القائمة

أرشيف

تاريخ: عندما اقترح كاتب جزائري على المغاربة الاحتفال بذكرى عيد العرش للمرة الأولى

تعتبر ذكرى عيد العرش عيدا وطنيا في المغرب، وتم الاحتفال بهذه المناسبة أول مرة سنة 1933، فيما تعود فكرة اتخاذ هذا اليوم عيدا وطنيا للأديب الجزائري محمد بن صالح ميسة الذي كان مقيما بالمغرب.

نشر
محمد الخامس
مدة القراءة: 5'

تعتبر ذكرى تولي محمد السادس حكم المغرب، عيدا وطنيا يطلق عليه اسم "عيد العرش"، ويتم تخليد هذه المناسبة التي تعتبر عيدا وطنيا في 30 يوليوز من كل سنة، ويقوم الملك نتوجيه خطاب إلى الأمة يبث عبر التلفزيون الرسمي للدولة.

ويعود هذا التقليد إلى سنوات طويلة، وكانت هذه المناسبة تحظى باهتمام كبير في عهد الملك الحسن الثاني، حيث كانت تستمر الاحتفالات لأيام طويلة، لكن مع تولي الملك محمد السادس الحكم تراجعت مظاهر الاحتفال بشكل كبير.

جزائري وراء الفكرة

تم الاحتفال بعيد العرش لأول مرة يوم 18 يونيو من سنة 1933، ويؤكد محمد الحسن الوازاني، رئيس تحرير "عمل الشعب" عام 1933 ومؤسس حزب "الشورى والاستقلال" عام 1946، في كتابه "حياة وجهاد"، أن الفضل في الاحتفال بعيد العرش يعود إلى الأديب والإعلامي الجزائري محمد بن صالح ميسة، الذي كان مقيما في المغرب، ويدير مجلة "المغرب"، التي كانت تصدر خلال فترة الثلاثينيات باللغة العربية من العاصمة الرباط.

وقال الوزاني "إن فكرة الاحتفال بذكرى تولية السلطان محمد بن يوسف خلفا لوالده السلطان المولى يوسف راجت لأول مرة بواسطة محمد صالح ميسة، وإليه يرجع التفكير في هذه المبادرة".

من جانبه قال المقاوم المغربي الرحل أبو بكر القادري الذي كان عضوا في اتحاد كتاب المغرب، وتولى الإشراف على إدارة مجلة "الإيمان" وجريدة " الرسالة"، في مقال له بعنوان "البدايات الأولى للاحتفال بعيد العرش"، نشر بمجلة "دعوة الحق" في عددها 227، إنه في مقال كتب "بمجلة "المغرب التي كان يصدرها السيد محمد صالح ميسة الجزائري تحت عنوان "الأعياد الإسلامية" طالب علنيا في ختام مقاله اتخاذ يوم عيد جلوس الملك على عرش أسلافه عيدا".

وأعجب الوزاني بالفكرة، ونشر مقالات تدافع عنها في جريدته "عمل الشعب"، وسرعان ما استقبل عدد من الوطنيين الشباب الفكرة، وبدأوا يروجون لها في محاولة منهم لإظهار تشبثهم بوطنهم، وبعث رسالة إلى سلطات الحماية التي كتنت تعمل على تجريد السلطان من اختصاصاته، وتحاول التفريق بين مكونات الشعب المغربي (الظهير البربري).

وفي تصريح سابق خص به مؤرخ المملكة عبد الحق المريني وكالة المغرب العربي للأنباء، قال إن هذه الفكرة دافعت عنها "جماعة من الشباب الوطنيين المتحمسين الذين كانوا يقفون في وجه الاحتلال الفرنسي للمغرب ويحررون المقالات تلو الأخرى في الصحف الوطنية كالأطلس والمغرب وعمل الشعب وغيرها، ويدافعون فيها عن كيان المغرب ووحدته الدينية والترابية".

وبعد ذلك حاولت السلطات الفرنسية احتواء الوضع، وسمحت بالاحتفال بهذه الذكرى، ويشير عبد الحق المريني إلى أن أول احتفال بذكرى عيد العرش بصفة غير رسمية كان بعد ست سنوات من تنصيب محمد بن يوسف سلطانا، ويؤكد أن ذلك تم "يوم 18 نونبر 1933 بمنتزه جنان السبيل بفاس، وبمدينة سلا بمعية جماعة من شباب الرباط بمقر "المكتب الإسلامي"، الذي صار يدعى في ما بعد مدرسة النهضة، وجرى كذلك هذا الاحتفال بمراكش بقيسارية السمارين".

ويقول أبو بكر القادري الذي كان ضمن الشباب المتحمسين للفكرة آنذاك "وما إن أقبل شهر نونبر سنة 1933 حتى تجند الشباب الوطني في كل من سلا والرباط وفاس ومراكش للاحتفال بهذه الذكرى وهكذا تأسست لجان وطنية بهذه المدن، للدعوة إلى إقامة الحفلات بهذه المناسبة السعيدة".

ويواصل الحديث عن الفترة التي سبقت تخليد هذه الذكرى للمرة الأولى قائلا "في سلا نشطت اللجنة الوطنية الموكول إليها تنظيم الاحتفال. ودعت إلى إغلاق المدارس والإدارات وإظهار معالم الزينة والأفراح ووجهت البرقيات المتعددة من العلماء والأشراف والأعيان والشباب إلى صاحب الجلالة تهنئه بعيد جلوسه على العرش وتتمنى له الحياة السعيدة والعمر المديد".

ويصف القادري يوم الاحتفال بعيد العرش بالقول "إنني لا أنسى ذلك اليوم الأغر في حياتنا الوطنية فلقد لبسنا ثيابنا الوطنية الجديدة وأخذنا تلامذة (المكتب الإسلامي) وهو مدرسة النهضة الآن إلى المكان الذي أعددناه للاحتفال، وهم ينشدون الأناشيد الوطنية ويتغنون بأمجاد العرش العلوي".

ترسيم الاحتفال بعيد العرش

ويشير القادري إلى أنه بعد انتهاء الاحتفالات، نظمت جموع الشباب التي كانت مجتمعة تظاهرة وطنية. وقصدت منزل الباشا مطالبة بأن يصبح هذا اليوم عيدا رسميا.

وما إن اقترب شهر نونبر من سنة 1934، حتى شعرت سلطات الحماية بالخطر، وقررت استباق هذه الذكرى بمحاولة احتواء أي تحرك قد يضر بمصالحها، وأمر المقيم العام الفرنسي هنري بونسوت، محمد المقري الذي كان يتولى منصب الصدر الأعظم (اللقب الذي كان يطلق على الوزير الأول)، بإصدار قرار لترسيم الاحتفالات، وهو ما حدث إذ تم إصدار المرسوم يوم 26 أكتوبر 1934.

ونشر القرار الوزاري بالجريدة الرسمية يوم 2 نونبر 1934، وكان مؤلفا من عدة بنود أهمها أن يقوم باشا كل مدينة من المدن المغربية بتنظيم الأفراح والحفلات الموسيقية، وتزيين المدن، وتوزيع الألبسة والأطعمة على نزلاء الجمعيات الخيرية، وأن يكون يوم عيد العرش هو يوم 18 نونبر من كل سنة، وأن يكون يوم عطلة بشرط ألا تلقى فيه الخطب السامية.

ومنذ ذلك التاريخ والمغاربة يخلدون ذكرى عيد العرش كل سنة، وبعد وفاة الملك محمد الخامس، وتولي الملك الحسن الثاني زمام السلطة، بدأ الاحتفال يحظى باهتمام أكبر، وكانت مظاهر الفرح تعم كل المدن والقرى المغربية لأيام قبل وبعد ذكرى تولي الملك الحكم، لكن بعد تولي الملك محمد السادس العرش بدأت مظاهر الاحتفال تتراجع.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال