القائمة

أرشيف

تاريخ: عندما أعلن الملك الحسن الثاني من كينيا قبوله بإجراء استفتاء لتقرير مصير الصحراء

في سنة 1981 توجه الملك الراحل الحسن الثاني إلى العاصمة الكينية نيروبي للمشاركة في قمة منظمة الوحدة الإفريقية، وأعلن قبول المغرب بإجراء استفتاء لتقرير المصير في الصحراء، وفي 12 نونبر من سنة 1984 قبلت المنظمة القارية "الجمهورية الصحراوية" عضوا كامل العضوية، وهو ما جعل المغرب ينسحب منها ويرفض أي دور لها في تسوية النزاع.

نشر
العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني
مدة القراءة: 8'

في بداية سنة 1976 كانت الدبلوماسية الليبية والجزائرية نشيطة جدا في القارة الإفريقية، وخلال شهر يناير من ذات السنة أوصى اجتماع لجنة التحرير التابعة لمنظمة الوحدة الافريقية في مابوتو عاصمة الموزمبيق بالاعتراف بجبهة البوليساريو ك"حركة تحرير افريقية"، وفي 27 فبراير من سنة 1976 أعلنت جبهة البوليساريو قيام "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" من جانب واحد.

وفي مؤتمر منظمة الوحدة الإفريقية المنعقد في 17 يوليوز سنة 1978، بالعاصمة السودانية الخرطوم، طالب قادة الدول المشاركة بوقف العمليات العسكرية في الصحراء الغربية، وأوصوا بضرورة البحث عن حل سياسي للنزاع على ضوء قرارات المنظمة ووفقاً لميثاق الامم المتحدة.

وخلصت القمة إلى إنشاء لجنة حكماء من خمسة رؤساء أفارقة ضمت كل من رؤساء السودان وغينيا ومالي ونيجيريا وتنزانيا لدراسة معطيات نزاع الصحراء الغربية بقصد تقديم اقتراحات وتوصيات محددة لمؤتمر القمة الافريقية اللاحق.

وخلال القمة المنعقدة بالعاصمة الليبيرية منروفيا خلال سنة 1979، أوصت منظمة الوحدة الإفريقية بـ"ممارسة شعب الصحراء الغربية حقه في تقرير مصيره من خلال استفتاء عام وحر"، بعد ذلك أوصت القمة التي احتضنتها العاصمة السيراليونية فريطاون سنة 1980 بضرورة الاسراع بتنظيم استفتاء حر لتحديد مصير المنطقة.

ووجد المغرب نفسه في موقف صعب جدا، إذ أن الكثير من الدول الإفريقية باتت في صف الجزائر وليبيا، وهو ما جعل العاهل الراحل يفاجئ الكل ويعلن قبوله تنظيم استفتاء في الصحراء، رغم رفض المعارضة المغربية وخاصة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

الحسن الثاني وقبول إجراء استفتاء

وفي 26 يونيو من سنة 1981، توجه الحسن الثاني إلى العاصمة الكينية نيروبي وقال في خطاب أمام قادة منظمة الوحدة الإفريقية "واعتبارا لهذا كله، ومن أجل أننا نريد بكل ما لأرادتنا من قوة إنقاذ مجموعتنا الإفريقية من كل ما من شأنه أن يهددها بالانفجار والتمزق، ومن أجل أننا نريد دون كلل أو سأم أن نحافظ لفائدة منظمة الوحدة الإفريقية وهي تقابل العالم كله على صورتها كمنظمة متماسكة واعية ومسؤولة، فإننا قررنا أن نأخذ بعين الاعتبار مسطرة استفتاء مراقب تراعي شروطه التطبيقية في آن واحد أهداف التوصيات الأخيرة الصادرة عن اللجنة الخاصة : لجنة الحكماء، وما للمغرب من اقتناع بحقوقه المشروعة".

ورحب مؤتمر قمة المنظمة القارية بما تعهد به الملك الحسن الثاني رسميا من قبول إجراء استفتاء في إقليم الصحراء الغربية، وقرر "إنشاء لجنة تنفيذية مؤلفة من غينيا وكينيا ومالي ونيجريا وسراليون والسودان وتنزانيا ومنحها سلطات كاملة حتى تكفل بالتعاون مع الأطراف المعنية تنفيذ توصيات اللجنة المخصصة".

كما حثت المنظمة "أطراف النزاع على وقف إطلاق النار فورا" ودعت اللجنة التنفيذية "إلى ضمان تنفيذ وقف إطلاق النار دون تأخر".

ورأى المغرب آنذاك أنه من واجب الأمم المتحدة الإسهام في تنظيم الاستفتاء، أعلنت المملكة عن استعدادها للتعاون الكامل مع اللجنة التنفيذية ومنظمة الوحدة الإفريقية وعن وضع كل إمكاناته لتنفيذ هذا الاستفتاء.

ففي رسالة وجهها إلى الرئيس الكيني دانيال اراب موي باعتباره رئيسا لمنظمة الوحدة الإفريقية قال الحسن الثاني "وبناء على ما أكدناه للجنة فإننا لن ندخر وسعا لتسهيل القيام في إطار السيادة المغربية بالاستفتاء المنصوص عليه، والذي من شأنه أن يقر عودة السلام إلى منطقة الصحراء الغربية".

وفي تدخله أمام لجنة المتابعة الإفريقية يوم 24 غشت 1981، قال العاهل المغربي الراحل إن "المغرب ليس على استعداد فحسب بل أكثر من ذلك فهو راغب في أن يكون إلى جانبه أشقاؤه الأفارقة للسهر على كل عمليات هذا الاستفتاء من البداية إلى النهاية".

وفي رده على أسئلة أعضاء لجنة المتابعة قال الحسن الثاني إن المغرب مستعد لقبول وقف إطلاق النار، وبخصوص قبول المغرب الدخول في مفاوضات مباشرة مع جبهة البوليساريو أكد العاهل الراحل رفضه لذلك وقال "المغرب يعتقد أن المفاوضات إذا أريد لها أن تكون سليمة على مستوى القانون وخصوصا على مستوى القانون الدولي فلا يمكن أن تتحقق إلا بين بلدان معترف بها دوليا، وقادرة على الالتزام بعهودها، ويكون في الإمكان تطبيق عقوبات عليها إذا هي أخلت بالتزاماتها".

وطالب بدل ذلك بإجراء مفاوضات مع الجزائر وموريتانيا باعتبارهما أطرافا في النزاع ودولتين معترفا بهما وقال "إن المغرب يعتمد على إجراء مفاوضات مباشرة مع الجزائر وموريتانيا، ليمكنه من جهة، والجزائر وموريتانيا من جهة أخرى، أن تلتزم كلها بسد أو إغلاق حدودها أو جعلها حاجزا محكما لي يمنع كل جانب الغارات التي قد تشن من حدوده".

وأكد أن المغرب لا يرى أي مانع في تواجد قوة لحفظ السلام في الصحراء، "إذا اتضحت ضرورة هذا الأمر".

بالمقابل عبر الحسن الثاني عن رفضه المطلق بشأن إقامة إدارة مؤقتة تابعة لهيئة الأمم المتحدة في الصحراء، وبرر ذلك بانعدام "التعود على استعماله وعدم قبوله إذ أنه يقر الفراغ، ولقد قلت لكم من قبل على سبيل المزاح إنه إذا كانت هناك إدارة مؤقتة وبما أنه لابد من إصدار الأحكام باسم الناس، فهل ستصدر باسم زميلي العزيز ارب موي؟ أم هل ستصدر باسم الأمن العام كوجو؟ وبأية عملة سيكون التعامل؟ وطابع البريد لابد أنه سيحمل صورة معينة".

وبعدما استمعت اللجنة التنفيذية التابعة لمنظمة الوحدة الإفريقيىة بشأن الصحراء الغربية إلى جميع الأطراف قررت إجراء "استفتاء عام وحر في الصحراء الغربية ووقف إطلاق النار"، وأن يكون من حق "جميع الصحراويين الواردة أسماءهم في الإحصاء الذي أجرته السلطات الإسبانية عام 1974 والذين بلغوا سن الثامنة عشرة فأكثر حق التصويت في الاستفتاء".

كما تقرر أن يطرح في الاستفتاء خيارين هما "الاستقلال" أو "الاندماج في المغرب"".

وفي 25 شتنبر من سنة 1981 سلم محمد بوستة وزير الدولة المكلف بالشؤون الخارجية بنيويورك رسالة إلى الرئيس الكيني أراب موي الذي كان يرأس منظمة الوحدة الإفريقية، عبر فيها الملك الحسن الثاني، عن تحفظه على بعض قرارات اللجنة التنفيذية التابعة لمنظمة الوحدة الإفريقيىة وخصوصا في الجانب المتعلق بمن يحق لهم التصويت وبالخيارات التي ستوضع أمام المصوتين.

وجاء في الرسالة الملكية "ومن المعلوم بالبديهة أن التصويت يتعن أن يكون مسموحا به لا للأشخاص المسجلين في قوائم الإحصاء الإسباني المباشر سنة 1974 وحدهم، ولكن لجميع الأشخاص الذين كان من الواجب أن يشملهم الإحصاء والذين لم يدمجوا في قوائمه لأنهم فروا إشفاقا على نفوسهم من قمع الدولة التي كان بيدها مقاليد الإدارة (في إشارة إلى إسبانيا)".

كما طالب الحسن الثاني بأن تكون صيغة السؤال الذي سيطرح على المشاركين في التصويت "محررة تحريرا موافقا للأحكام السلطانية الإسلامية وبالنظر خاصة إلى الاندماج في حظيرة المغرب فإن صيغة السؤال لا يمكنها أن تتجاهل المفهوم الجوهري للبيعة".

وفي اجتماعها يومي 7 و8 فبراير 1982 قررت لجنة المتابعة الإفريقية إقامة إدارة مؤقتة لتنظيم استفتاء عادل ونزيه، وتتكون هذه الإدارة حسب القرار من سلطة تشريعية وأخرى إدارية.

غير أن المغرب أعاد التأكيد على لسان وزير الخارجية يوم 8 فبراير أمام لجنة المتابعة في نيروبي رفضه إقامة أية إدارة مؤقتة في الإقليم.

وفي شهر فبراير من سنة 1982 وخلال الدورة الثامنة والثلاثين لمجلس وزراء الخارجية الافارقة المنعقد في أديس أبابا بإثيوبيا، تم الإعلان عن قبول طلب "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" كعضو كامل العضوية في منظمة الوحدة الافريقية بعد موافقة 26 دولة من الأعضاء لتصبح بذلك العضو الواحد والخمسين في منظمة الوحدة الإفريقية.

وكان مقررا أن تعقد قمة المنظمة الإفريقية في العاصمة الليبية طرابلس، وهي القمة التي كان من المفترض أن تحضر فيها "جمهورية" البوليساريو لأول مرة، لكن حالة العداء بين الادارة الامريكية برئاسة ريغان وليبيا تحت قيادة القذافي، جعل واشنطن تضغط على عدد من الدول الإفريقية من أجل مقاطعة القمة.

وقاد التوجه الداعي إلى مقاطعة القمة إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية كل من المغرب وزايير(الكونغو الديمقراطية حالياً) والسينغال و السودان و الصومال، وبالفعل تم إلغاء القمة بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني المتمثل في حضور 34 من الدول الاعضاء.

رفض أي دور للمنظمة في تسوية النزاع

وخلال قمة منظمة الوحدة الإفريقية المنعقد في 12 نونبر من سنة 1984 بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، حضر لأول مرة وفد يمثل "الجمهورية الصحراوية" يقوده زعيم جبهة البوليساريو الراحل محمد عبد العزيز، وهو ما جعل المغرب يقرر الانسحاب من المنظمة، معللا قراره بأن "جمهورية" البوليساريو لا تتوفر على شرط "الدولة المستقلة وذات السيادة"، باعتبار أنها مجرد جماعة تطالب بانفصال الصحراء عن سيادة المملكة المغربية. خصوصا وأن قوانين المنظمة الأفريقية تنص على أن عضويتها مفتوحة للدول الأفريقية المستقلة ذات السيادة، شريطة أن تؤمن هذه الدول بمبادئ المنظمة المتمثلة في سياسة عدم الانحياز.

وخلال الجلسة الافتتاحية تلا رئيس الوفد المغربي، المستشار الملكي الراحل أحمد رضا اكديرة، الخطاب الملكي الموجه إلى القمة، وجاء فيه:

"ها قد حانت ساعة الفراق، ووجد المغرب نفسه مضطرا ألا يكون شريكا في قرارات لا تعدو أن تكون حلقة في مسلسل لا رجعة فيه لتقويض أركان المشروعية، العنصر الحيوي لكل منظمة دولية تحترم نفسها".

وتابع الملك الراحل الحسن الثاني "فلم يبق لنا الآن إلا أن نتمنى لكم حظا سعيدا مع شريككم الجديد، الذي سيتعين عليه أساسا أن يملأ الفراغ الذي سيتركه المغرب، على مستوى الأصالة والمصداقية والاحترام، إفريقيا وعالميا".

وعبر الملك عن يقينه بأنه "سيأتي يوم يعيد فيه التاريخ الأمور إلى نصابها، وفي انتظار ذلك، فإن البعض منا – وهذه حقيقة مؤلمة – قد تحمل مسؤوليات بعيدة عن التعقل".

وبعد ذلك بدأ المغرب يرفض أي دور للمنظمة القارية في إيجاد تسوية لقضية الصحراء، وأخذت هيئة الأمم المتحدة زمام المبادرة، وفي سنة 1988 وافق المغرب وجبهة البوليساريو على خطة السلام المقترحة من طرف الأمين العام للأمم المتحدة.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال