القائمة

أخبار

جوار معقد.. كيف وضَع الغاز إسبانيا في فوهة الصدام الجزائري-المغربي؟

لا تريد مدريد التفريط في الغاز الجزائري، لكنها تولي اهتماما بالغا لشريكها المغربي. كيف يمكنها التوفيق بين علاقة مثمرة مع الجانبين، خصوصا مع ضغط الجزائر وتهديدها بفسخ عقود الطاقة، في وقت حساس بسبب حرب روسيا على أوكرانيا؟

(مع DW)
نشر
DR
مدة القراءة: 7'

تقف إسبانيا في موقف محرج بين جاريها الجنوبيين المتخاصمين؛ فالجزائر ترفض مشاركة مدريد للرباط بأيّ كميات من الغاز الجزائري، وتهدد بقطع إمدادات الغاز عن إسبانيا إن هي اتخذت هذه الخطوة، فيما ترتبط إسبانيا بمصالح قوية مع المغرب، خصوصا بعد عملية الصلح الأخيرة بينهما، ولا تريد مدريد "خذلان" الرباط التي تعتمد بشكل كبير على الواردات لتغطية حاجياتها من الطاقة. مدريد ردت على التهديدات الجزائرية بأن الغاز المصدر إلى المغرب لم يأت من الجزائر.

قبلها قررت الجزائر عدم تجديد عقد مرور الغاز عبر الأنبوب المغاربي-الأوروبي (MEG) المار من المغرب في اتجاه أوروبا، بعد حوالي شهرين من إعلانها قطع العلاقات مع المغرب، في سلسلة توترات بين البلدين، لأسباب آخرها اتهام الجزائر للرباط بدعم حركتين انفصاليتين على أراضيها، وهو ما تنفيه الرباط.

وبعد قرار عدم التجديد لهذا الأنبوب، اعتمدت الجزائر على أنبوب "ميدغاز" الذي يمر من الأراضي الجزائرية، مرورا بالبحر المتوسط، نحو إسبانيا. لكن الجزائر ترفض، حسب بيان لوزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب، تغيير وجهة الغاز الجزائري إلى طرف ثالث لم يرد في العقد، ورغم أن الوزير لم يسمّ هذا الطرف، إلّا أن كل المؤشرات تشير إلى المغرب. الجزائر تهدد بداية بمراجعة أسعار الغاز قبل التوجه إلى إجراء أكثر تصعيداً.

 

هل الغاز الجزائري ورقة ضغط حاسمة؟

استوردت مدريد عام 2021 ما يزيد عن 40 بالمئة من حاجياتها المتعلقة بالغاز الطبيعي من الجزائر. وحسب بيانات موقع ستاتيكا، استوردت إسبانيا 178 تيراواط/ساعة من الغاز الطبيعي من الجزائر، ويظهر البون شاسعا أمام المورد الثاني في العام نفسه، وهي الولايات المتحدة بحوالي 60 تيراواط/ساعة.

غير أن الجزائر فقدت المرتبة الأولى خلال الربع الأول من هذا العام في قائمة موّردي إسبانيا لصالح الولايات المتحدة التي تنقل الغاز لإسبانيا عبر ناقلات الميتان على شكل غاز مسال يتم تحويله محلياً. وحسب بيانات رسمية لمؤسسة احتياطات المنتجات البترولية الإسبانية، فنسبة الإيرادات الأمريكية تصل إلى 33.4 بالمئة مقابل 23.2 بالمئة فقط للجزائر.

ويرى الصحفي الإسباني بيدرو كناليس، في حديث مع DW عربية، أن إغلاق أنبوب (MEG) أثر على صادرات الجزائر لإسبانيا وساهم في فقدان مرتبتها الأولى، لكنه يؤكد أن الجزائر قادرة على خلق المشاكل لإسبانيا إن هي أغلقت الأنبوب المتوسطي. فيما سبق لشركة سوانطراك الجزائرية أن أشارت نهاية العام الماضي إلى أن تصدير الغاز لن يتأثر بإغلاق أنبوب (MEG).

وليست إسبانيا وحدها من تحتاج الغاز الجزائري، بل دول متعددة في الاتحاد الأوروبي، تريد التقليل من الاعتماد على الغاز الروسي، ومنها إيطاليا التي وقعت اتفاقية جديدة مع الجزائر تريد من خلالها أن تتحول هذه الأخيرة إلى موّردها الأول للغاز لتحلّ محلّ روسيا.

لكن الصحفي الجزائري عثمان لحيان، يرى في تصريحات لـDW أن الجزائر "لا تريد تعقيد الأمور ولا ترغب بتحويلها إلى أزمة، لكنها تملك أدوات ضغط على مدريد"، ومنها كذلك "وقف التعاون في مجال الهجرة وعدم استقبال المهاجرين الجزائريين غير النظاميين الموجودين في إسبانيا، وهي ورقة ضغط استخدمها المغرب بدوره حسب ما زعمته مدريد".

 

تحديات تواجه الجزائر

زوّدت الجزائر السوق الأوروبية خلال عام 2019 بـ7.8 بالمئة من حاجياتها من الغاز وفق بيانات أوروبية رسمية، وهو رقم قابل للزيادة، خصوصا أنه وصل عام 2016 إلى 12.6 بالمئة. وإضافة إلى أنبوب "ميدغاز"، تنقل الجزائر الغاز إلى أوروبا عبر أنبوب ترانسماد الذي يمر عبر تونس، كما تهدف إلى تشييد أنبوب آخر يربطها بشكل مباشر مع إيطاليا.

لكن الجزائر تواجه كذلك الكثير من التحديات، منها ما يخصّ مستوى البنى التحتية المتعلقة بالغاز الطبيعي في الجزائر، وضعف الإنتاج مقارنة بروسيا، كما أن إغلاق أنبوب (MEG) من شأنه التأثير على كميات النقل المصدرة خصوصا أن قدرة أنبوب "ميدغاز" لا تستطيع تحمّل الطلب الأوروبي. لذلك ضغطت الولايات المتحدة من أجل إعادة تشغيل الأنبوب المار عبر المغرب للمساهمة في إيجاد بدائل للغاز الروسي .

وفي نظر الخبير المغربي رشيد أوراز، في حديث مع DW عربية، فقرار الجزائر منع تجديد الأنبوب المغاربي-الأوروبي لم يعط مؤشرات إيجابية للأورببين، وخلق مخاوف لهم من أن الجزائر قد تتصرف وفق توجهات الإدارة الروسية (تملك الجزائر علاقات قوية مع روسيا أكثر من علاقة هذه الأخيرة بالمغرب)، لكن هذه المخاوف لن تصل حد إقدام إسبانيا على القطيعة معها، إذ يقول: "تدرك مدريد أن من أدوات التوازن في العلاقة مع المغرب هي استمرار العلاقة مع الجزائر، فهي تريد الحفاظ على المصالح مع الطرفين".

 

المغرب.. شريك لا بد منه لإسبانيا

تجاوز المغرب وإسبانيا أزمتهما التي اندلعت عام 2021 بسبب استقبال مدريد لزعيم البوليساريو، إبراهيم غالي، لأجل العلاج، وما تبع ذلك من تخفيف الرباط للمراقبة على حدود جيب سبتة. هذا العام، استقبل الملك محمد السادس، في أول استقبال يقيمه لمسؤول أجنبي رفيع المستوى منذ بدء جائحة كورونا، رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، واتفق الطرفان على استراتيجية جديدة، أياما بعد دعم وصف بالتاريخي من حكومة سانشيز للمبادرة المغربية المتعلقة بإنهاء نزاع الصحراء الغربية.

لكن مدريد لا تريد التوقف عند هذا الحد، بل تريد دعم الرباط في تلبية احتياجاتها من الطاقة. وجاءت الخطوة الإسبانية استجابة لطلب قدمه المغرب حسب ما أكدته وزيرة الانتقال الطاقي في المغرب، ليلى بنعلي، التي ذكرت خلال فبراير الماضي أن الرباط طلبت المساعدة من إسبانيا لضمان الأمن الطاقي، وأن بلادها ستشتري الغاز المسال من الأسواق الدولية وسيتم تحويله في إسبانيا وبعدها يُنقل إلى المغرب.

وكان المغرب يلبي نسبة شبه إجمالية من حاجياته الطاقية من أنبوب (MEG) بأسعار تفضيلية خصوصا مع استفادته من رسوم مروره من أراضيه. وإن استطاعت الرباط تجاوز المشكل الذي خلقه القرار الجزائري، فإنها في المقابل ستتحمل تكاليف إضافية.

يشير تقرير لبلومبيرغ إلى أن استيراد الغاز بهذه الطريقة أمر مكلّف، خصوصا أن المغرب لا يتوفر حالياً على أيّ محطة لتحويل الغاز المسال في أفق بناء محطة مستقبلا وفق ما تم الإعلان عنه، في وقت تتوفر فيه إسبانيا لوحدها على ست محطات نشطة.

ولا يعود الغضب الجزائري فقط إلى موضوع الغاز، فقد انتقدت بشدة تأييد مدريد لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، واستدعت سفيرها في مدريد احتجاجا. وتعد الجزائر حاليا الداعم الأكبر لجبهة البوليساريو، وارتبط التصعيد الجزائري بإعلان الجبهة نهاية اتفاق وقف إطلاق مع المغرب بعد أحداث الكركرات.

لكن بيدرو كناليس يشير إلى أن الخطوة الإسبانية جاءت باقتراح أمريكي وليس قراراً داخلياً بالكامل، وذلك لأسباب تتعلق بأهمية تطبيع علاقات المغرب وإسبانيا على الصعيد الاستراتيجي العالمي. فضلاً عن أن مدريد، حسب تأكيدات كناليس، "ترى في المغرب شريكاً استراتيجياً، ولا يمكنها الاستغناء عنه، بينما يمكن ذلك بالنسبة للجزائر التي تنحصر أهميتها في تصدير مواد الطاقة".

يختلف عثمان لحياني معه حول إمكانية خسارة الشراكة الجزائرية-الإسبانية، خصوصاً مع تطمينات رسمية جزائرية باستمرار تصدير الغاز لإسبانيا، لكن في الآن ذاته، يؤكد أن حجم التبادل بينهما ضعيف: "9 مليارات حوالي ثلثها من المحروقات، وواردات الجزائر من إسبانيا لا تتجاوز 6.3 بالمئة، فضلاً عن أن الصادرات الجزائرية لإسبانيا مبنية على الغاز الذي لا يعطي عائدات كبيرة للجزائر مقارنة بالنفط".

في جانب آخر، يعد المغرب ثالث شريك تجاري لإسبانيا خارج الاتحاد الأوروبي بعد بريطانيا والولايات المتحدة، وفي عام 2020، بلغت قيمة الصادرات الإسبانية للمغرب 8.41 مليار دولار مقابل 2.16 مليار للجزائر. ويشير رشيد أوراز إلى أن المغرب يلعب ورقة الشراكة التجارية مع إسبانيا لتحقيق مكاسب سياسية، وهو أمر تريد الجزائر تحقيقه، لكن اقتصار شراكتها التجارية مع إسبانيا بشكل كبير على تصدير الغاز الطبيعي لا يدعم هذا التوجه.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال