القائمة

أخبار

حزب العدالة والتنمية ومصاعب التحالف الحكومي

سيكون على حزب العدالة والتنمية الإسلامي في المغرب البحث عن سيناريوهات أخرى لتشكيل الحكومة المقبلة غير السيناريو الذي توقعه غداة فوزه الكاسح خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة.

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

الموقف الأخير الذي أعلنه حزب الاتحاد الاشتراكي بعدم المشاركة في حكومة عبد الإله بن كيران والعودة إلى المعارضة يفرض على حزب العدالة والتنمية إعادة حساب تحالفاته الممكنة لضمان الأغلبية العددية البرلمانية التي ستصوت على التصريح الحكومي وتنصب الحكومة المقبلة.

ويسير قرار الاتحاد الاشتراكي على عكس ما تمناه الإسلاميون من رغبتهم في التحالف مع أحزاب الكتلة الديمقراطية لتشكيل حكومة جديدة منسجمة وتقود الإصلاحات في إطار الدستور الجديد. لذلك فقد تراوحت ردود فعل قيادات حزب العدالة والتنمية على قرار الحزب الاشتراكي بين إعلان قبولها اختياره للمعارضة ورفضها له، إلى حدود تفسير ذلك بوجود طابور خامس داخل الحزب دفع في اتجاه عدم مشاركته في حكومة يقودها الإسلاميون نكاية بالعدالة والتنمية وسعيا وراء إفشال حصوله على الأغلبية البرلمانية المطلوبة.

الاتحاد الاشتراكي فسر عودته إلى صفوف المعارضة أولا بالترتيب الذي احتله في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وهو ما اعتبره الحزب رسالة شعبية تدعوه إلى عدم المشاركة في الحكومة، هذا فضلا عن أنه لا يريد أن يشارك في ائتلاف حكومي من موقع ضعيف، قد لا يحصل خلاله على الحقائب الوزارية التي يريدها.

ومن الاعتبارات الأخرى التي ساقها الاتحاديون أنهم يسعون إلى أن تكون التحالفات الحزبية مبنية مستقبلا على قاعدة إيديولوجية سياسية واضحة، كأن يتحالف اليسار مع اليسار واليمين مع اليمين والإسلاميون مع الأحزاب القريبة منهم، لذلك فهو يرى أن التحالف الحالي بين العدالة والتنمية مع حزب الاستقلال هو تحالف معقول ومنسجم سياسيا، بحكم أن حزب الاستقلال الذي قاد الحكومة السابقة ينبني تصوره وخطابه على مرجعية إسلامية ووسطية واضحة.

بيد أن العدالة والتنمية لن يكفيه التحالف مع حزب الاستقلال فقط لكي ينجح في تمرير التصريح الحكومي وتنصيب الحكومة المقبلة، بل يلزمه أحزاب أخرى يتحالف معها لتحقيق ذلك. فالعدالة والتنمية الحاصل على 107 من المقاعد والاستقلال ب 60 مقعدا تلزمهما مقاعد أخرى لتحقيق الأغلبية المطلقة التي ستدعم الحكومة.

والأغلبية المريحة التي يتصوررها عبد الإله بن كيران ليس فقط النصف زائد واحد، بل يجب أن تفوق ذلك لكي توفر للحكومة المقبلة الاستقرار المطلوب لممارسة مهامها بعيدا عن مفاجآت البرلمان وتقلباته التي قد تعصف بالاستقرار الحكومي.

لذلك وفي انتظار أن يكشف حزب اشتراكي آخر ينتمي إلى الكتلة الديمقراطية، وهو حزب التقدم والاشتراكية (18 مقعدا) عن موقفه من المشاركة، أصبح مفروضا على رئيس الحكومة المعين أن يخطب ود أحزاب أخرى تنتمي إلى ما عرف بتحالف الثمانية الذي تم تشكيله من أجل وقف زحف الإسلاميين نحو البرلمان والحكومة.

هكذا على بن كيران أن يجد التوافق المطلوب مع حزب الحركة الشعبية (32 مقعدا) ، والاتحاد الدستوري (23 مقعدا) لكي يضمن أغلبية مريحة مكونة من أربعة أحزاب وتتوفر مجتمعة على 222 مقعدا، وذلك في حال التحاق التقدم والاشتراكية بالمعارضة إلى جانب الاتحاد الاشتراكي.

غير أن التخوفات التي لا يعلنها عبد الإله بن كيران هي أن الأغلبية القوية التي تمناها هو وقيادات العدالة والتنمية عقب فوزهم بالانتخابات ليست أغلبية عددية فقط بل أغلبية سياسية ومنسجمة، فالحركة الشعبية التي أعلنت على موافقتها على المشاركة في حكومة بن كيران، والاتحاد الدستوري كانا إلى حدود الإعلان على نتائج الانتخابات ضمن المعسكر الآخر الذي شكل ضد الإسلاميين والكتلة الديمقراطية. هذا فضلا على أن الحزبين نظر إليهما باعتبارهما أحزابا مقربة من السلطة ولا يملكان سلطة القرار والاستقلالية المطلوبة لإنجاح مشاريع الحكومة وتوسيع صلاحيات رئيسها وتفعيل مقتضيات الدستور الجديد.

وكيفما كانت السيناريوهات التي سيشكل بها بن كيران أغلبيته الحكومية، فالظاهر أن عمله قد بدأ وسط مصاعب كبرى، أولها أنه أرغم على تحالف هش مع أحزاب مقربة من السلطة كالحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، قد تعرقل المبادرات الحكومية الجريئة مستقبلا، وثانيها القوة التي باتت للمعارضة بعد التحاق أحد أحزاب الكتلة الديمقراطية بها، ليصطف بذلك الاتحاد الاشتراكي إلى جانب التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة إلى جانب أحزاب أخرى صغيرة ضد الحكومة المقبلة.

وفضلا عن هذا وذاك هناك سلطة الملك الذي لن يتنازل عن صلاحياته داخل الرقعة الدستورية والسياسية، ولن ينسحب تماما من الفعل التنفيذي، على الرغم من مقتضيات الدستور الجديد التي تمنح للوزير الأول صفة رئيس الحكومة.

فالمؤسسة الملكية لن تذخر جهدا، كما فعلت دائما، في استثمار مساحات أخرى لها علاقة بتدبير الحقل الديني وإمارة المؤمنين والسياسة الخارجية وتسطير التوجهات الكبرى والإستراتيجية في سياسة الدولة.

ولا شك أن بن كيران بتحالف حكومي هش لن يملك هامشا كبيرا للفعل، خصوصا إن اكتفت حكومته بتدبير القطاعات الحكومية المشتعلة التي تشكل عناوين لاحتجاجات الشارع، الذي نظم آخر تظاهراته

في اليوم الموالي الذي أعقب الإعلان عن نتائج الانتخابات، في إشارة قوية لاستمرار مسلسل الاحتجاج.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال