القائمة

أرشيف

تاريخ: عندما طالب الحسن الثاني الأمريكيين بحماية الرئيس الجزائري الهواري بومدين

في بداية السبعينات طلب الملك الحسن الثاني من الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، توفير الحماية للرئيس الجزائري الهواري بومدين، مشيرا إلى أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر قد يفكر في اغتياله لتعبيد طريق زعامة العالم العربي أمامه.

نشر
الحسن الثاني يستقبل الهواري بومدين
مدة القراءة: 6'

رغم المساعدة الدبلوماسية والعسكرية التي قدمها المغرب لجبهة التحرير الجزائرية خلال حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، إلا أنه بعد استقلال الجزائر سنة 1961 اتسمت العلاقة بين البلدين بالتوتر الشديد، بسبب الخلافات حول ترسيم الحدود.

ووصل هذا التوتر إلى حد الصدام المسلح، ففي شهر أكتوبر من سنة 1963، كان البلدان على موعد مع أول مواجهة عسكرية مباشرة بينهما أطلق عليها حرب الرمال، وانتهت بوساطة من منظمة الوحدة الإفريقية، حيث توصل البلدان لاتفاق لوقف إطلاق النار في 20 فبراير 1964 في مدينة باماكو عاصمة مالي.

وفي 19 يونيو من سنة 1965، قاد الهواري بومدين الذي كان يتولى منصب وزير الدفاع ونائب رئيس مجلس الوزراء، انقلابا عسكريا على رفيق دربه أحمد بن بلة، وأزاحه من منصب رئيس البلاد، ليتولى زمام الأمور بنفسه.

وكان صناع القرار في المغرب وفي مقدمتهم الملك الراحل الحسن الثاني ينظرون بنوع من التفاؤل للتغيرات الحاصلة في الجزائر، وبدأوا يفكرون في عودة العلاقات بين البلدين الجارين إلى سابق عهدها، والتخلص من مخلفات الماضي التي تركت جروحا غائرة صعبة الاندمال وخصوصا حرب الرمال.

الحسن الثاني يطالب واشنطن بحماية هواري بومدين من جمال عبد الناصر

بدأت العلاقات بين البلدين تتحسن بشكل تدريجي، وفي سنة 1969 زار بومدين المغرب، واجتمع بالحسن الثاني في مدينة إفران، وتم التوقيع على "معاهدة إفران" التي تخلت بموجبها المملكة عن مطالبها في الصحراء الشرقية.

ولم يكن المغرب يرغب في أن يتوقف مسار تطبيع العلاقات مع الجزائر، حيث تشير وثيقة مؤرخة في 7 يناير 1970 رفعت عنها السرية من قبل وزارة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية قبل سنوات، إلى أن الحسن الثاني حذر من إمكانية اغتيال بومدين.

وتشير الوثيقة إلى أن الملك الراحل طلب من سفير الولايات المتحدة الأمريكية السابق في المغرب "هنري طاسكا" أن يخبر الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون أنه يطلب منه الحماية الأمنية للرئيس الجزائري الهواري بومدين، لوجود تهديدات بالانقلاب عليه من طرف الرئيس المصري جمال عبد الناصر بمساعدة حليفه العقيد معمر القذافي، الذي أطاح بالنظام الملكي في ليبيا بمساعدة مصرية.

وتحدث الحسن الثاني عن أنه "يشعر بقلق عميق" من مستوى الأخطار المحدقة بالدول المغاربية، والناجمة عن "النظام العسكري الجديد المتطرف في ليبيا" والذي يتلقى دعما من جمال عبد الناصر.

وعبر العاهل المغربي عن مخاوفه من أن تكون الخطوة التالية لعبد الناصر بعد الإطاحة بالنظام الملكي في ليبيا، هي استهداف الرئيس الجزائري بومدين واستبداله "بشخص أكثر قبولا بقيادته للعالم العربي"، وأوضح الحسن الثاني أن إزاحة بومدين "ستساعد إلى حد كبير في زيادة نفوذ جمال عبد الناصر والاتحاد السوفياتي في تونس والمغرب".

وطالب باتخاذ المتعين من أجل وضع حد لخطة جمال عبد الناصر، مشيرا إلى أنه في حال عدم إيلاء الأمر أهمية كبرى، فإن "هناك خطرا حقيقيا في كامل ساحل جنوب البحر الأبيض المتوسط ...، الذي يمكن أن يقع تحت السيطرة الشيوعية".

وفي ستنبر من سنة 1970، حضر هواري بومدين إلى جانب الرئيس الموريتاني المختار ولد داده وملك المغرب الحسن الثاني مؤتمر نواذيبو بموريتانيا حيث أعلن بومدين أن لا أطماع له في الصحراء.

وتحدث الحسن الثاني بدوره عن التقارب المغربي الجزائري في بداية السبعينات وقال في مؤتمر صحافي عقده في شهر شتنبر من سنة 1974 والمنشور في العدد 2 من سلسلة "دفاتر الصحراء" التي أصدرتها وزارة الاتصال في نونبر من سنة 2015‎، في رده عن سؤال حول ما إذا كان مرتاحا من موقف الجزائرية بخصوص موقفها من الصحراء:

"أجل إنني مرتاح ما دامت الجزائر لا تطالب بما هو ملك للمغرب، لقد أعلنت الحكومة الجزائرية رسميا ذلك كما صرح لي به الرئيس هواري بومدين، انه رجل برهن حتى الآن أنه يحترم التزامه دائما، وقد قال لي إن الجزائر ليست لها أي مطمع في الصحراء، بل أكثر من ذلك طلب مني أن أخبره مسبقا قبل 48 ساعة في حالة وقوح حادث عسكري -لا قدر الله- حتى يتمكن من الوقوف إلى جانبنا، وقد قال كل هذا بالحرف، ولا يسعني إذن إلا أن أكون مرتاحا".

وفي سنة 1974 كان الموقف الجزائري قريبا أكثر من الموقف المغربي بخصوص قضية الصحراء التي كانت خاضعة للاحتلال الإسباني، حيث قال الملك الراحل في ذات المؤتمر الصحافي "أعتمد على رئيس الدورة المقبلة (للأمم المتحدة) وهو من بلدان المغرب أي السيد عبد العزيز بوتفليقة وزير الشؤون الخارجية في الحكومة الجزائرية، الذي يريد قبل غيره أن يجنب بلاده الاختيار بين ضرورة تأييد موريتانيا وبين ضرورة مساندة المغرب، وأنه وضع تواجهه كذلك كثر من الدول العربية والإفريقية والدول الأوروبية للسوق المشتركة والدول الكبرى".

المسيرة الخضراء وحرب أمغالا

بعد مرور أقل من ثلاثة أشهر على المسيرة الخضراء، وقعت إسبانيا مع المغرب وموريتانيا اتفاقية مدريد التي نصت على تقاسم الصحراء بين المغرب وموريتانيا، وجلاء القوات الاسبانية من المنطقة في فبراير من سنة 1976.

وعلى خلاف مواقفها السابقة، لم ترق هذه الاتفاقية الجزائر، وما إن اقترب موعد خروج الجيش الاسباني من الصحراء، حتى قام الجيش الوطني الشعبي الجزائري، يوم 27 يناير بالتسلل إلى قرية أمغالا الواقعة جنوب مدينة السمارة، وقرب الحدود الموريتانية.

وبحسب الرواية المغربية فقد قام اللواء الأول للمشاة بالجيش الجزائري بالهجوم على بلدة أمغالا، في حين قام لواء آخر بالهجوم على منطقة التفاريتي، وتمركز لواء آخر للمدرعات بمنطقة المحبس المحاذية للحدود الموريتانية.

وبعد ورود هذه المعلومات، توجه الجيش المغربي لصد هذا الهجو، إثر ذلك تراجع الجيش الجزائري فارا من ساحة المعركة تاركا وراءه الكثير من السيارات والمعدات.

وتطرق كتاب " تاريخ الحركة الوطنية" للمؤرخ المغربي كريم غلاب في جزئه الثاني لمعركة أمغالا الأولى وقال:

إن الانتصار في أمغالا شكل نهاية حرب الصحراء، إذ المعارك التي كانت بعدها لم تكن سوى حرب عصابات. ولو انتصرت الجزائر في معركة أمغالة لكانت المنطقة رأس جسر لمحاولة السيطرة على الصحراء".

وبعد مرور أسبوعين على المعركة، راسل الملك الحسن الثاني هواري بومدين، وخاطبه قائلا "إنه حدث ما يدعو إلى الدهشة والاستغراب. ذلك يا سيادة الرئيس أن القوات الملكية المسلحة وجدت نفسها يوم 27 يناير 1976 في مواجهة الجيش الوطني الشعبي في أمغالا التي هي جزء لا يتجزأ من الصحراء". وجاء في الرسالة أيضا "سال الدم بين شعبينا لأنكم لو توفوا بوعدكم. وها أنت ترون أيضا بالأمس القريب أن الحامية المغربية التي بقيت في عين المكان بأمغالة أخذت غدرا (...) من لدن وحدات الجيش الوطني الشعبي الجزائري، متوفرة على أسلحة ثقيلة ومعدات يكشف نوعها ومستواها عن النية المبيتة للقيام بعملية تدمير تسببت في عشرات الضحايا بين أبنائي والمكافحين من أجل بلدي".

وتطور الصراع المغربي الجزائري بعد حرب أمغالا، ليأخذ أبعادا أخرى فقد أعلنت جبهة البوليساريو من خيمات تندوف في 27 فبراير 1976 قيام "الجمهورية العربية الصحراوية".

ورد الحسن الثاني على الخطوة التي أقدمت عليها البوليساريو وحليفتها الجزائر، من خلال رسالة وجهها للجيش المغربي، جاء فيها:

"ومن دون أن نخفي عنكم خطورة الوضع، ومن دون أن نتجاوز الحدود في تهويل الأمر أمامكم بخصوص تطور الوضع، فقد عزمنا العقد على الدفاع بكل وسيلة ممكنة عن وحدة المملكة وضمان الأمن والهناء لشعبنا".

وفي 27 دجنبر من سنة 1978، أعلن وزير الخارجية الجزائرية عبد العزيز بوتفليقه، وفاة الرئيس الهواري بومدين، وتولى بعده قيادة البلاد الرئيس الشاذلي بن جديد.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال