القائمة

الرأي

الحُكومة ومجلس المستشارين: قصة حُب

 

قرر رئيس الحكومة قبل أيام، توقيف البث التلفزي لفقرة «الإحاطة علماً» بجلسة الأسئلة الشفوية في مجلس المُستشارين، القرار استند على «تقدير» للحكومة، يقضي بعدم دستورية هذه الآلية البرلمانية».

قرر رئيس الحكومة قبل أيام، توقيف البث التلفزي لفقرة «الإحاطة علماً» بجلسة الأسئلة الشفوية في مجلس المُستشارين، القرار استند على «تقدير» للحكومة، يقضي بعدم دستورية هذه الآلية البرلمانية».

 

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

الحُكومة انطلقت من بناء هذا الموقف، اعتماداً على قرار سابق للمجلس الدستوري، يقضي بعدم مطابقة إحدى مواد النظام الداخلي لمجلس النواب للدستور، حيث اعتبر رئيس الحكومة أن قاعدة «حجية قرارات المجلس الدستوري، لا تقتصر على النص الذي صدرت في شأنه، بل تمتد إلى أي نص آخر تجمعه وإياه وحدة الموضوع والسبب»، تسمح للحكومة بالحسم في عدم دستورية إحاطة المستشارين، وبالتالي، توقيف بثها تلفزياً.

هذا القرار يقتضي إبداء الملاحظات التالية:

أولاً: إمكانية الحديث في أمر عام وطارئ، في جلسات المراقبة، تبقى إحدى قواعد العمل البرلماني المعمول بها في كثير من التجارب المُقارنة.

ثانياً: الكثيرون لا يعرفون أن النظام الداخلي لمجلس النواب ظل يحتفظ على مقتضى مماثل لإحاطة المستشارين، مع فارق في التوقيت، حيث أن إحاطة النواب كانت تتم بعد نهاية الأسئلة الشفوية. ما وقع، هو أن المجلس الدستوري وهو ينظر في مطابقة النظام الداخلي لمجلس النواب للدستور، في 4 فبراير2012، اعتبر أن المادة 73 منه - وهي مادة ظلت موجودة في أنظمة داخلية سابقة -، غير مطابقة للدستور، لأنها تتحدث عن حق النواب في الحديث في موضوع خاص، والحال أن النواب أُنيطت بهم مهمة الحديث في المواضيع العامة وليس الخاصة.

بعد ذلك، وفي سياق إعادة صياغة جذرية للنظام الداخلي لمجلس النواب، طرحت بحدة داخل اللجينة المكلفة بذلك، ثم داخل اجتماع لرؤساء الفرق، مسألة التوافق والحسم في آلية الإحاطة، حيث تم الإتفاق على صيغة تُعطي حق الإحاطة لرؤساء الفرق أو من ينتدبهم وذلك في بداية الجلسة، مع إشعار رئيس المجلس بالموضوع الذي سيتم تناوله ساعة على الأقل قبل الجلسة، ومنح الحكومة الحق في الرد قبل نهاية الجلسة.

قرار المجلس الدستوري وهو ينظر في الصيغة المعدلة للنظام الداخلي، خلال غشت 2013، اعتبر أن هذه المادة غير مطابقة للدستور لأنها، تحصر حق تناول الكلام على رؤساء الفرق، دون باقي النواب، ثم لأن عدم إخبار الحكومة والإتفاق معها يخل بمبدإ التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، كما يُقره الفصل الأول من الدستور.

هذه الملاحظات جعلت مجلس النواب يعدل المادة 104، من نظامه الداخلي، لكي تصبح في صياغتها الأخيرة بعد أن أقر المجلس الدستوري بدستوريتها، تُعطي الحق للنواب في نهاية الجلسة المخصصة للأسئلة الشفهية للحديث في موضوع عام وطارئ، شريطة إخبار رئيس المجلس في آجال محددة، وقيام هذا الأخير بأشعار الحكومة والإتفاق معها على برمجة المواضيع، وتمكينها من الحق في الرّد.

لماذا كل هذا الاستطراد؟ الجواب هو للقول بأن مبدأ الحديث في أمر طارئ وعام أي -عملياً- تقنية الإحاطة، ليست في حد ذاتها ما يجعلها مخالفة للدستور، كل ما هناك هو الحاجة للحرص على تكييفها مع تأويل المجلس الدستوري لمبدإ التوازن. 

ثالثاً: هل يمكن للحكومة انطلاقاً من مبدإ حجية قرارات المجلس الدستوري، أن تحسم بكل اطمئنان في عدم دستورية مادة في النظام الداخلي لمجلس المستشارين؟

الجواب قطعاً بالسلب، إذ ليس من حق الحكومة ذلك، وحده المجلس الدستوري عندما يُحال عليه النظام الداخلي - الجديد والمتكامل - لمجلس المستشارين وفقاً للفصل 69 من الدستور، ووفقا لقرار المجلس الدستوري في 14 نونبر 2013، يمكنه البت في دستورية هذه المادة إذا قرر مجلس المستشارين الاحتفاظ بها.

قد يُرجح لدى الحكومة موقفٌ يقدر عدم دستورية هذه الآلية، لكن هذا الترجيح لا يعد في النهاية سوى رأياً غير ملزم لسير المؤسسات، ويبقى كذلك إلى حين صدوره في صيغة قرار واضح للمجلس الدستوري.

رابعاً: بغض النظر عن الجوانب الدستورية والقانونية للنقاش، فإن للمسألة وجهها السياسي، وهنا، فإن الحكومة - المسؤولة الأولى عن طول مرحلة الانتقال الدستوري التي تعرفها مؤسسة مجلس المستشارين-، تُعبر في هذا القرار عن احتقارها لمبدإ فصل السلط وضيق صدرها بصوت المعارضة، وعن حنينها لممارسة الرقابة على أشغال البرلمان، وتستغل آليات السلطة التنفيدية للإنتقام السياسي من عمل سلطة أخرى هي السلطة التشريعية.

إننا أمام قرارٍ صادر عن الحكومة في إطار ممارستها للسلطة التنظيمية، وهو قرار إداري متعسف، مبني على خرق واضح للشرعية، يستحق بغض النظر عن سُبل مقاومته السياسية، طعناً من طرف أصحاب المصلحة أمام القضاء الإداري للمطالبة بإلغائه.

ليس مطلوباً أن تَسْقُط الحكومة  في «حُب» مجلس المستشارين، لكن الإيمان بالديموقراطية يفرض عليها احترام معارضة المؤسسات.

منبر

حسن طارق
أستاذ جامعي، برلماني
حسن طارق
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال