القائمة

أرشيف

نادية وريتا برادلي..مغربيتان خططتا لتنفيذ عمليات فدائية في إسرائيل وكلفهما ياسر عرفات بتقديم برنامج إعلامي في إذاعة فلسطينية

في بداية السبعينات انطلقت شقيقتان من المغرب هما نادية وريتا برادلي لتنفيذ عملية فدائية في إسرائيل، باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لكن تم اعتقالهما من قبل الشرطة الإسرائيلية بمجرد وصولهما إلى تل أبيب، وتمت إدانتهما بالسجن النافذ، وبعد خروجهما من السجن التحقتا بالفصائل الفلسطينية المسلحة في لبنان لمواصلة نضالهما ضد الاحتلال الإسرائيلي.

نشر
الراحل ياسر عرفات الذي ترأس منظمة التحرير الفلسطينية سنوات السبعينات
مدة القراءة: 5'

في سنة 1971 اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي شقيقتين مغربيتين هما ناديا وريتا برادلي، كانتا على وشك تنفيذ أول عملية فدائية في إسرائيل يقوم بها أجانب غير فلسطينيين.

من البداية 

بدأت حكاية ارتباط الشقيقتين بالقضية الفلسطينية بشكل كبير، في شهر شتنبر من سنة 1970، حين هجم الجيش الأردني على الفصائل الفلسطينية المسلحة في عدة مدن أردنية، وهو ما خلف الآلاف من الجرحى والقتلى في الجانبين، وجلب تعاطفا واسعا خصوصا في العالم العربي للفلسطينيين.

وفي سنة 1971 تعرضت نادية برادلي، التي كانت تتابع دراستها في شعبة الفلسفة والآداب بجامعة السوربون، لحادث خطير بالعاصمة الفرنسية وأنقذها جارها الذي كان يرأس المكتب الأوربي لـ"الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" بباريس، وهو فصيل فلسطيني شيوعي فخلق الحادث بينهما صداقة، ومن ثم أطلعها على القضية الفلسطينية وما تمارسه الدولة العبرية بحق أبناء شعبه، فزاد إيمانها بضرورة نصرة الشعب الفلسطيني، ودعم حققه في التحرر واستعادة أرضه، فبدأت تفكر في اقتحام الدولة العبرية وتنفيذ عملية فدائية دعما للثورة الفلسطينية.

وهكذا بدأت نادية وكان عمرها خمسة وعشرين عاما وريتا تسعة عشر عاما، بالتفكير في القيام بعملية فدائية داخل إسرائيل.

التوجه إلى إسرائيل

بعد ذلك قامت الشقيقتان التان كانتا تقيمان في العاصمة الفرنسية باريس بالتدرب على حمل السلاح بمساعدة ناشطين فلسطينيين، وقامتا بتحضير المتفجرات، واستعدتا للعملية استعدادا كاملا، و انضمتا إلى ما عرف آنذاك بكوماندوز الفصح.

وفي 11 أبريل من سنة 1971 وصلتا إلى مطار اللذ في تل أبيب (يطلق عليه الإسرائيليون اسم مطار ابن غوريون)، فعثر بين أمتعتهما على بودرة متفجرات، شديدة الانفجار وبطاريات لأجهزة التفجير كانت معدة بشكل محكم وداخل أكعاب أحذية وضمن مساحيق التجميل وداخل الملابس.

وبحسب ما تحكي رتا برادلي في حوار مصور أجرته مع قناة الجزيرة القطرية، فبعد اعتقالهما تعرضتا للضرب وأصيبتا بكسور، "كما حُقنّا مرتين بالبنتوتال أدى إلى مرض نادية بسبب المواد الكيميائية حتى أنهم استعملوا معنا طريقة منع النوم والأكل والراحة، فكان علينا أن نجلس طوال الوقت على الكرسي وكثيرا ما كانوا يعصبون عيوننا ونحن جالسات وهم يقومون أحيانا بإعطائنا كوبا من الشاي والذي لم يكن شاي ولا أدري ماذا كان لأننا فور أن نشرب منه حتى نمرض ونبدأ بالهذيان ثم نفقد الوعي وأظن أننا خلال فترة الاستجواب خسرت كل منا ما بين عشرة وخمسة عشر كيلو جراما وقد أصبحنا ضعيفات البنية لكن مع تصميم كبير وذلك لأننا كنا نستمد العزم من صراخ المعتقلات الفلسطينيات، لذا إذا أردت هذا كان يعيد لنا القوة وكان قد تم فصلنا عن بعضنا وعلمت فيما بعد أن نادية وضعت عارية داخل زنزانة انفرادية لمدة شهرين أو ثلاثة بالإضافة إلى التحقيق وقد أرهقها هذا كثيرا وقبل المحاكمة تم نقلنا وذلك من أجل التأكد من صحة التحقيقات مما يعني أنهم استعانوا للمرة الأولى بمصل الحقيقة".

جحيم الاعتقال

وبعد انتهاء التحقيقات بدأت جلسات محاكمتهما في محكمة عسكرية لأنه تم اعتبارهما "إرهابيتين"، وتقول ريتا "مررنا بجميع مراحل الأحكام، فقد حُكِم علينا أولا بالإعدام، ثم انتقلنا إلى مرحلة الحكم بالسجن وأبلغنا بأنه فترة عشر سنوات أو اثنتي عشرة سنة، فقلنا طيب سنبقى في السجن لمدة عشر سنوات أو اثنتي عشرة سنة". واستقر الحكم النهائي على إدانة ريتا بالسجن عشر سنوات و نادية باثني عشرة عاما.

وبعد مرور حوالي أربع سنوات على سجنهما أصيبت نادية التي كانت تحمل الجنسية الفرنسية أيضا بأمراض خطيرة، وتقول ريتا آنذاك "تدخل القنصل الفرنسي في إسرائيل والذي كان فعال ففي الوقت الذي قرر فيه الإسرائيليون بتر أصابعها من الوسط في اليدين قال حينها أن هذا غير مقبول وهذا أمر لا يطاق سوف أشعل أزمة دولية وسوف تدفعون الثمن غاليا".

وتم الإفراج إثر ذلك عن نادية بسبب الضغوط التي مورست وخرجت بعد أربع سنوات وبضعة أشهر من السجن تقريبا، فيما غادرت شقيقتها ريتا السجن بعد ثمانية أشهر من ذلك.

الاصرار على مساندة الفلسطينيين

بعد إطلاق سراحهما، ظن الجميع بأن سنوات السجن ستدفعهما للعودة إلى المغرب أو فرنسا والعيش بهدوء والندم على العملية والكفاح المسلح ولكن نادية وريتا خرجتا أكثر تعلقا بالعمل المقاوم مما كان عليه حالهما قبل السجن وهكذا وما أن وصلتا إلى باريس، حتى بدأتا في التفكير بالانتقال إلى لبنان، الذي كان آنذاك مسرحا كبيرا للفصائل الفلسطينية.

وبعد وصولهما إلى لبنان تم استقبالهما استقبال الأبطال بحسب ما تحكي رتا للجزيرة حيث "كانت هناك كل الهيئات الفلسطينية، المناضلين كلهم هزوني حسيت أن استقبال عظيم، حقيقة لم أكن انتظر ذلك فقد كان نايف حواتمة وجورج حبش وناشطون من فتح، الجميع كانوا هناك، جميع الأخوات ونادية وتم حملنا على الأكتاف".

ورغم أنهما تدربتا على استعمال السلاح، إلا أن الراحل ياسر عرفات الذي كان يترأس آنذاك منظمة التحرير الفلسطينية، طلب منهما بحسب ما تحكي ريتا تقديم "برنامج عبر إذاعة صوت فلسطين وقد وجدنا هذا جميلا، كنا نتحدث مع الإسرائيليين عبر البرنامج وكانت نادية تهتم بالشؤون السياسية الإيديولوجية وبتعليم الفلسطينيين بينما كنت أنا في الأمن".

العودة إلى المغرب

في سنة 1982 قررت الشقيقتان العودة للإقامة بالمغرب، وعملت نادية في الميدان الإعلامي وأسست جريدة باللغة الفرنسية وسعت مع شقيقتها للعودة إلى كنف حياة طبيعية بعد سنوات طوال من العمل من أجل القضية الفلسطينية.

وفي سنة 1995 توفيت نادية متأثرة بالأمراض التي أصابتها في فترة اعتقالها بالسجون الإسرائيلية، ويقول عنها عبد الناصر فروانة، رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين بالسلطة الوطنية الفلسطينية " نادية البرادلي تلك الأسيرة العربية المغربية المحررة التي لم تنل حقها في الإعلام العربي الذي أخفق و لم يمنحها المساحة التي تَستحقها ، ولم يُعطها حقها من كلمات الإشادة والثناء، وربما الكثيرين من الفلسطينيين ومن الأشقاء المغاربة يجهلون قصتها ولا يعرفون أن مواطنة مغربية أدارت ظهرها لمتاع الدنيا واختارت النضال والجهاد والاستشهاد من أجل فلسطين .. فهي بطلة بكل معنى الكلمة وتستحق لقب "الفدائية" عن جدارة".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال