القائمة

أرشيف

تاريخ: عندما أمر نابليون بونابرت بترحيل مغاربة مصر خوفا من قوتهم وتأثيرهم الكبير

لعب المغاربة دورا كبيرا في مقاومة غزو نابليون بونابرت إلى مصر نهاية القرن الثامن عشر، حيث قادوا حركات المقاومة المسلحة في عدة مناطق من مصر، وهو ما جعل رجل فرنسا القوي آنذاك يصدرا أمرا بترحيل جميع المغاربة من مصر.

نشر
نابليون بونابرت في مصر/ صورة تعبيرية
مدة القراءة: 6'

تسببت الثورة الفرنسية التي اندلعت سنة 1789، في وقوع صدام كبير بين معسكرين في القارة الأوروبية. كان المعسكر الأول ممثلا في القوى الملكية مثل بريطانيا والنمسا، فيما كان يمثل المعسكر الثاني القوى الثورية التي تدعو إلى إنشاء الجمهوريات.

وبالتزامن مع ذلك كان الجنرال نابليون بونابرت، يثبت قدراته العسكرية بعد تحقيقه للعديد من الانتصارات في العديد من المعارك، وهو ما جعله يتسلق المناصب بسرعة، حتى صار ذا شأن في باريس. وفي ظل هذه الظروف اقترح بعض صناع القرار في فرنسا القيام بحملة عسكرية في المشرق، وهو ما دافع عنه نابليون، وأقنع به أعضاء الحكومة.

وكان نابليون يرى أن سيطرة فرنسا على المشرق، ستساهم في قطع الامدادات الوفيرة عن البريطانيين، التي تأتيهم من مستعمراتهم وخصوصا الهند، كما أنه كان يطمح إلى السيطرة على طرق بحرية تجارية مهمة، وأن يوفر للفرنسيين بديلا عن طريق رأس الرجاء الصالح الذي كان الإنجليز يسيطرون عليه.

وأمام كل هذه المبررات التي ساقها نابليون، وضعت الحكومة الفرنسية جيشا يتكون من 35 ألف جندي و300 سفينة حربية، تحت تصرفه.

وفي طريقه إلى مصر احتل نابليون مالطا يوم 9 يونيو سنة 1798، وفي في 1 يوليوز من السنة ذاتها حط جيشه الرحال في مدينة الإسكندرية المصرية، ولأنه كان يعلم التأثير الكبير للدين، سارع بمجرد وصوله إلى مراسلة رجال الدين، وبدأ رسالته بحسب ما جاء في كتاب "المؤسسية في الإسلام: تاريخا وتأصيلا" لصاحبه أحمد فؤاد باشا ‎بـ "بسم الله الرحمان الرحيم" وخاطبهم قائلا "قولوا لأمتكم أن الفرنساوية هم أيضًا مسلمون مخلصون وإثبات ذلك أنهم قد نزلوا في روما الكبرى وخرّبوا فيها كرسي البابا الذي كان دائمًا يحّث النصارى على محاربة الإسلام".

بعد ذلك تغلّب الجيش الفرنسي بسهولة على المماليك، الذي كانوا يحكمون مصر ويتبعون الدولة العثمانية، ورغم ذلك كان نابليون يشعر بأن تواجده في مصر مهدد.

نابليون ومغاربة مصر

أثناء حملة نابليون على مصر كان للمغاربة تواجد قوي في المشرق العربي، وبحسب كتاب "المغرب وفرنسا زمن نابليون بونابرت" لصاحبه عبد الحفيظ حمان، فقد زاد استقرار المغاربة في المشرق خلال العصر العثماني.

ونظرا لوفرتهم العددية، وخبرتهم في الميدان العسكري "وحماسهم الديني وتعاطفهم مع الشعب المصري المسلم كان ضروريا للمغاربة أن يشاركوا في المقاومة ضد الجيش الفرنسي". ويضيف عبد الحفيظ حمان في كتابه أنه انطلاقا "من الروح الدينية والرابطة الإسلامية تحرك المغاربة يعبئون المشاعر الإسلامية ويرفعون راية الجهاد ضد جيش بونابرت".

واعتمدوا في مقاومتهم للغزو الفرنسي "على وضعيتهم الاقتصادية والاجتماعية للإنفاق على المجاهدين في مقاومتهم وسخروا خبرتهم العسكرية وانتهزوا كل فرصة للمشاركة في قتال الجيش الفرنسي".

ويضيف المصدر نفسه أنه في الأشهر الأولى للحملة الفرنسية على مصر انتابت القيادة العسكرية الفرنسية مخاوف شديدة "فوجهت قيادة الحملة أصابع الاتهام إلى المغاربة في هذا التاريخ المبكر من عمر الحملة".

وتشير مجلة الإحياء التي تصدرها الرابطة المحمدية للعلماء إلى أن مختلف المصادر التي تناولت أخبار هذه الحملة، تجمع على "هيمنة أهل المغرب الأقصى على حركة الجهاد والمقاومة في مختلف ربوع الأقاليم المصرية".

وذكرت المجلة أن "في مقدمة هؤلاء، نذكر: الشيخ محمد المغربي الجيلاني الهاشمي الذي قاد، هو وابن اخته حسن وأخوه طاهر، سلسلة معارك ضد جيش الحملة بإقليم الصعيد على رأس بضعة ألوف من المجاهدين من أهل الحجاز والمغرب، وانفردوا بتكبيده هزائم منكرة". 

ويضيف كتاب "مذكرات الحاج أحمد الشريف الزهار" لأحمد توفيق المدني أنه في الوقت الذي كان فيه الشيخ محمد الجيلاني المغربي يقاتل جنود الحملة في إقليم الصعيد، "ظهر مجاهد مغربي آخر في إقليم البحيرة، شمال القاهرة، وهو محمد بن الأحرش الدرعاوي المغربي الذي "جمع إليه أناسا من المغاربة وأهل الواسطة، وأصبح يقاتل الفرنسيس خارج مصر (يقصد بمصر القاهرة) بما قدر عليه، وأثرت شوكته فيه، وأصبح له صيت بمصر إلى أن فتحها الله ورجعت للمسلمين".

وفي نفس السياق يشير كتاب "المغاربة في مصر في العصر العثماني (1517-1798)" لعبد الرحيم عبد الرحمان عبد الرحمان إلى أن المغاربة كانوا يلعبون دورا مهما "في بنية القاهرة الحضرية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والسياسية، طوال العصر العثماني، وبات راسخا في أذهان هذه التنظيمات أن القاهرة موطنهم الأصلي الذي ارتبطت به مصائرهم ولذا هبوا يدافعون، ضد أول غزو أجنبي يفاجئها في تاريخها الحديث، على يد قوات نابليون بونابرت 1213 ه/ 1798 م".

ويتابع المصدر ذاته أن نابليون أدرك خطورة الوجود المغربي في القاهرة، على إدارته فيها، "ولذا فإنه أصدر يوم الخميس 2 ربيع الثاني ه/ 13 شتنبر 1798 م أمرا، بأن ينادي على الأعراب من المغاربة وغيرهم، أن يسافروا إلى بلدهم". وأكد أنه "كل من وجد بعد ثلاثة أيام يستأهل الذي يجري عليه، وكرروا المناداة بذلك، وأجلوها بعدها أربعة وعشرين ساعة".

ورفض بعض المغاربة ذلك وذهب بعضهم إلى بونابرت "وقالوا أرنا طريقا للذهاب فإن الطريق غير مسلوكة، والإنكليز واقفون بطريق البحر ويمنعون المسافرين، ولا نقدر على المقام في الإسكندرية، من الغلاء، وعدم الماء فتركهم".

نابليون والمغرب

ويؤكد محمد بلعربي حواش في مقال منشور بمجلة الإحياء أنه بينما كان المجاهدون المغاربة يقاتلون "جيش الشرق بمصر تضامنا مع أهل هذا البلد الشقيق"، كان "العلماء والفقهاء والأئمة والخطباء وشيوخ الزوايا ورجالات التصوف والشعراء والزجالون يلقون الخطب وينظمون القصائد الشعرية لتحريض الناس على الاستعداد للجهاد وأخذ العبرة مما حدث بمصر خشية أن يتكرر ما حدث بالأمس القريب بالأندلس".

وكان آنذاك يتولى زمام الأمور في المغرب السلطان المولى سليمان (1792-1822)، وكان ممثلو نابليون في المغرب، حريصون على إيصال الرسالة التي سلمها نابليون إلى رجال الدين في مصر بعد وصوله إلى الإسكندرية، إلى السلطات المغربية، من أجل "تحسين صورة فرنسا وإظهارها بمظهر الدولة الحامية للمستضعفين والمدافعة عن مبادئ العدالة والحرية والمساواة، والمحترمة للدين الإسلامي إلى حد تفضيله على الديانة المسيحية" بحسب ما يحكي كتاب "العلاقات المصرية المغربية عبر التاريخ" الذي أصدرت جامعة حلوان المصرية.

نفس المصدر يؤكد أن المغاربة اطلعوا على المنشور، "ولكنهم لم ينخدعوا لما جاء فيه"، وكان المغاربة مهتمون بمتابعة ما يجري في الديار المصرية، عن طريق قناصل الدول الأخرى الموجودين في المدن المغربية.

وأثارت حملة نابليون على مصر مخاوف من أن يتعرض المغرب لحملة مماثلة، سواء من فرنسا أو من إنجلترا أوإسبانيا. وبحسب كتاب "العلاقات المصرية المغربية عبر التاريخ" فإن تأثير الحملة على علاقات المغرب الخارجية "يظهر أكثر في علاقات المغرب مع فرنسا، وميله إلى صف أعدائها".

وفي مصر لم تسر الأمور كما خطط لها نابليون، خصوصا بعدما أقدم على التحرك شرقا لغزو مدن الساحل الشامي، حيث فشل في اقتحام مدينة عكا، وتراجع إلى القاهرة. ومع المعارك المتوالية، ضد القوات العثمانية والإنجليزية، والثورات المستمرة في مصر، قرر نابليون العودة إلى باريس في 22  غشت سنة 1899.

وبحسب ما جاء في العدد  323 من مجلة دعوة الحق التي تصدرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، فإنه رغم انتهاء حروب نابليون بعد عودته إلى فرنسا، بقي السلطان "المولى سليمان" متوجسا تجاه أوربا، بل رأى في التحالف بين الدول الكبرى في القارة الأوربية مؤشرا لسياسة التوسع والتنافس فيما بينها.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال