القائمة

الرأي

يغادر اللبناني المغرب حزيناً على بلده!

عندما يغادر المواطن اللبناني المغرب هذه الايّام يتذكّر أول ما يتذكر، وإن بحزن شديد، الزمن الجميل في بلاد الارز حين كانت تحصل انتخابات نيابية في موعدها يجري بعدها رئيس الجمهورية مشاورات ويكلف احدى الشخصيات تشكيل الحكومة. يتذكّر من الزمن الجميل نقاشات في مجلس النوّاب ومحاسبة للحكومة بطريقة راقية. ويتذكّر المشاريع الكبيرة التي كانت تنفّذ إن في ايّام رؤساء للجمهورية مثل كميل شمعون وفؤاد شهاب او في اثناء تولّي رفيق الحريري رئاسة مجلس الوزراء في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف، في ظروف في غاية الصعوبة فرضتها الوصاية السورية التي كان همّها الاوّل والأخير محصورا في العرقلة وفي اثارة الخلافات وتعميقها، من منطلق طائفي ومذهبي، بين الزعماء اللبنانيين والرئاسات الثلاث تحديدا.

نشر
DR
مدة القراءة: 5'

بعد اتفاق الطائف، صارت نتيجة المشاورات ملزمة لرئيس الجمهورية اللبنانية الذي عليه تكليف الشخصية التي تحصل على اكبر عدد من أصوات النوّاب تشكيل الحكومة. لذلك يبدو مطلوبا ان لا يكون هناك رئيس للجمهورية كي لا تحصل مشاورات وكي يستوطن الفراغ البلد.

في المغرب، أقر المواطنون في استفتاء شعبي دستور العام 2011. بموجب الدستور يكلّف الملك الحزب الذي يحصل على اكبر من المقاعد في الانتخابات تشكيل الحكومة. يحترم الملك محمّد السادس الدستور بحذافيره، خصوصا انّه كان محرّك الإصلاحات العميقة التي شهدتها المملكة ومهندسها. ولذلك، كلّف عبد الاله ابن كيران زعيم حزب «العدالة والتنمية» ذي الاتجاهات الإسلامية تشكيل الحكومة الجديدة. جاء استقبال العاهل المغربي لابن كيران وتكليفه تشكيل الحكومة يوم الاثنين، أي بعد ثلاثة أيام من الانتخابات وبعد ثمان وأربعين ساعة من اعلان النتائج الرسمية.

على العكس من لبنان، يسير كلّ شيء بهدوء وبشكل طبيعي في المغرب. ما سرّ المغرب الذي استطاع تجاوز «الربيع العربي»، بل الاستفادة منه بما يغني الحياة السياسية في البلد ويضع الأحزاب أمام مسؤولياتها ويجبرها على تطوير خطابها، خصوصا في المجال الاقتصادي؟

يكمن سرّ المغرب بكلّ بساطة في انّه بقي بعيدا عن العقلية الانقلابية التي دمّرت بلدانا عربية عدّة، بما في ذلك لبنان. المغرب هو البلد الوحيد في شمال افريقيا الذي يتمتع الحكم فيه بشرعية قائمة على ان الملك متصالح مع مواطنيه، فيما المواطنون متصالحون مع الملك. من هذا المنطلق يمكن الحديث عن الاستثناء المغربي بكل راحة ضمير. المغرب هو البلد الوحيد في شمال افريقيا، باستثناء تونس التي تمرّ حاليا في فترة عصيبة، الذي بقي بعيدا عن العقلية الانقلابية. افشل الالتفاف حول العرش انقلابين عسكريين في 1971 و 1972. وفي المرّتين، كان الناس العاديون وراء حماية النظام الملكي الذي عمره مئات السنين.

ماذا يعني الاستثناء المغربي؟ يعني قبل كلّ شيء انّ المملكة تتقدّم يوميا على كلّ الصعد. يحدث ذلك على الرغم من انّها لا تمتلك ثروات طبيعية مثل الغاز والنفط. لكنّ المغرب، مثله مثل لبنان يمتلك ثروة اسمها الانسان. هذه الثروة تسمح باستغلال السياحة الى أبعد حدود وتسمح بإقامة بنية تحتية متطورة. يمكن بكل سهولة مقارنة شبكة الطرقات في المغرب بتلك الموجودة في ايّ دولة أوروبية. تشبه مدينة مراكش الى حد كبير مدينة بعلبك. المدينتان في وسط سهل تحيط به الجبال. الفارق ان دخل المغرب من السياحة في مراكش يقدّر بمليارات الدولارات سنويا. طموح أي غني أوروبي امتلاك فيلا في مراكش او الإقامة في احد فنادقها المعروفة. اين بعلبك من كلّ ذلك؟

لم يعد في لبنان انتخابات، بما في ذلك انتخاب رئيس للجمهورية. في المغرب، هناك مسار ديموقراطي يشق طريقه. لا توجد أي عقدة تجاه الإسلاميين الذين يترتب عليهم السير في الاعتدال في حال كان ابن كيران يريد تشكيل حكومة تنال ثقة مجلس النوّاب الذي يضم 395 عضوا. فمثل هذه الحكومة تحتاج الى تحالفات مع أحزاب صغيرة او متوسطة لا تنتمي الى التيّار الإسلامي. يفرض مثل هذا التحالف على الإسلاميين ان يكونوا اكثر قرباً من الواقع المغربي وان يبحثوا عن قواسم مشتركة مع ليبيراليين ويساريين وأحزاب وطنية عريقة مثل الاستقلال، في حال كانت لديهم رغبة في تشكيل حكومة وتأكيد انّهم ليسوا جزءا لا يتجزّأ من التنظيم العالمي للاخوان المسلمين.

ذهب لبنان ضحية العقلية الانقلابية التي حاول دائما ان يكون بعيدا عنها. هذه العقلية الانقلابية وراء منع انتخاب رئيس للجمهورية. هذه العقلية الانقلابية هي التي تمنع لبنان من امتلاك اقتصاد قويّ. هذه العقلية الانقلابية التي تسعى حالياً الى التخلص من اتفاق الطائف وراء تيئيس اللبنانيين وافقارهم. كان لبنان في الماضي منارة المنطقة. من يريد منارة هذه الايّام عليه المجيء الى المغرب حيث لا سلاح خارج سلاح السلطة ولا ميليشيات مذهبية مثل ميليشيا «حزب الله». يفتخر ملك المغرب بانّه على مسافة واحدة من كلّ حزب من الأحزاب ومن كلّ مواطن مغربي اكان مسلماً او يهودياً. لا عقد في المغرب تجاه أي دين سماوي. الاكيد ان المملكة تواجه صعوبات على الصعيد الاقتصادي في ضوء الازمات الاقتصادية في العالم، لكنّ ذلك لا يمنعها من تطوير نفسها والانفتاح على الفضائين الاوروبي والافريقي. لم يعد ممكناً الاستخفاف بالوجود المغربي في افريقيا الذي سبق عودة المملكة قبل اسابيع الى ممارسة دورها في اطار الاتحاد الافريقي.

مرّة أخرى ما سر المغرب؟ زارت العقلية الانقلابية المغرب في الماضي مرّتين وعرف كيف يطردها. الخوف كلّ الخوف ان هذه العقلية بدأت تستوطن في لبنان بعدما حماه نظامه الديموقراطي منها طويلاً.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال