القائمة

أرشيف

مصطفى الهردة..عندما تكون إعاقة فقدان البصر دافعا للنجاح والتميز

يتم الاحتفال باليوم العالمى لـ"برايل" فى الرابع من شهر يناير من كل سنة، حيث يتذكر العالم فضل نظام الكتابة "برايل" الذي اخترعه الفرنسي لويس بريل، والذي أنار به عتمة الملايين من فاقدي البصر في العالم.

عالم المكفوفين عالم جدير بالاهتمام، فهذه الشريحة التي ابتليت بفقدان البصر لسبب أو آخر انطلقت تلملم أطرافها وتبصر بقلوبها الطريق، فمنهم من لم تمنعه هذه الإعاقة من مواصلة مسيرته الحياتية، فكان النجاح حليفه، بل منهم من صار مضربا للمثل عند الكثيرين، ومن بين هؤلاء في المغرب المنشط الإذاعي مصطفى الهردة الذي يقدم واحدا من أنجح البرامج الاجتماعية في الإذاعات المغربية .

نشر
المنشط الإذاعي مصطفى الهردة مقدم برنامج سمير الليل على إذاعة "إم إف إم"
مدة القراءة: 4'

تقف إعاقة فقدان البصر أمام الملايين من بني البشر عائقا وحاجزا أمام تحقيق أحلامهم، بل وقد تقف أمام الحياة ذاتها، لكن هناك من استطاعوا تخطي كل الصعاب بعدما تألموا وعانوا ولم تزدهم المعاناة إلا إلهاما وقوة، ليتركوا للآخرين أمثلة على ما قد تفعله الإعاقة والألم بالبعض، حتى أنها قد تشكل في يوم من الأيام جسرا يمكننا من العبور إلى ما كنا نراه مستحيلا.

"إني وإن  حلك الظلام  تطالني..نور على أفق الرحاب يخيم

 إني وإن ستر الضباب غطاءه..فجر على ضوء السنا يتبسم"

بهذين البيتين الشعريين يلخص المنشط الإذاعي مصطفى الهردة الذي اشتهر بتقديمه لبرنامج "سمير الليل" على أمواج إذاعة "إم إف إم" مسيرته، فقد خرج إلى نور الحياة، فاقدا للبصر، لكن الإعاقة لم تفلح بإقحامه في عالم الظلام، وولج بعزيمته إلى الحياة ورحابتها من أوسع أبوابها.

في شهر مارس من سنة 1975، أطلق صرخته الأولى في هذه الحياة، وبعد سنوات قليلة احتضنته مدرسة خاصة بالمكفوفين حيث انطلقت مسيرته في التعلم، ليلج بعدها جامعة محمد الخامس بالرباط، حيث توج دراسته بالحصول على دبلوم الدراسات العليا في شعبة علم النفس الاجتماعي.

بدأ اهتمامه بالميدان الاعلامي وهو ابن العشر سنوات، واشتغل في سنين لاحقة متعاونا مع الاذاعة الجهوية بمراكش، لكنه سرعان ما وجد نفسه مضطرا لمغادرتها بفعل "إكراهات متعلقة بتسوية الوضعية".

يقول مصطفى في حديثه لموقع يابلادي، بعد ذلك "وثق مدير عام إذاعة "إم إف إم" في قدراتي، وبدأت في تقديم برنامج صباحي لاقى نجاحا كبيرا"، لكنه كارن يرغب في تقديم برنامج ليلي، فمنذ "الصغر وأنا أسهر كثيرا فاقترحت عليه أنه إذا كان راغبا في أن يكون أدائي جيدا أن أعمل ليلا، ومنذ ذلك الوقت بدأت في تقديم برامج ليلية".

شهرة الهردة في مجال التقديم الإذاعي بدأت فعليا سنة 2007، حين بدأ في الاشراف على تقديم برنامج "قلوب مفتوحة"، قبل أن يتقرر تغيير اسم البرنامج إلى "سمير الليل". وهو برنامج تفاعلي يبث مباشرة على الهواء خمسة أيام في الاسبوع مدته أربع ساعات، يعتبره الكثيرون متنفسا اثيريا للبوح وعرض همومهم ومشاكلهم، من أجل البحث عن حلول لها.

يتميز الهردة بقدرة كبيرة على الانصات لهموم الآخرين، وأكد أن هذه القدرة تأتي "من الحدس الذي أتميز به، ويمكن أن أؤكد لك أنني وصلت مع المستمعين الذين يتابعونني، لأن أقول لهم مثلا لا تلعب في هاتفك، أو أجلس وتحدث...وكأنك تراه ..هو إحساس وحدس، يأتي من قوة الاصغاء لهم لأنه من كيفية حديثهم يمكنك أن تعرف الكثير عنهم...".

ولا شك أن المكفوفين في المغرب يعيشون واقعا قاسيا وصعبا، خاصة فيما يتعلق بالتعليم وانعدام فرص العمل ونظرة بعض افراد المجتمع لهم...، وهذا ما يلخصة الهردة قائلا إن "وضعية المعاق في المغرب غير مشرفة" معتبرا أن "على الدولة انطلاقا من رئيسها والذي هو ملك البلاد أن تستوعب أن هذه الفئة لها كرامة وعليهم أن يشرعوا قانونا ملائما للتشريعات الدولية، لأن المعاق في بلادنا ليس له إمكانية للولوج إلى الحياة ككل، وهناك تقصير كبير في حقنا..أظن أنه اصبح الوقت ملائما لكي يصير لنا الحق في الولوج إلى الحياة كسائر الناس".

والإعاقة كما يراها هو ليست حاجزا أمام الانسان كما أنها في الوقت ذاته ليست دافعا له، وعموما فبعض المكفوفين "لهم كفاءات عالية جدا والدولة يجب أن تدرك أنه لا يجب أن ننتقص من قدرهم، ولا يجب عليها أن تسن قوانين تنضح من مقاربة إحسانية، نحتاج إلى المناصفة الحقيقية، فالأشخاص في وضعية إعاقة يعانون من جميع أشكال التمييز".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال