة من الشروط أمام الراغبين في الحصول على ترخيص، منها أن يكون مالكًا للأرض التي تزرع فيها النبتة، وأن يكون مغربي الجنسية، وكذلك تسليم المحصول بأكمله للتعاونيات الزراعية التي تبرم عقود البيع مع شركات عاملة في المجال مرخص لها من السلطات وتلتزم بشروط صارمة.

كما يجعل المشروع زراعة وإنتاج النبتة متوقفًا على الكميات الضرورية الخاصة بالاستخدام الطبي أو الصيدلاني أو الصناعي كصناعات الغذاء أو التجميل، ويمنع تصديرها ضد هذه الأهداف، وينص المشروع على عدة عقوبات لمخالفي القانون قد تصل في المرة الأولى إلى سنتين حبسًا.

معارضة المحافظين

تبقى الجهات المحافظة من أكبر معارضي المشروع، وكان حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة من الرافضين بشدة لهذا التقنين، خاصة في إطار صراعه الكبير مع حزب الأصالة والمعاصرة، أحد أكبر الأحزاب المشجعة للتقنين، لكن يظهر أن هناك تحوّل واضح في موقف الحزب "الإسلامي" بقبوله نقاش المشروع في المجلس الحكومي.

وفي رسالة واضحة منه ضد الخطوة، أعاد رئيس الحكومة السابق المنتمي للحزب ذاته، عبد الإله بنكيران، نشر فيديو قديم له يقول فيه إن التقنين سيؤدي إلى "اتساع رقعة المخدرات وستكثر المصائب والجرائم الخطيرة"، وإن تنمية مناطق زراعة الكيف يمكن أن تتم بطرق أخرى.

"التقنين سيتيح للمزارع بيع سلعته بشكل قانوني بعدما كان المهرّبون هم المستفيدون الوحيدون، ومن الصعب جدا ترويج النبتة، إذا ما تمّ اعتماد القانون، لأغراض غير ما نصّ عليه، فالمراقبة مشددة وصارمة" يرّد شكيب الخياري، غير أنه يستدرك: "صحيح أن تهريب المخدرات لن يتوقف لأنه مستمر في العالم ككل رغم القوانين الصارمة، لكن الظاهرة ستقل كثيراً في المغرب، وهو ما سيستفيد منه العالم إذا علمنا أن 40 بالمئة من مستهلكي الحشيش عالميا بغرض التدخين يستهلكون المنتج المغربي وفي أوروبا يصل إلى 80 في المائة".

هل يكون القنب الهندي ذهباً أخضر؟

تقارير كثيرة وصفت القنب الهندي بأنه "ذهب أخضر"، وبأن المغرب قد يربح بشكل كبير في حالة تقنين هذه الزراعة نظرًا للطلب الكبير، وهو ما ألمحت إليه مذكرة وزارة الداخلية عندما قالت إن "السوق الطبي لهذه النبتة يشهد تطوراً كبيراً، يصل على المستوى الأوروبي إلى 60 بالمئة، ما حذا بـ49 دولة عبر العالم للمسارعة إلى تقنين استخدام هذه النبتة".

بيدَ أنه في المقابل، يعتقد البعض أن عددا من المزارعين لن يقتنعوا بالتوجه نحو الزراعة لأغراض طبية وصناعية ما دام أن ذلك لن يوّفر لهم عائدات مالية كبيرة، وهو ما أشار إليه بنكيران بشكل غير مباشر عندما قال، في معرض رفضه التقنين، إن العائد المادي للنبتة الموجهة للمخدرات أعلى بكثير من الزراعة الموجهة لصناعة الأدوية.

غير أن الخياري يرى أن الحاجيات لن تكون محلية، بل عالمية، وسيكون هناك طلب كبير على القنب الهندي المغربي. ويعتقد المتحدث أنه يمكن للتعاونيات أن تحقق أرباحًا مالية كبيرة، ما سيكون له تأثير إيجابي على الاقتصاد المغربي، لكن النجاح الأكبر سيكون في خلق اقتصاد بديل يوفر عائدات تساوي أو تفوق عائدات الزراعة غير المشروعة، وسيكون كذلك في خلق اعتماد مقاربة تشاركية تتيح لهؤلاء المزارعين الدفاع عن مصالحهم.

وإن كان التقنين يصبّ في مصلحة المزارعين البسطاء، خاصة أنه موجه عبر التعاونيات التي تستفيد من امتيازات ضريبية، فإن هناك كذلك ما يثير تخوفهم، وهو أين سيتم السماح بهذه الزراعات حسب تصريح الجوط، إذ لم يحدد مشروع القانون مكانها. ويوضح المتحدث أكثر: " المناطق التاريخية لزراعة الكيف تعوّل حصرًا على هذه النبتة، وإذا ما فتح المجال لمناطق أخرى تمتاز ببنى تحتية قوية وموارد مائية قوية، فالمنافسة لن تكون في صالح المزارعين التقليديين، بل قد تتدهور أوضاعهم أكثر حتى بعد التقنين".

إسماعيل عزام

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال