القائمة

أرشيف

تاريخ: عندما خاف هارون الرشيد من مؤسس دولة الأدارسة في المغرب ولجأ إلى الخديعة لاغتياله

بعد وصول خبر قيام دولة الأدارسة في بلاد المغرب العربي إلى الخليفة العباسي هارون الرشيد، أحس بالخطر وقرر التخلص من الدولة الوليدة قبل أن يشتد عودها، فأرسل أحد أتباعه إلى المغرب محملا بسم كي يقضي على المولى إدريس الأول.

نشر
قبر المولى إدريس
مدة القراءة: 5'

بعد مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب ابن بنت رسول الله في معركة كربلاء، وفشل الثورات التي قادها العلويون بعد ذلك، عاد الهدوء إلى البلاد الإسلامية، إلا أنه في منتصف القرن الثاني بعد الهجرة ثار بعض العلويين في المدينة المنورة بقيادة الحسين بن علي بن الحسن المثلث بن الحسن المثنى العلوي، وانتقلت الثورة إلى مكة بعد أن أعلن الحسين البيعة لنفسه.

ولما وصل خبر هذه الثورة إلى الخليفة العباسي موسى الهادي، أرسل جيشًا على وجه السرعة للقضاء عليها، قبل أن تنتقل إلى مناطق أخرى، فيصير من الصعب إيقافها، فتحرك الجيش العباسي إلى مكة، والتقى بالثائرين في 8 ذو الحجة 169 هـ - 11 يونيو 786م، عند مكان يسمى "فخ"، وانتهت المعركة بهزيمة العلويين.

وقتل قادة العلويين في المعركة، فيما نجا منهم ادريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وأخوه يحيى. واختار إدريس الهروب إلى المغرب فيما توجه أخوه يحيى نحو الشرق.

ويشير عبد الهادي التازي في كتابه "التاريخ الدبلوماسي للمغرب" إلى أن الإمام إدريس استطاع أن يجد مع "حجاج إفريقية مركبا عبر به البحر الأحمر إلى بلاد النوبة، ومن ثمة إلى مصر حيث تلقى مساعدة من الذين يعطفون على آل البيت، مكنته من أخذ الطريق إلى برقة فالقيروان فمدينة الجدار (تلمسان) فطنجة التي كانت يومئذ قاعدة بلاد المغرب".

ويضيف المصدر ذاته أنه أقام في طنجة "سنتين كاملتين (170-172) حيث اقترن بزوجته التي كانت من أصل قوطي وهنا أخذ يدعو لأخيه الإمام يحيى بن عبد الله الذي صمم على مواصلة الحركة التي ابتدأها الأشراف الطالبيون".

لكن بعد ذلك علم الإمام إدريس أن العباسيين "غدروا" بالإمام يحيى "بعد أن كان تلقى تأمينا على حياته من هارون الرشيد، وهناك قرر المولى إدريس أن يدعو لنفسه حيث وجه دعوته المكتوبة إلى مختلف جهات المغرب بما في ذلك مدينة وليلة قاعدة المغرب الداخلية أيام الرومان".

بدوره يؤكد ابن الحسن الوزان في كتابه "وصف إفريقيا" أن المولى إدريس "وصل إلى موريطانيا (طنجة) فحظي فيها حظوة كبيرة حتى أنه حصل في قليل من الوقت لا على السلطة الزمنية فحسب ولكن على السلطة الروحية أيضا". واستجاب لدعوته أمير قبيلة أوربة، التي كانت تعد من أعظم القبائل الأمازيغية بأسا وأشدها شوكة.

ويوم الجمعة رابع شهر رمضان 172 للهجرة، 6 فبراير 789 للميلاد، بويع إدريس حاكما على المغرب "فتم بذلك تنصيب أول ملك من الدولة الإدريسية"، وسرعان ما توسعت هذه الدولة بشكل كبير.

وبحسب ما ورد في كتاب "الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى" لصاحبه أحمد بن خالد الناصيري، فقد وصل خبر قيام دولة الأدارسة في المغرب وازديادها قوة يوم بعد يوم إلى الخليفة العباسي هارون الرشيد، "فغمه ذلك، فشكى ذلك إلى وزيره يحيى بن خالد، فقال له أنا أكفيك خبره يا أمير المؤمنين".

فقررا التخلص من ادريس الأول، ووقع اختيارهما بحسب كتاب الاستقصا على رجل "اسمه سليمان بن جرير ويعرف بالشماخ، فزوداه بالمال ليعينه على حاجات سفره".

وصل الشماخ إلى المولى إدريس بن عبد الله "مظهرا اللجوء إليه متبرئا من الدعوة العباسية ومواليا للدعوة العلوية، فأكرمه المولى إدريس وعظم منزلته لديه.

وكان الشماخ "غزير الأدب والبلاغة وعارفا بصناعة الجدل، وكان كلما جلس الإمام إدريس إلى رؤساء الأمازيغ وأعيان القبائل، تحدث بجميل القول عن أهل البيت ذاكرا فضلهم  وعظيم بركتهم على الأمة وهو بذلك يقر على أحقية إدريس بالإمامة ويقدم الحجج على ذلك، الأمر ألذي زاده حظوة عند المولى إدريس وأصبح أقرب مقربيه وملازمه لا يأكل إلا معه". 

وكان المولى إدريس يثق في شخص اسمه "راشد"، وكان هذا الأخير قلما يبتعد عن المولى إدريس لخوفه مما قد يلحق به "وذلك لعلمه بكثرة أعدائه يومئذ، في المقابل كان الشماخ يترصد الغرة ويترقب الفرصة المناسبة ليقضي على إدريس" بحسب كتاب الاستقصا.

نفس المصدر يضيف أن غياب راشد عن المولى إدريس ذات يوم لقضاء بعض حوائجه، شكل "فرصة لا مثيل لها للشماخ، فدخل على إدريس وجلس بين يديه كما جرت عليه العادة وتحدثا مليا، وعرض الشماخ على المولى إدريس قارورة من طيب مسموم وقال له هذا طيب جلبته معي وهو من جيد الطيب فرأيت أن الإمام أولى به مني، فوضع القارورة بين يديه فشكره إدريس على جميل صنعه، وفتح القارورة واشتم ما فيها فصعد السم إلى خياشيمه وانتهى إلى دماغه فسقط مغشيا عليه".

وفر الشماخ بعد ذلك فركب جوادا كان أعده لذلك سلفا، وتوجه قاصدا المشرق، وبعدما طال غياب المولى إدريس تفقدوا حاله، وإذا به مغشي عليه لا يتكلم ولا يعلم احد ما به، وبدأت تروج فرضيات موته مسموما على يد الشماخ.

ولدى عودته ركب راشد حصانه، و"أعد جمعا من البربر يجوبون الطرقات سعيا وراء الشماخ، استمرت ملاحقة قاتل المولى إدريس ليلة كاملة إلى حدود الصباح فأدركه راشد بوادي ملوية فضربه بالسيف ضربات قوية شجت رأسه وبعضا من أطرافه ونجا من موت محقق بأعجوبة، إلا أن فرس راشد انهمك ولم يعد يقوى على اللحاق به ويقال إن الشماخ شوهد فيما بعد ببغداد وهو مقطوع اليد".

ورغم وفاة المولى إدريس أجمع المغاربة على وجوب استمرارية سلالة الأدارسة، وكان الأمل المتبقي لديهم والذي يتمثل في الحمل الذي تنتظره زوجته كنزة الأوربية، وفي يوم الإثنين الثالث من رجب سنة 177 للهجرة 14 أكتوبر 793، ولد ابنه الذي سمي بدوره إدريس.

ولم يكمل العاشرة من عمره حتى أخذت له البيعة على نفس المنبر الذي بويع عليه والده بمدينة وليلي، وتم ذلك يوم الجمعة 1 ربيع الأول سنة 186 للهجرة 10 مارس 802 للميلاد.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال