القائمة

أرشيف

في الذاكرة #1: عباس بن فرناس..الأمازيغي الذي قام بأول محاولة طيران في العالم وحوكم بالكفر والزندقة

يعتبر عباس بن فرناس أول من حاول الطيران في العالم، ورغم فشله في ذلك إلا أنه فتح الباب أمام أشخاص آخرين للبحث في كيفية التحليق في السماء. وقادته اختراعاته المتعددة إلى المحاكمة في المسجد الجامع بقرطبة بتهمة الكفر والزندقة.

نشر
تصميم محمد المجدوبي/ يابلادي
مدة القراءة: 5'

قد يجهل الكثيرون أن أول شخص قام بمحاولة حقيقية للطيران هو شخص أمازيغي من الأندلس يدعى عباس ابن فرناس، وهو من مواليد منطقة رندة لأندلسية سنة 810 وتوفي سنة 887 للميلاد في قرطبة.

عاش عباس بن فرناس في عصر الخليفة الأموي الحكم بن هشام وعبد الرحمن الناصر ومحمد بن عبد الرحمن الأوسط في القرن التاسع للميلاد، وكان كثير الاهتمام بالرياضيات والفلك والكيمياء والفيزياء، لكن شهرته تعود إلى محاولته الطيران، إذ يلقبه الكثيرون بأول طيار في العالم.

وتتفق المراجع والكتب التاريخية في  أن اسمه الكامل هو  أبو القاسم عباس بن فرناس بن ورداس التاكرني، ويرى كثيرون أن الفضل يعود له في تفكير الإنسان في الطيران.

محاولة الطيران

قبل إقدامه على محاولة الطيران قام ابن فرناس بدراسة حركة الطيور، ثم أجرى العديد من العمليات الحسابية التي تتعلق بالأوزان والسرعات والرياح.

وجاء في كتاب تاريخ بلد الأندلس في العصر الإسلامي لمحمد بشير حسن العامري "ظهرت في عهد الإمارة الأندلسية أول محاولة للطيران في تاريخ البشرية قام بها العالم أبا القاسم عباس بن فرناس بن ورداس التاكرني".

ووصف الكاتب ما قام به ابن فرناس قبل الطيران قائلا "احتال بقرطبة في تطبير جثمانه، فكسا نفسه الريش ومد لنفسه جناحين على ستة أميال من قرطبة".

وانتقل ابن فرناس إلى مرحلة التنفيذ، وصعد مئذنة مسجد قرطبة الكبير وتجمع حشد كبير لمتابعته وهو ينفذ محاولته، واستطاع فعلا أن يطير لمسافة معتبرة، لكنه لم يحسب حسابا للهبوط، إذ لم يصنع ذيلا يساعده على ذلك، فسقط مكسورا.

ويؤكد محمد بشير حسن العامري في كتابة أن ابن فرناس "استعلى في الهواء فحلق فيه حتى وقع من مكان مطاره على مسافة بعيدة، وساء على ذلك موقعه، كما تأذى من عجائب ذنبه، إذ لم يحسن الاحتيال في وقوعه ولم يقدر أن الطائر انما يقع على زمكاه، فلها عن ذلك، وقد كان افزع من عاين مطاره من أهل قرطبة، فكثر تحدثهم عما عاينوه منه، ولا يعلمون شأنه".

 فيما جاء في كتاب المغرب في حلى المغرب لابن سعيد المغربي "احتال في تطيير جثمانه، فكسا نفسه الريش على سرق من حرير، فتهيأ له أنه استطار في الجو، واستقل في الهواء محلقاً فيه، حتى وقع على مسافة بعيدة مكسوراً". 

اهتمامات أخرى

ولم ترتبط شهرة عباس بن فرناس بمحاولته الطيران فقط، فقد كان كثير الاهتمام بعلم الفلك، وقام بالعديد من الاختراعات، ومنها تطويره للساعة المائية المعروفة باسم "الميقاتة"، كما قام بابتكار طريقة غير مسبوقة لتصنيع الزجاج الشفاف من الحجارة، الذي يستخدم في العديد من الصناعات. كما أنه يعتبر أول من صنع عدسات تصحيح الرؤية.

ويعتبر أيضا أول من صنع قلم حبر في التاريخ، حيث قام بتصميم أسطوانة متصلة بحاوية صغيرة يتدفق عبرها الحبر إلى نهاية الأسطوانة المتصلة بحافة مدببة للكتابة.

وأشار حسين مؤنس في "موسوعة تاريخ الاندلس: تاريخ وفكر وحضارة وتراث" إلى تعدد مواهب ابن فرناس وقال "ومن هذه الشخصيات عباس بن فرناس، وهو في الحقيقة من رجال عصر الحكم الربض، ويكنى أبا القاسم، وكان فيلسوفا ورياضيا وشاعرا، وهو من أهل تاكرنا في جنوب الأندلس من أصل بربري، وكان ذا براعة في الكمياء وإليه تعزى طريقة عملية في صناعة الزجاج من دقيق الأحجار".

 فيما جاء في كتاب تاريخ بلد الأندلس في العصر الإسلامي لمحمد بشير حسن العامري "وتحدث ابن حيان القرطبي عن عباس بن فرناس وقال عنه : إنه نجم في عصر الحكم الربضي، ووصفه بأنه حكيم الأندلس الزائد على جماعتهم بكثرة الأدوات والفنون".

ويشير محمد عبد الله عنان في كتابه تراجم إسلامية شرقية وأندلسية إلى أن ابن فرناس عرفا "أولا ببراعته في الحكمة والشعر والأدب، وانتظم بين أعلام العلماء والشعراء الذين يضمهم بلاط الحكم ابن هشام". كما "برع ابن فرناس في الموسيقى وصياغة الألحان وفي الغناء".

زندقة وكفر  

وكما هو حال العديد ممن حاولوا الخروج عن المألوف في التاريخ، فقد اتهم عباس بن فرناس جراء ما قدمه من حيل واختراعات بأنه مشعوذ ومجنون، حيث يؤكد محمد عبد الله عنان في كتابه تراجم إسلامية شرقية وأندلسية أن الصفحة الأكثر إيلاما في حياة ابن فرناس كانت "هي محاكمته الشهيرة بتهمة الزندقة والكفر، فقد أثار هذا العلامة الفذ ببحوثه واختراعاته العلمية الفريدة، حسد الفقهاء وشكوكهم، كما أثارت بحوثه الكيمائية والفلكية بداره بالربض الغربي من قرطبة ثم محاولته للطيران، ظنون الكافة ودهشتهم، واعتقادهم أن الرجل مارق، يتمتع بقوى شيطانية خارقة، وقد أثمرت سعاية خصومه من الفقهاء وغيرهم في النهاية إلى اتهامه بالكفر والزندقة، وإتيان الخوارق الشيطانية، فاعتقل وقدم للمحاكمة بالمسجد الجامع، وهرع الناس لشهودها".

ومن حسن حظ ابن فرناس أن محاكته تمت من قبل قاض "صارم" و"مستنير" يدعى حسب ما جاء في كتاب محمد عبد الله عنان سليمان، ابن الأسود، حيث لم "ترقه تلك التراهات ولم يجد فيها طائلا، فشاور جماعة الفقهاء، فيما قيد منها، ولم يجد سبيلا إلى مؤاخذة ابن فرناس، وقضى ببراءته وإطلاق سراحه".

اعتراف بالجميل

ورغم فشل ابن فرناس في محاولته الطيران، إلا أنه شكل قدوة للعديد من الأشخاص الذين حاولوا السير على نهجه، حتى تمكنوا من صناعة آلات تمكن الإنسان من التحليق، وعرفانا بالجميل وضع له تمثال في العاصمة العراقية بغداد، كما سمي جسر بمدينة قرطبة باسمه، وأطلقت وكالة الأبحاث الفضائية الأميركية "ناسا" اسمه على فوهة قمرية.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال