القائمة

أخبار

مفارقات تجديد الدولة والنخب في مغرب الدستور الجديد

 لا شك أن تعداد المفارقات التي يزخر بها مغرب الدستور الجديد ليس أمرا شاقا، مفارقات بين ما تضمنه الخطاب الأخير لعاهل البلاد وممارسات الطبقة السياسية ونخبها، بين الدعوة إلى تجديد الأحزاب ومسار التزكيات داخلها اليوم، بين المطالبة بمجال سياسي وحزبي مسؤول وبين ظهور المجموعات السياسية الهجينة.

نشر
DR
مدة القراءة: 3'

مرة أخرى دعا الملك في خطاب افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان الطبقة السياسية إلى ضرورة إنجاح الاستحقاق السياسي الهام ل 25 نونبر المقبل، من خلال تحمل الفاعلين لمسؤولياتهم كاملة والالتزام بضوابط النزاهة وتجسيد التحول الجوهري الذي حمله الدستور لتجديد المؤسسات والنخب، والسعي إلى عمل سياسي ملموس وناجع يلبي انتظارات المواطنين وحاجيات الفئات المعوزة.

وعلى غرار ما انتظره الكثيرون جاء الخطاب الملكي الأخير بصيغة توجيهية واضحة، دعت الجميع إلى النظر بالمسؤولية للإنتخابات وما بعدها، في اتجاه مسار تنموي يضمن للمغرب ومؤسساته الاستقرار اللازم ولشعبه العيش الكريم.

غير أن الكلمات التوجيهية للخطاب الملكي لم تمثل سابقة في تاريخ الخطب التي ألقاها العاهل المغربي على مسامع النواب والمستشارين، بل سبقتها خطب كثيرة دعت جميعها الطبقة السياسية والأحزاب إلى التحلي بالمسؤولية اللازمة التي تمليها اللحظة التي يجتازها المغرب.وكل مرة تحتفظ الطبقة السياسية بمسارها الخاص، المعاكس لما ورد في الخطب الملكية وتوجيهاتها.

والظاهر أن ما تضمنه الخطاب الملكي الأخير من رسم لخارطة طريق موسعة تستشرف معالم مغرب ما قبل 25 نونبر وما بعدها، سوف لن يجد صدى كبيرا لدى الأحزاب السياسية التي شرعت في التحضير لانتخابات نونبر المقبل. وكأن الحياة الداخلية للأحزاب والصفقات التي تتم بين قادتها في تعيين المرشحين وتوزيع التزكيات هي مساحة عازلة، يحرص المتحكمون فيها على أن لا تخترقها رياح التجديد والتغيير.

هكذا في الوقت الذي ردد فيه الشباب المغربي في كل شوارع المملكة مطالبهم بضرورة تجديد النخب ورحيل وجوه حزبية وسياسية رافقت كل العصر السياسي للمغرب منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، استمرت الأحزاب السياسية في تزكية نفس الوجوه والأسماء، بل ذهب بعضها إلى توريث الكرسي النيابي لأبنائه وأحفاده.

ومن المفارقات أيضا أنه في الوقت الذي يدعو فيه الملك إلى التجديد في الدولة والنخب السياسية تأتي المبادرات بتأسيس المجموعات السياسية خارج الطبيعة مثل تشكيل مجموعة الثمانية من حزب "البام" الذي يقول إنه يجمع بين الأصالة والمعاصرة وأحزاب إدارية سابقة وأحزاب يمينية وأحزاب اشتراكية وإسلامية،والحال أن مثل هذه المبادرات تفرغ الانتخابات من محتواها السياسي حتى وإن جاءت نزيهة، ونالت شهادات خلوها من التزوير.

ولعل الكثيرين سوف يتذكرون، في حال فوز مجموعة الثمانية بالانتخابات المقبلة، كيف استطاعت قوة خفية في المغرب أن توحد المستقلين في السبعينيات وتصنع منهم حزبا للأحرار على رأسهم وزير أول هو أحمد عصمان، وكيف تمكنت نفس هذه القدرة العجيبة أن تنشأ الاتحاد الدستوري قبيل انتخابات بداية الثمانينيات ليفوز بالانتخابات وليطبق المعطي بوعبيد زعيم الاتحاد الدستوري آنذاك برنامج التقويم الهيكلي بداية من 1983.

لا شك أن تعداد المفارقات التي يزخر بها مغرب الدستور الجديد ليس أمرا شاقا، وهي مفارقات مستمرة وممتدة إلى ما بعد 25 نونبر، والقطع معها هو ما سيصنع المغرب بمؤسسات ونخب جديدة.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال