القائمة

أرشيف  

عندما هددت السعودية بقطع علاقاتها مع المغرب بسبب فيلم الرسالة

في سبعينيات القرن الماضي هددت المملكة العربية السعودية بقطع علاقاتها مع المغرب في حال استمرار تصوير فيلم الرسالة بالمملكة، وهو ما جعل الحسن الثاني يأمر بوقف تصوير العمل الذي لاقى نجاحا منقطع النظير.

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

بعدما حقق نجاحا نسبيا في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال قيامه بإنتاج سلسلة من أفلام الرعب "Halloween"، أراد المخرج السوري الأميركي مصطفى العقاد تصوير فيلم عن السيرة النبوية.

وعندما قدم فكرته للمنتجين في هوليود، أبدوا تحسهم غير أنهم رفضوا في النهاية انتاج فيلم عن سيرة نبي لا تظهر صورته في كل المشاهد. رغم ذلك أصر المخرج السوري المزداد في حلب على البحث عن تمويل مشروعه.

وتلقى العقاد وعودا بتمويل الفيلم من قبل كل من المغرب والكويت وليبيا. وتوجه بعد ذلك إلى المملكة العربية السعودية من أجل مقابلة شيوخ الدين لإقناعهم بفكرته، نظرا لتأثيرهم الكبير على المسلمين وخاصة في العالم العربي.

لكنه وصل معهم إلى طريق مسدود، بعدما لم يكتفوا بتحريم تجسيد الصحابة في الفيلم، بل وأخبروه بأن التصوير السينمائي حرام، وعندما أقنع بعضهم بأن التصوير له فوائد كثيرة، اقترحوا عليه تعويض الموسيقى التصويرية بآيات من القرآن الكريم، وتأكد من أنهم لن يؤيدوا فكرته.

وبعد معارضة رجال الدين في السعودية للعمل السينمائي، انسحبت الكويت من تمويل العمل، خوفا من رد فعل السعودية، وتوجه العقاد إلى الأزهر الشريف في مصر الذي اشترط عدم تجسيد النبي وأفراد أسرته والصحابة والخلفاء، إثر ذلك أراد أن يقنع الشيعة بفكرته وتوجه إلى المجلس الشيعي الأعلى في لبنان الذي أبدى موافقته شريطة عدم تجسيد النبي وصحابته.

ويحكي زهير العقاد شقيق المخرج مصطفى العقاد لقناة الجزيرة القطرية، أنهم بعدما عرضوا الفكرة على الحسن الثاني قال لهم "هذا فيلم أنا أؤمن به، صوروه بدون دعاية، أي بسرية" وتابع "جلالة الملك كان منفتحا ومتفهما ومتعاونا".

وأضاف رحلت "مدينة سينمائية إلى المغرب من سينمائيين وتقنيين، وبنوا الكعبة ومكة كما كانوا يتصورونها وبدأ العمل".

وانطلق تصوير الفيلم في 16 أبريل من سنة 1974 في ورزازات، وقال مصطفى العقاد "صورنا مدة ستة شهور وبعدها أتت سيارة مليكية أخذتني إلى الملك...، الملك كان محرجا، أنا أنتظر وهو يتمشى من مكان لمكان وفي الأخير واجهني وقال يجب أن نوقف تصوير الفيلم، وهذه أكبر صفعة تلقيتها".

وكان قرار الملك نتيجة ضغوط سعودية عليه، وأمام حاجة المغرب للدعم السعودي في مواجهة الجزائر التي تدعم البوليساريو، اضطر الملك الحسن الثاني للخضوع لرغبة الرياض.

ويشير زهير العقاد إلى أن شقيقه مصطفى العقاد اتفق مع "الملك على إعلان إيقاف الفيلم، مقابل أن يسرع مصطفى في التصوير وعلى الأقل تصوير اللقطات المحتاجة إلى الديكور".

وعلمت المملكة العربية السعودية بأن التصوير لا يزل مستمرا وأرسلت رئيس المخابرات العامة والمستشار الخاص للملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود، كمال أدهم إلى المغرب وهددت بمقاطعة المغرب وعدم حضور قمة منظمة المؤتمر الإسلامي التي كانت مقررة في الرباط.

وبحسب زهير العقاد فقد خاطب الملك الحسن الثاني مصطفى العقاد قائلا "لا تحملني ما هو فوق طاقتي الموضوع صار جديا، وأنا غير قادر على تحميل المغرب مقاطعة المملكة العربية السعودية".

وتوجه فريق الفيلم إلى ليبيا وأقنع العقيد معمر القذافي بالفكرة، خصوصا وأنه لم تكن تربطه علاقات ودية بحكام السعودية، وتم نقل المعدات على مثن بواخر لشهور طويلة، وتم التصوير في مرتفعات بنغازي ولم يتم الانتهاء من الفيلم إلا في ماي 1977. 

وعرض العمل لأول مرة بدار سينما بلندن، قبل أن يعرض في دول غربية أخرى، وخلف أصداء إيجابية، وبقي ممنوعا في الكثير من الدول العربية إلى وقت قريب.

ومع تغيير المملكة العربية السعودية لسياستها بعد وصول الملك سلمان إلى الحكم وتسميته لابنه محمد وليا للعهد، تم السماح سنة 2018، بعرض الفيلم لأول مرة في قاعات السينما بالمملكة، وذلك بعد مرور 42 سنة على إنتاجه.

وكان العقاد قد أخرج نسختين من الفيلم إحداهما بالعربية من بطولة عبد الله غيث ومنى واصف وأحمد مرعي ومحمد العربي وسناء جميل، والأخرى بالإنجليزية من بطولة أنتوني كوين. 

يذكر أن المخرج العالمي مصطفى العقاد توفي يوم 11 نونبر 2005 عن سبعين عاما متأثرا بجراح اصيب بها في تفجيرات استهدفت فنادق بالعاصمة الأردنية عمان تسببت في مقتل حوالي 60 شخصا.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال