القائمة

أرشيف  

في الذاكرة [30#] : أبو نواس.. شاعر مثلي الجنس محب للخمر في بلاط هارون الرشيد

يعد أبو نواس أو الحسن بن هانئ الحكمي من أشهر شعراء عصر الدولة العباسية. عرف بشاعر الخمر، كما أنه يعد أول ابتدع الغزل بالغلمان.

نشر
أبو نواس/ توضيب محمد المجدوبي [يابلادي]
مدة القراءة: 4'

يعتبر الحسن بن هانئ بن الصباح المعروف بأبي نواس واحدا من أشهر شعراء العصر العباسي، ولد في الاهواز جنوب غرب إيران لأب دمشقي وأم فارسية سنة 757، مات أبوه وهو صغير، فأرسلته أمه إلى البصرة ليعمل في حانوت عطار.

وكان أبو نواس يحضر مجالس الشعر وتعرف إليه الشاعر والبة بن الحباب، وأُعجب بذكائه وصحبه معه إلى الكوفة ثم إلى بغداد.

ويصف شوقي ضيف أبا نواس في كتابه "سلسلة تاريخ الأدب العربي:العصر العباسي الأول"، قائلا

"وأبو نواس يعد من أعاجيب عصره في الشعر، إذ كان يحظى بملكات شعرية بديعة، وهي ملكات صقلها بالدرس الطويل للشعر القديم واللغة العربية الأصيلة حتى قال الجاحظ: ما رأيت أحدا أعلم باللغة من أبي نواس".

مدح أبو نواس الخليفة العباسي الشهير هارون الرشيد وأعجب الرشيد بشعره ونوادره وقربّه إليه، وعاش في ترف قصر الخلافة، لكن علاقته مع هارون الرشيد لم تكن جيدة دائما، إذ حبسه في العديد من المرات عقابا له على ما يورد في شعره من المجون.

وجاء في كتاب حسن جعفر خريباني سلسلة أعلام الأدباء والشعراء ‎"ولما ولي هارون الرشيد الخلافة اتخذ أبا نواس شاعرا له وقربه إليه لأن أبا نواس كان أكبر شاعر عرف في ذلك الحين. ومع ذلك ما كان الرشيد ليرضى عن أبي نواس دائما لأنه كان ماجنا، وقد أمر بسجنه أكثر من مرة".

وعرف أبو نواس بثقافته الواسعة، حيث يؤكد عبد الله بن محمد ابن المعتز العباسي في كتابه "طبقات الشعراء" أن أبا نواس كان "عالماً فقيها عارفا بالأحكام والفتيا، بصيرا بالاختلاف، صاحب حفظ ونظر ومعرفة بطرق الحديث، يعرف محكم القرآن ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه".

فيما قال عنه شوقي ضيف‎ في "سلسلة تاريخ الأدب العربي: العصر العباسي الأول"، "كان فارسيا حاد المزاج وثقف كل الثقافات التي عاصرها من عربية وإسلامية ومن هندية وفارسية ويونانية ومن مجوسية ويهودية ونصرانية، وغرق في حضارة عصره المادية وفي آثامها وخطاياها، تدفعه إلى ذلك أزمته النفسية العنيفة إزاء سيرة أمه المنحرفة وكأنما اتخذ من المجون والفسق أداة، بل ملجأ للهروب من أزمته ومن هموم الحياة وأحزانها".

كما عرف عن أبي نواس تقديسه للخمر، ويشير حسن جعفر خريباني في "سلسلة أعلام الأدباء والشعراء" إلى أنه "وصل في حبه للخمر إلى حدود العبادة والتقديس، وراح يفتش عن قلقه في سعادة الحياة، حتى قال عنه الصولي: إنه فاق الناس في خمرياته".

‎وعرف عنه أيضا مثليته الجنسية التي لم يكن يخفيها في قصائده وأشعاره، حيث يعد أول من ابتدع الغزل بالغلمان، و يؤكد حسن جعفر خريباني في سلسلة أعلام الأدباء والشعراء ‎أنه "لم يعد يكتف بأن يتغزل بالغلمان غزلا صريحا لا يخلو من الاستهتار والفحش، بل أخذ يصف المرأة بأوصاف الغلام، كأن المرأة لم تعجبه فيها الأنوثة والرقة والخفر، بل انحرف ذوقه فصار يعجب فيها بقسمات الغلام في التقاطيع البارزة والفذ المعتدل والتبذل في الحركات والحديث".

وقرر أبو نواس ترك ترف القصور في بغداد وانتقل إلى مصر، لكن بعد وفاة هارون الرشيد وخلافته من قبل ابنه الأمين عاد إلى بغداد، واتخذه الأمين نديما له يمدحه ويسمعه من طرائف شعره، وتجنبا للشائعات اضطر الخليفة العباسي إلى سجنه أيضا.

يجمع النقاد على أن أبا نواس أحدث بشعره ثورة على موروث الشعر الجاهلي، والتقاليد الشعرية والأعراف الاجتماعية، حيث جاء في تقديم كتاب "ديوان أبي نواس"، "ذلك هو أبو نواس في رأي أكثر النقاد "شاعر الخمرة وحامل لواء التجديد" وواضع أسس في الأدب العربي، إن لم ترض الأخلاق فقد أرضت فن الأدب، وإن كرهها رجال الدين فقد أحبها رجال الفن".

وهو ما يؤكده نضال الأميوني في كتابه "ظاهرة الزمن في الشعر العربي القديم: بشار بن برد وأبو نواس نموذجا"، حيث يقول "أبا نواس قد تطاول على زمن الشعر المكتوب حتى عصره، وأدخل فيه كتابة فنية لم يسبقه إليها شاعر آخر في زمانه".

وتشير العديد من المراجع إلى أن أبا نواس تاب قبل وفاته واتجه إلى الزهد وقال في إحدى قصائده:

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة >>> فلقد علمت بأن عفوك أعظم

إِنْ كَانَ لاَ يَرْجُوكَ إِلاَّ مُحْسِنٌ >>>فَمَن الذي يَدْعُو ويَرْجُو المجرم

أَدْعُوكَ رَبِّ كما أمرت تَضَرُّعاً >>> فَإِذَا رَدَدَّتَ يَدِي فمن ذا يَرْحَمُ

مَالِي إِلَيْكَ وَسِيلَةٌ إِلاّ الرَّجَا >>> وَجَمِيلُ عَفْوِكَ ثُمَّ إِنِّي مُسْلِمُ

توفي سنة 815 للميلاد في بغداد، وتختلف الروايات في مكان وفاته أهي في السجن أم خارجه.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال