القائمة

أرشيف

في الذاكرة [18#] : المتنبي.. مالئ الدنيا وشاغل الناس الذي قتله شعره

يعتبر المتنبي من أعظم الشعراء العرب، اشتهر بتنقله بين الحكام يمدحهم، كما اشتهر بمدح نفسه، مقابل هجاء من لم يعطه حق قدره، وتشير المراجع التاريخية إلى أن شعره كان سببا في مقتله.

نشر
توضيب محمد المجدوبي/ يابلادي
مدة القراءة: 4'

تطور الشعر بشكل كبير في عهد الدولة العباسية التي قامت على أنقاض الدولة الأموية، بسبب تغير الحياة وتنوعها فاختلطت الثقافة العربية بغيرها من الثقافات. وبسب ارتباط الشعر بالحياة فقد تأثر بهذا التغير، فأبدع الشعراء، وتنوعت موضوعات قصائدهم.

ومن بين هؤلاء الشاعر أبو الطيب الكندي المعروف بالمتنبي، الذي ولد بالكوفة في العراق سنة 915 ميلادية، حيث اشتهر بتعظيم نفسه، في شعره، والتفاخر بفروسيته، وربط علاقات مع طبقة الأمراء والخلفاء ليمدحهم ويحصل منهم على المغانم .

وتشير بعض المراجع إلى أنه سمي بالمتنبي لادعائه النبوة، حيث جاء في كتاب "المتنبي نشيد الصحراء الخالد" لمحمد يوسف فران أنه ادعى "أنه علوي حسني، ثم ادعى بعد ذلك النبوة، ثم عاد يدعي أنه علوي إلى أن أشهد عليه بالشام، بالكذب بالدعوتين، وحبس دهرا طويلا، وأشرف على القتل.. ثم استتيب وأشهد عليه بالثوبة وأطلق".

وجاء في الكتاب نفسه "وقال أبو عبد الله معاذ بن إسماعيل اللاذقي "قدم أبو الطيب اللاذقية (....) فلما تمكن الانس بيني وبينه وخلوت معه في المنزل اغتناما لمشاهدته واقتباسا من أدبه قلت: والله إنك لشاب خطير تصلح لمنادمة ملك كبير، فقال ويحك أتدري ما تقول، أنا نبي مرسل، فظننت أنه يهزل...فقلت له ما تقول فقال : أنا نبي مرسل...قلت ماذا تفعل؟ قال أملأ الدنيا عدلا كما ملئت جورا...".

وكان المتنبي بحسب ما يؤكد أيمن السيد علي الصياد في كتابه "طموح المتنبي بين أنا الشاعر ومؤامرة الشعراء"، واسع الاطلاع على ثقافات عصره، شديد الاتصال بها، "حتى ليخيل من يقرأ شعره أنه لم يترك جانبا من جوانب المعرفة في عصره إلا اتصل به واستغله في شعره".

واستطاع المتنبي بذلك أن يفرض نفسه ويحتل مكانة عظيمة في عصره، غير أن شهرته بحسب العدد 173 من مجلة دعوة لحق الصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية "قد أساءت إليه كما أساءت إلى غيره، أساءت إليه لأنها كانت سببا في كثرة حادة وخصومه، وأساءت إلى غيره من الشعراء الذين غطت شهرة المتنبي على شهرتهم على الرغم من مكانتهم وجودة شعرهم، وكان بإمكان كثير منهم أن يصلوا إلى مكانة أعظم لو عاشوا في عصر غير العصر الذي عاش فيه المتنبي".

وعرف المتنبي بمدح ذاته، ومدح الحكام، مقابل هجاء من لم يعطه حق قدره، وكان يصف المعارك ليتحدث عن بطولاته، وكان يرى نفسه أعلى شأنا وعظمة وعلما من الجميع:

سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا      بأنني خير من تسعى به قدم

ويعلل هذا التفوق بأنه نبغ في كل ميدان، فهو فارس شجاع، وشاعر عبقري، لا يضاهيه أحد:

الخيل والليل والبيداء تعرفني     والسيف والرمح والقرطاس والقلم

وعاش المتنبي متنقلا، بين الحكام، وفي سنة 948 وصل إلى حلب التي كان يحكمها سيف الدولة الحمداني، وتعتبر هذه الفترة أجمل وأنعم أوقات حياته، حيث بقي بجوار الحمداني يكيل له المدح والثناء في قصائده، إلى حدود سنة 957، حيث غادر سيف الدولة بعد أن شعر بكيد حساده، فحط الرحال في مصر، التي كان يحكمها كافور الإخشيدي وبقي إلى جانبه يمدحه إلى حدود سنة 961، حيث غادر مصر بعد ذلك وبقي متنقلا في بلاد فارس والعراق.

وبعد ذلك هجى ضبة بن يزيد الأسدي العيني في إحدى قصائده، وكان ضبة واحدا من أشهر قطاع الطرق في ذلك العصر، وبينما كان المتنبي عائدا إلى مدينة الكوفة سنة 965 للميلاد، التقاه فاتك بن أبي جهل الأسدي وهو خال ضبة، ويحكى أن أبا الطيب لما رأى كثرة رجال فاتك وأحس بالغلبة لهم أراد الفرار فقال له غلام له: لا يتحدث الناس عنك بالفرار وأنت القائل:

 فالخيلُ والليلُ والبيـداءُ تعرفنـي      والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ

فردّ عليه المتنبي قائلاً: "قتلتني قتلك الله"، فعاد للقتال فقاتل إلى أن قُتل.

ورغم وفاته بقيت أشعاره تتردد ويضرب بها المثل، حيث يقول دسوقي عبد العزيز، في كتابه "أبو الطيب المتنبي شاعر العروبة وحكيم الدهر"، "ليس من شك في أن أبا الطيب ظاهرة عاصفة من ظواهر الطبيعة، هبط إلى الحياة فملأ الدنيا وشغل الناس، وأخمل الشعراء، وأخمل الحكام (...) هو مؤثر بشخصه مؤثر بشعره، حتى إن ديوانه طبع مئات المرات، ومازال يطبع حتى الآن".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال