القائمة

أرشيف

في الذاكرة #2 : فاطمة الفهرية مؤسسة أقدم جامعة في العالم

تحتضن مدينة فاس أقدم جامعة في العالم، هي جامعة القرويين التي بنتها فاطمة الفهرية منتصف القرن التاسع الميلادي، حيث كانت تشكل منارة فكرية وعلمية كبيرة في العالم بأسره، احتضنت طلاب من مشارق الأرض ومغاربها.

نشر
توضيب محمد المجدوبي/ يابلادي
مدة القراءة: 4'

يزخر التاريخ الإسلامي بالعديد من النماذج التي تؤكد أن الأفكار النمطية السائدة عن المرأة في العالم العربي والإسلامي قديما خاطئة، وتوضح أن المرأة ساهمت إلى جانب الرجل، في بناء مجد وحضارة الدول الإسلامية المختلفة على مر العصور.

ومن بين هؤلاء فاطمة الفهرية، التي تعد مؤسسة أقدم جامعة في العالم بمدينة فاس في بداية القرن التاسع الميلادي، ويعود نسبها حسب ما يذكر بعض المؤرخين إلى عقبة ابن نافع الذي يعد واحدا من أبرز قادة الفتح الإسلامي الذين فتحوا بلاد المغرب في صدر الإسلام ولقب بفاتح أفريقية.

وجاء في كتاب "المرأة قبل الإسلام" لشمس الدين كمال "أم البنين صاحبة أٌقدم جامعة في العالم، فاطمة بنت محمد الفهرية القرشية، هي امرأة مسلمة عربية من ذرية عقبة بن نافع الفهري القرشي فاتح تونس ومؤسس مدينة القيروان وهي شخصية تاريخية خالدة في ذاكرة العالم والتاريخ المغربي".

ونزحت فاطمة الفهرية وهي فتاة صغيرة مع العرب النازحين من مدينة القيروان إلى المغرب الأقصى، واستقرت في مدينة فاس، في عهد المولى إدريس الثاني، حيث يؤكد الكاتب شمس الدين كمال أنها نزحت "وهي فتاة صغيرة مع العرب النازحين من مدينة القيروان إلى أقصى المغرب ونزلت مع أهل بيتها في عدوة القرويين".

وحسب الكاتب نفسه فبعد مدة وجيزة من استقرارها في المغرب توفي والدها وزوجها ثم مات أخ لها، فورثت مالًا كثيًرا، شاركتها فيه أخت لها، هي مريم بنت محمد الفهري التي كانت تكنى بأم القاسم، "فسخرت فاطمة ما ورثته في صناعة مجتمعها شأنها شأن العظيمات في كل زمان ومكان".

وقررت الأختان استغلال ثروتهما في خدمة مجتمعهما، فبنت فاطمة مسجد القرويين، فيما قررت أختها بناء مسجد الأندلس في الفترة نفسها.

واتبعت الفهرية طريقة خاصة في تشييد المسجد، حيث أوضح كتاب شهيرات تونسيات لحسن حسني عبد الوهاب، أنها "التزمت ألا تأخذ التراب وغيره من مادة البناء إلا من نفس الأرض التي اشترتها دون غيرها فحفرت كهوفاً في أعماقها وجعلتْ تستخرج الرمل الأصفر الجيد والجص والحجر لتبني به، تحرياً منها ألا تدخل شبهة في تشييد المسجد".

ومع مرور السنوات أصبح جامع القرويين أول جامعة في بلاد المغرب الأقصى والعالم، وتحولت مدينة فاس إلى مركز علمي وثقافي ينافس المراكز العلمية ذائعة الصيت كمدينة قرطبة في الأندلس وبغداد في العراق.

ولم يقتصر دور الجامعة على تدريس العلوم الدينية، بل درست طلابها جل العلوم المعروفة آنذاك، وجاء في مجلة دعوة الحق التي تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، "أما العلوم العقلية التي كانت تلقن للطلبة بهذا الجامع العتيد فهي "علم الرياضيات" و"الهندسة" و"التنجيم" و"الهيئة"، وبعض الباحثين يرى أن العلوم الطبية، كانت مادة التدريس بجانب تلك العلوم العقلية".

وتضيف المجلة ذاتها أن الجامع أصبح "جامعة علمية يؤمها الطلبة من مدن المغرب والأندلس والمشرق، وحلبة يجتمع فيها العلماء والفقهاء للتدريس والتأليف، وأصبحت مؤسسة عليا تعتمد عليها الدولة في تكوين العلماء والقضاة الذين كان لهم دور كبير في الحياة الفكرية والسياسية والاجتماعية في المغرب والأندلس".

ولم تتأثر مكانة الجامعة بتعاقب الدول على حكم بلاد المغرب، حيث يورد محمد المنتصر بالله الكتاني في كتابه فاس عاصمة الأدارسة، أنه "وعلى مر الدهور والأعوام تنافس الملوك والدول في توسيع بنائه ورصد الأموال للقيام به، فزاد فيه أيام الدولة الزناتية أميرها أحمد بن أبي بكر من خمس الغنائم عام  345 ه، وزاد فيه أيام الدولة المرابطية علي بن يوسف بن تاشفين، ثم لم يزل يوسع ويجدد وتزداد أوقافه، أيام دولة الموحدين ودولة المرينيين، إلى أيام دولتنا العلوية الحاضرة".

ولازال الجامع الذي يقع في قلب المدينة العتيقة لفاس، يعتبر صرحا علميا هاما، إذ جاء في كتاب "مشروعات بحثية في التراث التربوي الإسلامي" لفتحي حسين مكاوي "ولجامع القرويين في مدينة فاس المغربية شهرة كبيرة في ميدان الحركة العلمية والتعليمية منذ بنائه حتى الآن، ويعده بعض المؤرخين أول جامعة إسلامية منحت الشهادات العليا".

وصل إشعاع جامعة القرويين إلى أوروبا في القرون الوسطى إذ يؤكد كتاب نساء على المفارق لصاحبته ليلى الأطرش، أنه درس في الجامع "عدد من كبار العلماء، البابا سيلفيستر أصبح بابا الفاتيكان من 999إلى 1003م، وهو الذي نقل الأرقام العربية إلى أوروبا لتصبح أرقامهم (...) ومن علمائه أيضا ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع، وموسى بن ميمون والشيخ ابن عربي وكثيرون".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال