القائمة

أخبار

"عام الثلجة".. حين غطت الثلوج فاس والرباط في شتاء غير مسبوق

في سنة 1754، عرف المغرب واحدا من أندر فصول الشتاء، بعدما غطّت الثلوج الكثيفة فاس والرباط، في مشهد غير مسبوق عُرف باسم "عام الثلجة". وقد وصفه المؤرخون بحدث استثنائي رأى فيه الناس "علامة إلهية"، بينما عانى السكان صعوبة إزالة الثلوج من الأسطح والأزقة. 

نشر مدة القراءة: 3'
DR

اعتاد المغاربة منذ أجيال تسمية سنوات معينة بحسب ما عرفته من وقائع غير عادية، مثل "عام المجاعة" و"عام البون" اللذين يرتبطان بسنوات التقنين والمجاعة الممتدة بين 1940 و1947 خلال الحرب العالمية الثانية، و"عام الأمريكيين" أو "عام الميريكان" الذي يذكّر بوصول القوات الأمريكية إلى المغرب، و"عام مارس" سنة 1884 حين تأخرت الأمطار طويلا قبل أن تسقط فجأة في شهر مارس، مما سمح بزراعة محدودة أعادت الأمل للناس.

ضمن هذه العادة الشعبية، برزت تسمية أخرى فريدة: "عام الثلجة"، الاسم الذي أطلقه المغاربة على سنة شهد فيها المغرب حدثا جويا استثنائيا تمثل في تساقط الثلوج على مدن لم يسبق أن عرفت هذا المشهد.

ترتبط التسمية تاريخيا بسنة 1754، حين شهدت فاس أولا، ثم الرباط، تساقطات ثلجية كثيفة، وهو حدث غير مسبوق في ذاكرة السكان آنذاك. المؤرخ المغربي محمد بن الطيب القادري وثق ذلك في كتابه "نشر المثاني"، أحد أهم المصادر التاريخية للقرن الثامن عشر. يذكر القادري أن فاس عرفت أولى التساقطات في 31 دجنبر 1753، ثم كتب لاحقا "في يوم الاثنين 6 ربيع الأول من سنة 1167 هـ (1754 م)، ضربت فاس تساقطات ثلجية كثيفة وغزيرة".

عندما استيقظت فاس تحت فجر أبيض

بدأ الثلج وقت غروب الشمس واستمر إلى اليوم التالي، لتصحو المدينة على منظر غير مألوف. تراكم الثلج على أسطح المنازل والدكاكين والشوارع والجبال المحيطة بما يزيد عن «ذراع»، أي حوالي نصف متر. دبّ الخوف بين السكان من أن تنهار الأسطح تحت هذا الثقل المفاجئ، حتى إن البعض رأى في هذا المشهد "علامة من علامات الله".

حاول الأهالي مواجهة الوضع بإزاحة الثلوج من فوق منازلهم باستعمال ألواح خشبية ودفعها نحو الأزقة، بينما أوضح القادري قائلا "لم يُر شيء مثل هذا من قبل، ولا بعد". ورغم إزالة الثلوج، فإنها لم تذب بسهولة وظلت تعيق الحركة داخل المدينة. وبعد أيام قليلة، تساقطت الثلوج مرة أخرى، إلا أن الأمطار التي تلتها ساعدت على ذوبانها تدريجيا.

الثلوج في الرباط

الأمر نفسه حدث في الرباط، حيث وثق المؤرخ والرحالة محمد الضعيف هذه الواقعة في كتابه "تاريخ الضعيف"، المصدر الأساسي لتاريخ فترة حكم السلطان محمد بن عبد الله. وكتب الضعيف "في الرباط، حدث تساقط ثلوج كبير في الليل، شيء لم نره من قبل، ولم يستطع أحد من الشيوخ الذين سألناهم أن يتذكروا أنه شهد شيئا مشابها".

وقع ذلك في ليلة 28 يناير 1754، وانتشرت بعده التسمية التي رسخت في الذاكرة الشعبية باسم "عام الثلجة". وأشار الضعيف كذلك إلى تساقط الثلوج الذي سبق هذا الحدث في فاس، معتبرا أن نهايته جاءت "علامة رحمة إلهية" بعد ظاهرة جوية استثنائية.

ورغم أن "عام الثلجة" ارتبط تاريخيا بحدث 1754، فإن المصطلح عاد للظهور بعد قرابة قرنين، حين شهدت مدينة تطوان سنة 1933 تساقطا كثيفا للثلوج. كان المشهد غير مألوف إطلاقا لسكان المدينة، ما جعلهم يستخدمون مرة أخرى التسمية الشعبية نفسها: "عام الثلجة"

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال