القائمة

أرشيف

تاريخ: عندما استنجد أول رئيس لأركان الجيش الجزائري بالمغرب

قاد الهواري بومدين سنة 1965 انقلابا عسكريا على أحمد بن بلة، بمساعدة الطاهر زبيري أول رئيس أركان للجيش الجزائري بعد الاستقلال، وبعد سنتين حاول زبيري الانقلاب على بومدين لكنه فشل، وفر إلى أوروبا لينتهي به الأمر لاجئا سياسيا بالمغرب.

نشر
الطاهر زبيري يسار الصورة
مدة القراءة: 6'

بعد نيل الجزائر استقلالها سنة 1962 تولى أحمد بن بلة منصب الرئيس، وبعد ثلاث سنوات قاد الهواري بومدين بمساعدة عدد من الضباط من بينهم الطاهر زبيري الذي يعد أول رئيس أركان للجيش الجزائري بعد استقلال البلاد، انقلابا عسكريا وأطاح به من الحكم، ليمسك بزمام الأمور.

وبعد سنتين من ذلك فكر الطاهر زبيري في قيادة انقلاب عسكري جديد ضد الهواري بومدين، غير أن محاولته باءت بالفشل وفر في البداية إلى تونس، وطلب اللجوء السياسي بها، وحاول بومدين ثني الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة عن قبول منحه اللجوء السياسي، غير أنه فشل في مسعاه.

وأجاب بورقيبة حاكم الجزائر القوي آنذاك قائلا بحسب ما يحكي الطاهر زبيري في كتابه "نصف قرن من الكفاح.. مذكرات قائد أركان جزائري"، بالقول "مسؤولو الثورة الجزائرية كلهم مروا من تونس ولو لم يأت الطاهر زبيري لجاء بومدين".

وكان زبيري قد تعهد بعدم ممارسة أي نشاط سياسي في تونس، وهو ما جعله يفكر في مغادرة البلاد والاتجاه إلى سويسرا، وسعى إلى الحصول على صفة لاجئ سياسي بها، غير أنه لم يتمكن من ذلك.

وبعد مدة قامت  السلطات السويسرية بإبعاده وأخبروه بحسب ما جاء في كتابه أن لديهم "مشاكل مع الحكومة الجزائرية التي تحتجز طائرة عسكرية سويسرية كانت محملة بالأسلحة إلى مقاطعة "بيافرا" (كانت تسعى للانفصال عن نيجيريا، وأرسلت سويسرا طائرة محملة بالأسلحة إلى المتمردين البيافريين، قبل أن تنزل الطائرة اضطراريا في الصحراء الجزائرية في مدينة عين آميناس) (...) ونسعى لحل هذه المشاكل مع الجزائر ولا نريد أن ندخل في مشكل آخر بسببك".

ويؤكد الطاهر زبيري في كتابه أن سويسرا "التي تدعي الحياد وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول" كانت "غارقة إلى أخمص قدميها في النزاع الداخلي بنيجيريا من خلال دعمها للانفصاليين البيافريين بالسلاح في الوقت الذي اتخذت الجزائر موقفا مساندا لوحدة نيجيريا".

بعد ذلك غادر إلى إيطاليا ويواصل حديثه قائلا "أصبحت كالمشرد في هذا العالم، فرغم شساعته لم أجد دولة تقبل بي لاجئا سياسيا لديها (...) وبقيت هائما لسنوات في أوروبا متنقلا (...) باسم مستعار".

المغرب يرفض منحه اللجوء السياسي

وفي سنة 1969 التقى الطاهر زبيري في أوروبا محمد شبيلة الذي كان خلال الثورة الجزائرية نائبا لرئيس الحكومة المؤقتة ووزيرا للقوات المسلحة و"أخبرني أنه سيذهب إلى المغرب وعندما يعود نلتقي مجددا لفي سويسرا، فاغتنمت الفرصة وطلبت منه أن يجس نبض السلطات المغربية إن كانوا يقبلون بلجوئي السياسي عندهم، خاصة وأنني كنت على علم مسبق بالخلافات الموجودة بين نظام الملك الحسن الثاني ونظام بومدين".

لكن المغرب رفض منحه اللجوء السياسي "ورغم عدم ترحيب المغرب على أرضه لم يمنعني من زيارته رفقة محمد شبيلة في خريف 1969، فتوجهنا من إسبانيا إلى المغرب عبر الباخرة وأقمنا لدى أقارب زوجتي في الدار البيضاء مدة أربعة أيام. كما أٌمنا ثلاثة أيام في مدينة طنجة، والتقينا هناك بالعديد من الجزائريين الذين قدموا لنا يد المساعدة (...) ثم عدت إلى أوروبا بعد أن أعيتنا مطاردة الأمن المغربي لنا ورفضهم إقامتنا عندهم".

وعاد زبيري إلى المغرب مرة أخرى رفقة المعارض الجزائري الحسين آيت أحمد  "وبحثت عن معارفي في المغرب فتذكرت محمد محجوب أحرضان وزير الدفاع الذي استقبلته في الجزائر يوم 5 يونيو 1966 رفقة وفد مغربي رفيع المستوى".

ويشير إلى أنه بعد وصوله إلى طنجة "وبعد أيام اتصل آيت أحمد بمحجوبي أحرضان الذي لم يعد وزيرا للدفاع بل وزيرا للفلاحة. وجاء لزيارتي في بين آيت أحمد رفقة الجنرال أفقير وزير الداخلية ونائبه محمد بلعالم كاتب الدولة للداخلية".

"جلسنا وتبادلنا الآراء حول الوضع في الجزائر، وسألوني عن ملابسات واقعة 14 دجنبر 1967 وعن وضعية الجيش الجزائري بعد هذه الواقعة فقلت لهم: بومدين أضبح يسيطر على السلطة، وكان أحرضان وأوفقير يعرفان أنه كان لدي دور أساسي في الإطاحة بابن بلة الذي لم يكونوا يحملون له محبة كبيرة لأنه احتضن المعارضة المغربية في الجزائر ومنح رموزها حق اللجوء السياسي وعلى رأسهم مهدي بنبركة".

وعاد زبيري مرة أخرى إلى أوروبا، وآنذاك بدأت محاكمة الضباط المشاركين في محاولة 14 دجنبر 1967، "ولم يكن بإمكاني أن أبقى مكتوف الأيدي  إزاء هذا الخطر المحدق برجالي".

واتصل بأشهر المحامين في المغرب "على غرار بوستة الذي كان وزيرا سابقا للعدل. واتصلت بعلال الفاسي رئيس حزب الاستقلال المغربي والمحامي المعطي بوعبيد (...)، وتحدثت مع رئيس اتحاد المحامين العرب وهو مغربي ويسمى اليوسفي (أصبح فيما بعد رئيسا للحكومة) ووافق على حضور المحاكمة كملاحظ".

لكن السلطات الجزائرية منعت جميع المحامين المغاربة من دخول الجزائر باستثناء واحد منهم "يدعى برادة والذي شغل أيضا منصب مدير جريدة العلم المغربية والذي تمكن من دخول الجزائر ومقابلة الضباط المسجونين. لكن عندما اكتشفوا أمره منعوه من المرافعة لصالح موكليه".

وأصدر القضاء الجزائري حكما بالإعدام في حق الضباط الذين شاركوا في المحاولة الانقلابية الفاشلة، غير أنه لم ينفذ.

وفي سنة 1975 زادت حدة الخلاف المغربي الجزائري بسبب تنظيم المغرب للمسرة الخضراء، وتزامن ذلك مع انضمام قايد أحمد أحد رجال جماعة وجدة إلى المعارضة في الخارج، وكان مسؤولا عن حزب جبهة التحرير الوطني.

وبدأ المغرب يفتح أبوابه لمعارضي النظام الجزائري، وبعد عشر سنوات من المنفى منحت المملكة اللجوء السياسي لزبيري، وذلك قبل أشهر فقط من وفاة بومدين.  

المغرب يريد الابراهيمي رئيسا للجزائر

ويشير زبيري في كتابه إلى أنه "بعد وفاة بومدين في دجنبر 1978 بانت لي تباشير الأمل في إمكانية العودة إلى الجزائر".

ويؤكد أنه خلال إقامته بالمغرب تعرف على صهر علال الفاسي الذي دعاه "إلى زيارة مولاي عبد الله شقيق الملك في بيته. وافقت على هذه الدعوة حيث التقينا جميعا في بيت مولاي عبد الله وكان العقيد الهواري بومدين حينها قد توفي".

"كان المغاربة يرغبون في معرفة من سيخلف بومدين بعد وفاته، حيث سألني مولا عبد الله عن خليفة بومدين، فقلت هناك شخصيات وطنية ستترشح وسيجري انتخاب على مستوى إطارات الدولة الممثلين خاصة في إطارات الجيش والأمن وقيادة الحزب وكذا الولاة والسفراء، وعندما يتم التوافق حول شخصية معينة يتم ترشيحا لانتخابات عامة تكون شكلية.

ثم سألني مولاي عبد الله ثانية من سيترشح لتولي رئاسة الجمهورية في الجزائر، وهل سأكون من بين المرشحين، فقلت له : هناك محمد صالح يحياوي والشادلي بن جديد وعبد الله بلهوسات والهاشمي هجروس، وأضفت أنا "أنا بعيد في المنفى ولن يرشحوني في الوقت الحال" وقبل أن نفترق سألني مولاي عبد الله سؤالا غريبا "لماذا لا ترشحون أحمد طالب الإبراهيمي؟".

وقال إنه اكتشف فيما بعد "أن زوجة أحمد طالب الإبراهيمي اللبنانية تربطها علاقة قرابة شديدة بزوجة مولاي عبد الله".

وعكس ما كان يريده المغرب تولى الشاذلي بن جديد رئاسة البلاد، وتبدلت الأمور وعاد الطاهر زبيري إلى بلاده بعد العفو الذي أصدره الرئيس الجديد سنة 1980 لفائدة مجموعة من المعارضين.

وفي 8 يناير من سنة 2004 عينه الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة عضوا في مجلس الأمة الجزائري في الثلث الرئاسي، وفي سنة 2018 قلده بوتفليقة وساما برتبة "أثير" من مصف الاستحقاق الوطني.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال