القائمة

أخبار

جوزيف كليمنس.. الألماني الذي قاتل إلى جانب محمد بن عبد الكريم الخطابي

انتقل الألماني جوزيف أوتو كليمنس الملقب بـ "الحاج أليمان" أو "الحاج محمد الألماني"، من الجيش الألماني إلى الفرنسي وصولا إلى منطقة الريف بالمغرب، وتحديدا إلى جيش الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، قائد الثورة الريفية، حيث برز اسمه بين الشخصيات التي قاتلت ضد الاستعمار الفرنسي والإسباني في المغرب.

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

ولد جوزيف كليمنس سنة 1893 بمدينة دوسلدرف غرب ألمانيا، عاش بعدها طفولة مضظربة، وفي سنة 1912 انضم إلى الجيش الألماني، وبعد أقل من سنتين، هاجر نحو فرنسا، حيث انخرط في سلك الفيلق الفرنسي الذي كان يدعم الاحتلال الفرنسي ويعمل على قمع الثروات المحلية.

وعرف جوزيف كليمنس خلال السنوات الأربعة الأولي التي قضاها بالمغرب بطاعته الشديدة للخطابي، حسب ما ذكره الأخصائي إيف لو جاغييل في مقاله "كليمنس، جوزيف أوطو (1893- 1939) : البطل أو الشرير في معركة حرب الريف؟".

ورغم حصوله في 1 يناير 1922 على ترقية في رتبته العسكرية، إلا أنه لم يكن سعيدا بحياته الجديدة، حيث كتب في رسالة إلى أحد أصدقائه المقرين أنه "يشعر كأنه ضحية لشكوك وكراهية الفرنسيين كأخيه وأبيه، وأنه ينوي الفرار من الخدمة"، وهو ماقام به في نفس السنة، و أشارت التقارير العسكرية إلى أنه على الرغم من أنه لم يكن لديه ما يلومونه عليه، إلا أنه كان "مشبوها وشكاكا و متكبرا".

وبعدها انتقل إلى معسكر إحدى القبائل في جبال الريف، وانضم إلى جيش الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، حيث انبهر حينها بالمجاهدين المسلمين، وهو ما حفزه على اعتناق الديانة الإسلامية، وسمى نفسه بعد ذلك بـ "محمد".

وجاء في كتاب  محمد كامل عبد الصمد "الجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء" أن هذا  "كان ذلك دافعًا إلى انضمام جوزيف كليمنس لمعسكر إحدى القبائل الثائرة (...) وأعلن رغبته في إشهار إسلامه، وتسمَّى باسم محمد ويُطلق عليه "الحاج محمد الألماني"، وارتدى الزِّيَّ العربي، وتشبه بالعرب في كل عاداتهم وسلوكياتهم".

وبالرغم من أن كليمنس، كان تحت حماية القائد الخطابي، بعدما كسب ثقته إثر مساعدته في استعادة القاعدة الفرنسية بميسور، إلا أنه ظل  يعيش خائفا من إمكانية كشف أمره وإلقاء القبض عليه من قبل الجيش الفرنسي، الذي قدم وعدا بتقديم مكافأة لمن يجده ويعيده إليهم.

وأشار إيف لو جاغييل إلى أن الأمير عبد الكريم الخطابي عرف بضيافته للعديد من الأجانب، فإلى جانب الألماني جوزيف كليمنس، استقبل الصحفي والتر هاريس، والإنجليزي روبرت جوردن كانينج... 

من جهة أخرى، استطاع جوزيف كليمنس كسب ثقة عبد الكريم الخطابي الذي اعتمد عليه في رسم الخرائط وتصوير مواقع الأعداء وترجمة الرسائل،  كما انه عينه محل عبد الله سيربيانو، وأوكل له مهمة قيادة فيلق يضم حوالي 70 جندي، خلال حرب تطوان ضد القوات الإسبانية، و أطلق عليه لقب المدافع الأكبر للأمير عبد الكريم الخطابي، كما كلفه بالدفاع على المنطقة الساحلية، وتحديدا مدينة الحسيمة.

ورغم أن بعض زملائه في الجيش الفرنسي كانوا يصفونه بالعنيف المتكبر، إلا أنه اشتهر بسمعته الجيدة في قبائل الريف، وفي هذا السياق، قال جورج مانو، الصحافي الشهير، إن جوزيف كلينس الملقب بالحاج محمد الألماني "أصبح أسطوريا بالنسبة لجيشنا، وتحولت كراهيته إلى نوع من الإعجاب، وأصبح بعدها مغامرا عظيما، ليصير قدوة للجنود".

ونظرا لمكانته عند الخطابي، قلده منصبا عسكريا رفيعا، وقدم له أسيرة فرنسية تدعى "إزابيلا لاروس"، كان قد اشتراها من أحد رؤساء القبائل بـ 20 ألف بيزيتا.

وبالنسبة لحياته الزوجية، تزوج كليمنس عدة مرات، وكانت إحدى زوجاته تدعى ميمونة، وهي ابنة عم الزعيم عبد الكريم الخطابي.

وخلال قتاله ضد المستعمر الفرنسي،  تعرض لإصابة بالغة، في هجوم استهدف موقع باب مزاب في شهر يونيو من سنة 1925، وبعد هزيمة الريفيين أمام الفرنسيين، ظهر اسم  كليمنس أيضا خلال حرب مكناس في فبراير سنة 1927 .

 وبعد ذلك، اعتقلته السلطات الفرنسية، وسجن عشرة أشهر بسرية تامة، وخلال جلسة الاستماع، وصفه الصحافيون الذين حضروا لمحاكمته، بأنه كان رجلا هزيلا، يرتدي "زيا عربيا مع عمامة حمراء"، وأشاروا إلى أنه لم يبد اهتماما كبيرا بالمحاكمة، كما أن "تعابير وجهه" لم تتغير عندما حكم عليه بالإعدام.

ولكن بفضل التدخلات الدبلوماسية، خاصة بعد حدوث بعض الخروقات القانونية خلال المحاكمة، استفاد من ظروف التخفيف، وحكم عليه بسبع سنوات سجنا مع الأعمال الشاقة، وفي سنة 1930 رحل إلى غوينا الفرنسية، قبل أن يطلق سراحه بعد أربع سنوات ليتم إرساله إلى ألمانيا، لكنه لم يستطع التأقلم في وطنه الذي كان تحث حكم النظام النازي، وهو ما دفعه إلى الانتحار سنة 1939.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال