القائمة

أرشيف

في الذاكرة #31 : طارق بن زياد الذي حول حلم المسلمين بدخول بلاد الفرنجة إلى حقيقة

يعتبر طارق بن زياد من أشهر القادة العسكريين في التاريخ الإسلامي، إذ ارتبط اسمه بدخول المسلمين إلى الأندلس في بداية القرن الثامن الميلادي، غير أن شخصيته ظل يلفها غموض كبير إذ يختلف الكثير من المؤرخين حوله.

نشر
طارق بن زباد/ توضيب محمد المجدوبي، يابلادي
مدة القراءة: 6'

يعود الفضل في نجاح المسلمين في إقامة دولة إسلامية في الأندلس إلى القائد العسكري طارق بن زياد، الذي كان أحد أبرز قادة جيش موسى بن نصير في بلاد المغرب في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك.

يصفه ابن عذارى المراكشي صاحب كتاب "البيان المغرب في أخبار ملوك الأندلس والمغرب"، بأنه "كان طويل القامة، ضخم الهامة، أشقر اللون، وتنطبق هذه الصفات على عنصر البربر".

ولد حسب ما تحكي العديد من المصادر التاريخية سنة 675 وتوفي سنة 720، وتعود أصوله إلى أمازيغ شمال إفريقيا، إذ جاء في كتاب "تاريخ الأندلس" لإيناس محمد البهيجي "طارق بن زياد هذا من البربر من قبائل البربر الأصلية التي تعيش في مناطق الشمال الإفريقي، أي ليس بعربي رحمه الله".

فبعدما حصل موسى بن نصير على الإذن بفتح بلاد الفرنجة في الأندلس من الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، بدأ في إرسال حملات استطلاعية إلى الضفة الأخرى للبحر، من أجل معرفة طبيعة البلاد وسكانها، والأماكن التي يمكن للجيش النزول بها.

وجهز موسى بن نصير سرية من خمسمائة رجل، وجعل على رأسهم طريف بن مالك، وهو أمازيغي أيضا، وأرسلهم إلى الأندلس سنة 710 للميلاد. وبحسب ما يحكي كتاب "قصة الأندلس" لصاحبه راغب السرحاني فقد "قام طريف بدراسة منطقة الأندلس الجنوبية التي سينزل فيها الجيش الإسلامي بعد ذلك، (وقد عرفت هذه الجزيرة فيما بعد باسم هذا القائد فسميت جزيرة طريف)، ثم عاد بعد انتهائه منها إلى موسى بن نصير وشرح له ما رآه".

وبعد مرور سنة كاملة على المهمة الاستطلاعية، أرسل موسى بن نصير، طارقا بن زياد رفقة سبعة آلاف من الجنود من أجل فتح الأندلس، فنزل طارق بجيشه على مرتفع جبلي أصبح يحمل اسمه فيما بعد ويعرف اليوم "بجبل طارق"، قبل أن يتوجه لمقاتلة أعدائه.

خطبة وروايتان

رغم أن جميع المصادر التاريخية تتفق على دور طارق بن زياد الحاسم في دخول المسلمين إلى الأندلس، إلا أنها تختلف في الكثير من التفاصيل.

ويشير بعض المؤرخين إلى أنه خطب في جيشه قبل ملاقاة أعدائه ودعاهم إلى الصبر والقتال بشجاعة، وأورد ابن خلكان في "وفايات الأعيان" والمقرئ التلمساني في "نفح الطيب" أنه عندما اقترب جيش لذريق من الجيش الإسلامي، "قام طارق بن زياد في أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، حث المسلمين على الجهاد ورغبتهم فيه ثم قال : أيها الناس، أين المفر؟ والبحر من ورائكم والعدو أمامكم، فليس لكم والله إلا لصدق والصبر...".

ويتطرق العدد 107 من مجلة دعوة الحق التي تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، إلى هذه الخطبة ويشير إلى أن هناك من المؤرخين من يراها حقيقة تاريخية وبين من يراها من نسج الخيال، ويؤكد أصحاب الرأي الأول أن "طارق البربري نشأ في حضن العروبة والإسلام فأبوه هو الذي أسلم بديل اسمه "زيــــاد" ولا شك أنه كان من مسلمة الفتح المغربي الأول، وانتقل إلى المشرق حيث نشأ ولده في كنف موسى بن نصير"، أي أنه كان يجيد العربية مما كنه من إلقاء خطبة بتلك الفصاحة.

فيما يرى الفريق الثاني أن "طارقا بربري، حديث عهد بالإسلام والعربية؛ لأنه لم يرتبط بموسى بن نصير إلا عند ما ولي هذا الأخير قيادة المغرب سنة 89 هـ. وبين هذا التاريخ وتاريخ الفتح (92 هـ) فترة وجيزة، يستبعد معها أن يجد طارق العربية بحيث تسمح له بإلقاء الخطب ونظم الشعر (...) المصادر الأولى عربية وأندلسية، قد سكتت عن هذه الخطبة ولم تشر إليها، ولا تنص عليها سوى المصادر المتأخرة كثيرا عن الفتح مثل نفح الطيب".

إحراق السفن 

وتشير بعض المصادر إلى أن طارق بن زياد أمر بإحراق السفن التي عبر بها إلى الضفة الأخرى، من أجل أن يتخلى جنوده عن فكرة العودة، وأن يضعوا نصب أعينهم الانتصار على جيش الأعداء.

ويؤكد البعض أن طارق بن زياد أقدم على إحراق السفن كي يضع جنوده أمام أمرين بحسب ما جاء في كتاب "قصة الأندلس" "الغرق في البحر من ورائهم، أو الهلاك المحدق من قبل النصارى من أمامهم، وكلا الأمرين موت محقق، ومن ثم فالحل الوحيد لهذه المعادلة الصعبة هو الاستماتة في القتال، للهرب من الموت المحيط بهم من كل جانب".

غير أن بعض المؤرخين يشككون في صحة هذه الرواية، ويشيرون إلى أنه ليس لها سند صحيح في التاريخ الإسلامي، وأنها لم "ترد قط في روايات المسلمين الموثوق بتأريخهم، وإنما أتت إلينا من خلال المصادر والروايات الأوروبية" بحسب ما جاء كتاب "قصة الأندلس".

كما أن المشككين في هذه الرواية يؤكدون، أن طارق بن زياد لم يكن يملك جميع السفن التي كانت تحت يديه، فبعضها كان يستأجره.

انتصار على جيش الفرنجة

عندما نزل طارق في بلاد الأندلس ووجه بمقاومة ضعيفة، وأرسل إلى موسى بن نصير من أجل إمداده بمزيد من الجنود، فاستجاب له، فأرسل إليه مالك بن طريف على رأس خمسة آلاف آخرين من الجنود.

والتقى طارق بن زياد مع جيش الروم بقيادة "روزريق" أو "لذريق"‎ الذي كان يحكم الأندلس، في 19 يوليوز سنة 711 الموافق لـ28 رمضان سنة 92 للهجرة، ودارت معركة "من أشرس المعارك في تاريخ لمسلمين" بحسب ما يورد كتاب "قصة الأندلس".

وجاء في كتاب تاريخ الأندلس لإيناس محمد البهيجي "يتفق أغلب المؤرخين على أن المعركة الفاصلة التي دارت بين المسلمين والقوط والتي حدت مصير الأندلس حدثت في كورة شذونة جنوب غرب إسبانيا، استمرت المعركة مدة ثمانية أيام من الأحد 28 من رمضان إلى 5 شوال من عام 92 للهجرة ومن 19 إلى 26 يونيو عام 711 للميلاد. ووصفوها بأنها كانت معركة شديدة ضارية، اقتتل فيها الطرفان قتالا شديدا حتى ظنوا أنه الفناء".

ويضيف نفس المصدر أنه "بعد هذا النصر الكبير الذي حققه طارق في معركة شدونة فتحت أبواب الأندلس للمسلمين".

بعد ذلك يضيف كتاب "تاريخ الأندلس" عبر "موسى بن نصير بثمانية عشر ألفا، فأصبح قوام الجيش الإسلامي أربعة وعشرون ألف مقاتل، تم توزيعهم على كل مناطق الأندلس الواسعة وبعض مناطق جنوب فرنسا، كحاميات إسلامية وفاتحين لمناطق أخرى لم تفتح".

ويؤكد المصدر ذاته أن المسلمين نجحوا "في مد دولتهم إلى الأندلس، عندما عبر طارق بن زياد أحد قادة موسى بن نصير والي الأمويين على إفريقية عام 92 ه بجيش قوامه سبعة آلاف مقاتل، واستطاع هذا الجيش بعد أن أمده موسى بن نصير بخمسة آلاف أخرى أن يهزم ملك القوط الغربيين لذريق في معركة وادي لكة والسيطرة في غضون عامين على معظم شبه لجزيرة الإيبيرية، تحولت جيوش لمسلمين شرقا وتوغلت في بلاد الغال حتى وصلت إلى مدينة ليون الحالية".

وبعد أن آل أمر الأندلس إلى المسلمين عاد طارق بن زياد إلى دمشق بصحبة موسى بن نصير بعد ان استدعاهما الخليفة الوليد بن عبد الملك وقيل إن السبب هو خلاف بينهما، وعزلا معا في نهاية الأمر.

واختلف المؤرخون حول نهاية طارق بن زياد، لكن المؤكد أنه ترك إرثا كبيرا بعد وفاته تمثل ببقاء شبه الجزيرة الأيبيرية تحت حكم المسلمين 8 قرون.

وعرفانا بمكانته في التاريخ الإسلامي، أُطلق اسمه على عدد من المواقع في البلدان الإسلامية وبالأخص في المغرب العربي، ولم يقتصر الاعتراف بحنكته في القيادة على المسلمين، ففي سنة 2012 أصدر البنك المركزي البريطاني لحكومة جبل طارق ورقة مالية تحمل صورته من فئة 5 جنيهات استرلينية.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال