القائمة

أرشيف

في الذاكرة [14#] : محمد بن عبد الكريم الخطابي مؤسس أول جمهورية في شمال إفريقيا

قاد المقاوم الريفي محمد بن عبد الكريم الخطابي الثورة ضد الاستعمار الإسباني والفرنسي في منطقة الريف، وأوقع بالإسبان هزيمة ساحقة في معركة أنوال يوم 22 يوليوز 1921. وبعد أن اعتقلته السلطات الفرنسية نفته إلى جزيرة "لارينيون" النائية في المحيط الهندي ومنها إلى مصر التي استقر بها، وأسس سنة 1947 مع ثلة من أبناء المغرب العربي لجنة "تحرير المغرب العربي" وتولى رئاستها.

نشر
توضيب الصورة: محمد المجدوبي/ يابلادي
مدة القراءة: 6'

ولد الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي سنة 1882 ببلدة أجدير في منطقة جبال الريف قرب مدينة الحسيمة، وتلقى تعليمه الأولي والمتمثل أساسا في حفظ القرآن الكريم في بلدته أجدير، قبل أن ينتقل للدراسة في مدينة تطوان، ثم فاس، وتوجه بعد ذلك إلى مدينة مليلية حيث نال شهادة الباكالوريا بها، ليعود إلى جامع القرويين بفاس حيث تتلمذ على يد مجموعة من كبار علماء الدين والسياسة. وكان ختام تعليمه الجامعي في مدينة سلمانكـا الاسبانية، حيث درس هناك القانون لمدة ثلاث سنوات.

كانت بداية حياته المهنية في مدينة مليلية، حيث زاول بها مهنة تدريس الساكنة المسلمة، بين سنتي 1907 و1913، ثم انتقل للاشتغال كمترجم وكاتب بالإدارة المركزية للشؤون الأهلية بمليلية سنة 1910. واشتغل بالموازاة مع ذلك كصحفي بيومية "تيليغراما ديل ريف" الناطقة بالإسبانية بين سنتي 1907 و1915، حيث خصص له عمود يومي باللغة العربية.

وفي سنة 1913 عين قاضيا بمليلية، ثم رقي سنة 1914 إلى منصب قاضي القضاة بأمر من المقيم العام الإسباني عن سن 32 سنة. وتبوأ بذلك أرفع درجة في سلك القضاء الخاص بالساكنة المسلمة للمدينة مليلية. وفي نفس السنة، عين أيضا كمعلم بأكاديمية اللغتين العربية والريفية بمدرسة الشؤون الأهلية بمليلية.

يجمع المؤرخون على أن محمد بن عبد الكريم الخطابي كان إلى حدود هذه المرحلة مؤمنا بالتعايش السلمي مع المستعمر الاسباني،  وشكل حادث سجنه سنة 1915 نتيجة تعاطفه مع ألمانيا والدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، إضافة إلى انتقال الاستعمار الإسباني إلى مرحلة التغلغل العميق داخل المغرب، بعدما كان ممركزا في البداية على  السواحل المغربية الشمالية، (شكل) نقطة تحول في وعيه السياسي.

العمل المسلح 

حسب مذكرات محمد بن عبد الكريم الخطابي، فقد بدأت حرب الريف تحت قيادة أبيه عبد الكريم الخطابي، كرد فعل على قيام الإدارة الاسبانية بمضايقات في منطقة نفوذه بقبيلة بني ورياغل تمثلت في اعتقالات وترويج إشاعات انهزامه، وشرع في تعبئة القبائل في الأسواق والمساجد، وجمع مائتي مقاتل ريفي لمحاصرة نقطة تفرسيت الاستراتيجية، سنة 1920. لكن الأب توفي بعد 22 يوما فقط من حصار نقطة تفرسيت، فخلفه الأمير مولاي محند وكان عمره آنذاك 39 سنة، وسار على درب والده، وقد استطاع رجاله مهاجمة المواقع التي احتلها الإسبان ومحاصرتها.

وقد أوقع الخطابي بالإسبان هزيمة تاريخية في معركة أنوال يوم 22 يوليوز سنة 1921، حيث قتل 15 ألف جندي إسباني على رأسهم قائدهم الجنرال "سلفستر"، كما أسر 570 جنديا.

وتحدث محمد بن عبد الكريم الخطابي في مذكراته عن معركة أنوال التي لا زالت ذكراها تخلد إلى اليوم، وكتب "فيما يخص الظروف التي مات فيها الجنرال سلفستر، الذي سقط سريعا في معركة أنوال مع هيئة أركان حربه، فلست أعرف عنها شيئا. وقد جاءني ولد ريفي، فأخبرنا بأنه اكتشف جثة جنرال ميت وسط ضباطه وسلمني حمالته ونجومه، ولما تجولت بالميدان في نهاية المعركة، أمكنني حسب إرشاداته أن أرى الجثة وأتعرف على الجنرال".

جمهورية الريف

"نحن حكومة جمهورية الريف، المؤسسة في يوليوز 1921 نعلن ونشعر الدول المشتركة في معاهدة الجزيرة الخضراء عام 1906، بأن المطامح العليا التي أدت إلى تلك المعاهدة لا يمكن أن تتحقق قط، الأمر الذي أثبته تاريخ الأيام الماضية، وذلك بسبب الخطيئة البدئية القائلة أن بلادنا، الريف، تشكل جزءً من المغرب، إن بلادنا تشكل جغرافيا جزءً من افريقيا… كذلك تختلف لغتنا بصورة بينة عن اللغات الأخرى، المغربية أو الإفريقية أو سواها. فنحن الريفيين لسنا مغاربة البتة…"

بهذا البيان أعلن محمد بن عبد الكريم الخطابي تأسيس أول جمهورية في شمال إفريقيا، واتخذ من أجدير مركزا لها، إلى أن تم حلها في 27 مايو 1926.

وتطلب تنظيم الدولة سنتين، وأعطي الخطابي لقب الأمير، بعد معارضته حمل لقب السلطان، وتكونت مؤسسات الجمهورية الوليدة حسب ما جاء في سلسلة "مذكرات من التراث المغربي" في المجلد السابع، من الحكومة التي كان يرأسها الخطابي بنفسه، والجمعية الوطنية (البرلمان)، المكونة من ممثلين عن أفخاذ القبائل.

وكانت الحكومة الريفية مؤلفة بالإضافة إلى رئيسها من الوزارات التالية: المندوب العام عن الأمير، المالية، العدل والتعليم، الشؤون الخارجية، الداخلية والحرب، وحسب إحصاء تقليدي أجري أثناء حرب الريف، فإن الريف كان يحتضن 18 قبيلة، ويضم ثلاثة ملايين من السكان.

وكان على رأس كل قبيلة قائد، والقواد كانوا تابعين للداخلية. وكانت المراسيم وأوراق الاعتماد ووثائق الحكومة الرسمية يمضيها إما الأمير وإما أخوه كمندوب عام.

بعد ذلك انزعج الاستعمار الفرنسي من الواقع الجديد في منطقة الريف فقرر التدخل لمصلحة الإسبان، لخشيته من أن يكون نجاح ثورة الخطابي بداية لثورات مماثلة في باقي مناطق المغرب وشمال إفريقيا ككل.

وقاوم الخطابي العمليات العسكرية التي كان يقودها الإسبان والفرنسيين، وبعدما اشتد قصف الإسبان للريف بالأسلحة الكيماوية، أعلن استسلامه حفاظا على أرواح الريفيين، وسلم نفسه للسلطات الفرنسية، وتم نفيه مع عائلته وبعض أتباعه إلى جزيرة "لارينيون" النائية في المحيط الهندي التي استمر فيها إلى حدود سنة 1947، ليستقر بعد ذلك بشكل نهائي في مصر.

وأسس سنة 1947 مع ثلة من أبناء المغرب العربي لجنة "تحرير المغرب العربي" وتولى رئاستها.

توفي عبد الكريم الخطابي في السادس من شهر فبراير 1963 بالقاهرة ودفن فيها بمقبرة الشهداء. 

الخطابي وملوك المغرب

قالت عائشة الخطابي ابنة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي في حوار أجرته مع مجلة زمان "قبل زيارة الملك محمد الخامس للقاهرة في 13 يناير 1960، قام عبد الخالق الطريس، سفير المغرب في القاهرة، بمساع حثيثة من أجل إقناع الوالد بالالتقاء بالملك، وقام من أجل ذلك بعدة زيارات لبيتنا، لعله يقنعه بذلك، ولم يكل الرجل بل تابع مساعيه إلى آخر دقيقة قبل وصول الملك محمد الخامس، حيث عرج على بيتنا وهو في طريقه إلى مطار القاهرة للقاء الوالد، وقد توجت هذه المساعي بزيارة الملك محمد الخامس لبيت الأمير والالتقاء به، وكانت هذه الزيارة أول عمل قام به الملك في مصر ".

وأكدت أنهما تحدثا "عن الوضع العام في المغرب، وعن العدالة الاجتماعية والحقوق المدنية. وكان محمد الخامس يسعى إلى إقناع الأمير بالعودة إلى المغرب، لكن رد الوالد كان أنه لن يعود إلى المغرب حتى يعرف مصير المختطفين الذين ذهبوا ضحية الاختطافات التي عرفها المغرب بعد انتفاضة الريف سنة 1958، كما طالب بفتح تحقيق بخصوصها".

وفي سنة 1961 توفي محمد الخامس، وتولى العرش الحسن الثاني، غير أن العلاقة بين الخطابي والملك الجديد لم تكن على ما يرام، ففي نونبر 1962 عارض الخطابي أول دستور وضعه الحسن الثاني للبلاد، وكتب أن الدستور ليس إلا "عقد بين الحاكم والمحكوم، ولابد من موافقة كلا الطرفين على هذا العقد، وإلا بطل من أساسه. ذلك أن هذا العقد جاء نتيجة لتحكم الحاكم وسيطرته واستبداده، فوضعوه لكي يجعل حدا للحاكم. وما فائدته إن وضع من طرف واحد، وما جدواه إن وضع على وفق إرادة الحاكم". وأضاف الخطابي أن "التنصيص –في هذا الدستور المزعوم- على (ولاية العهد) ما هو إلا تلاعب واستخفاف بدين الإسلام والمسلمين. إذ كلنا يعلم أن مسألة الإمامة، كانت دائما موضع خلاف بين علماء الإسلام منذ بعيد، وما ذلك إلا لعدم وجودها في القانون السماوي".

وكرد فعل على مواقف الخطابي، سيزور الحسن الثاني القاهرة مرتين دون أن يقوم باستقبال أو زيارة الخطابي.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال