القائمة

أرشيف

تاريخ : عندما رفض الأمير عبد القادر الجزائري مبايعة أهل وجدة له أميرا عليهم وتمسك بتبعيته للسلطان المغربي

وجد الأمير عبد القادر الجزائري في المغرب سندا قويا أثناء مواجهته للاستعمار الفرنسي الذي دخل الجزائر سنة 1830، بل وكان يجهر بتبعيته لسلطان المغرب وهو ما توضحه رسالة وجهها في شهر أكتوبر من سنة 1938 لمولاي عبد الرحمان. وبعدما تمكنت القوات الاستعمارية من دحره باتجاه المغرب رفض مبايعة أهل وجدة له أميرا عليهم احتراما لسلطان المغرب.

نشر
الأمير عبد القادر الجزائري
مدة القراءة: 5'

بالتزامن مع دخول المستعمر الفرنسي إلى الجزائر، حاول السلطان المغربي مولاي عبد الرحمان، بسط نفوذه على عدد من المناطق الجزائرية التي بايعه أهلها، وطرد العثمانيين منها، لكن مع بروز الأطماع الفرنسية تغيرت الأمور ووجد السلطان المغربي نفسه مضطرا إلى مغادرة الغرب الجزائري، ورغم ذلك لم يتخل عن دعم الجزائريين في مسعاهم لطرد المستعمر.

فبعد دخول فرنسا واندحار العثمانيين، قاد الأمير عبد القادر الجزائري بمساندة من السلطان المغربي، حملة مقاومة عنيفة ضد المستعمر، وبايعه أهالي الغرب الجزائري أميرا عليهم سنة 1832، وعمل على تنظيم المجاهدين وتحفيز الأهالي على حمل السلاح، واستقر له الأمر وألحق بالفرنسيين العديد من الهزائم، لكن بعد سنة 1839 أعدت فرنسا العدة جيدا وسيطرت الوضع باتباع سياسة الأرض المحروقة، حيث دمرت المدن وأحرقت المحاصيل.

وتمكن الأمير من الصمود في البداية مستعينا بالمساعدات المغربية، لكن الأوضاع تغيرت وجد نفسه مضطرا لمغادرة بلاده بحسب ما جاء في كتاب "الحكومة المغربية واحتلال الجزائر" لصاحبه إسماعيل حمت.

الأمير عبد القادر الجزائري والسلطان مولاي عبد الرحمان

وجاء في الكتاب أنه "لما تكاثر العدو وانتشر في أنحاء البلاد إلتجأ الأمير إلى بلاد المغرب الأقصى، ونزل بضواحي وجدة من أطراف الريف فرحب به أهل تلك الجهة وأكرموه".

وأوضح المصدر نفسه أن الأمير عبد القادر الجزائري لم يقبل مبايعة أهالي وجدة له أميرا عليهم حيث جاء في الكتاب "ألحو عليه أن يقبل بيعتهم له أميرا عليهم نظرا لما يعلمونه عنه من قوة الشكيمة والشجاعة والبطولة، إلى جانب خلقه الحسن وتدينه. غير أن الأمير امتنع عن قبول هذه البيعة". وقال :

إني دخلت بلاد السلطان لا لأكون ضده أو لآخذ منه ملكه فهذا لا يقول به عاقل

الأمير عبد القادر الجزائري

وقبل مجيئه إلى المغرب كان الأمير عبد القادر الجزائري، ورغم مبايعته من بعض قبائل الغرب الجزائري، يعتبر نفسه خليفة للسلطان المغربي، ويظهر ذلك في العديد من المناسبات، ففي شهر نونبر من سنة 1838 أرسل الأمير إلى مولاي عبد الرحمان "الهدايا التي حصل عليها من الملك لفرنسي بمناسبة عقد صلح تافنا، بدليل أن تلك الهدايا موجهة إلى أمير المؤمنين" بحسب ما جاء في نفس الكتاب.

وما يؤكد تبعية الأمير إلى سلطان المغرب، هو أن خطب "صلاة الجمعة في الغرب الجزائري كانت باسم السلطان المغربي، والأمير نفسه كان يدعو إلى ذلك".

وحتى بعد انتصار الأمير في العديد من المعارك، فإنه لم يعلن أبدا نفسه كملك للمنطقة، بل اعتبر نفسه دائما نائبا للسلطان المغربي، وخير دليل على ذلك الرسالة التي وجهها لمولاي عبد الرحمان في شهر أكتوبر من سنة 1838يطلب فيها إرسال الحاكم العام المغربي، بعد أن استتبت له الأمور في المنطقة. ومما جاء في الرسالة:

إن شعب الجزائر متحد الآن والطرق آمنة والعادات السيئة قد قضي عليها...والموارد الضرورية لجيشنا كثيرة، كل ذلك يعود إلى تأييد الله الذي جاءنا من دعواتكم ورضاكم عنا، ولولا ذلك لكنت أضعف الناس على إنجاز كل هذا...ونحن الآن نرجو من سموكم أن ترسلوا أحد أبنائكم أو أحفادكم أو خدامكم لتولي سلطات الحكم، لأن البلاد الآن موطدة، وسأكون أول من يعمل تحت من ترسلونه وأن أسخر كل إمكانياتي لذلك.

الأمير عبد القادر الجزائري

لكن السلطان المغربي رد عليه حسب ما جاء في كتاب "الحكومة المغربية واحتلال الجزائر" يثبته في في مكانه ويحثه على مواصلة الجهاد.

الأمير عبد القادر الجزائري وإنجلترا والمغرب

وأرجع محمد بوزيان في كتابه "جذور اتحاد المغرب والجزائر (1832-1845)" تمسك الأمير عبد القادر الجزائري بتبعيته للسلطان المغربي، إلى علمه بأن المغرب يملك قوة كبيرة من البشر والسلاح، خصوصا وأن إنجلترا كانت تساند المغرب لمواجهة الأطماع الاستعمارية الفرنسية.

لذلك كان يرى أن اعتماده على المغرب هو اعتماد على قوة كبيرة حامية للمغرب هي إنجلترا، وإضافة إلى هذا كان الأمير يجد صعوبة في دفع القبائل الجزائرية للالتفاف حوله، ولأن مقاومة المستعمر كانت بدافع ديني أساسا، وجد الأمير عبد القادر في خضوعه سياسيا للسلطان المغربي لكونه أميرا للمؤمنين ومن واجبه الدفاع عن دار الإسلام عندما تصبح مهددة، حلا لجمع شمل القبائل الجزائرية.

ورأى الفرنسيون في وجود الأمير في المغرب تهديدا لتواجدهم في الجزائر، فحاولوا إقناع السلطان المغربي بالتخلي عن مساندته، لكن محاولاتهم باءت بالفشل.

وبعد إصرار المغرب على دعم الأمير عبد القادر، تفاقمت الخلافات بين المغرب وفرنسا ووصلت إلى حد التقاء جيشي البلدين في معركة إسلي بالقرب من مدينة وجدة، وهي المعركة التي انتهت بانتصار الفرنسيين وفرضهم شروطا قاسية على المغرب.

تمثلت هذه الشروط في استيلاء فرنسا على بعض الأراضي المغربية عقابا له، وفرضت فرنسا غرامة مالية على البلاد ومنعت السلطان من تقديم الدعم للجزائر.

وكان من نتائج هذه المعركة عقد معاهدة لالة مغنية سنة 1845التي تركت الحدود المغربية الجزائرية غامضة، واستغلت فرنسا هذا الغموض لتحتل في أواخر القرن 19 أجزاء من الصحراء المغربية الشرقية والمتمثلة في ولايتي تندوف و بشار.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال