القائمة

أخبار  

محسن كامل.. أستاذ الإنجليزية الذي يتخذ من دروب وأزقة الصويرة أقساما‎

في سنة 2017 أطلق محسن كامل مبادرة مجانية بأحدى الأزقة القديمة في مدينة الصويرة، يهدف من ورائها لتعليم اللغات واللغة الإنجليزية خاصة لجميع الراغبين في ذلك. هذه المبادرة كانت مجرد حلم في البداية، لكنها وجدت طريقها لتخرج إلى أرض الواقع.

نشر
محسن كامل
مدة القراءة: 5'

"مشروعي مجاني لكن ليس دون فائدة" هكذا وصف محسن كامل ابن مدينة آسفي مبادرته المجانية التي أطلقها بمدينة الصويرة، والتي يروم من خلالها تعليم اللغات وخاصة اللغة الإنجليزية مجانا للراغبين في ذلك.

هذه المبادرة كانت مجرد حلم راوده في مرحلة طفولته، وبقي يكبر معه كلما كبر في السن، إلى أن أصبح حقيقة يعيشها بشكل يومي. وقال في حديث لموقع يابلادي "مند صغري وأنا أحيط أطفال الحي بي، وألعب دور معلم الشارع".

وأكد محسن أن بداية علاقته باللغة الإنجليزية كانت بالصدفة، بحكم أنه حاصل على شهادة إجازة في الكيمياء:

"في سنة 2010، جئت إلى مدينة الصويرة في إطار عمل جمعوي، التقيت آنذاك بناشطين جمعويين أجانب يتحدثون اللغة الإنجليزية، الجميع كان يتواصل معهم باللغة الإنجليزية، إلا أنا، وهو ما أشعرني بنوع من الإحباط والخجل".

حاول محسن وقتها، التغلب على هذه العقدة، وبدأ يواظب على متابعة دروس في اللغة الإنجليزية على الانترنيت، ويحفظ الأغاني الإنجليزية ويحاول ترجمتها، لكن احتكاكه مع الأجانب هو الذي مكنه من إتقان لغة شكسبير أكثر.

كان محسن البالغ من العمر حاليا 29 سنة، يقضي معظم وقته متنقلا بين مدينة آسفي والصويرة، بحكم العمل الجمعوي، إلا أنه في سنة 2016 قرر الانتقال بصفة نهائية إلى الصويرة، ويتذكر ذلك قائلا "تعرضت لوعكة صحية، كان يجب علي أن أرحل لمدينة غير ملوثة، وبحكم العلاقات التي ربطتها مع الجمعيات والأجانب في الصويرة، جئت إلى هنا".

وفي صيف سنة 2017، كان من المقرر استقبال خمسة فاعلين جمعويين من اسبانيا، بصفتهم مؤطرين منخرطين في مخيم للأطفال كان سيقام بالمنطقة، إلا أن المنظمين رفضوا استقبالهم، وهو ما جعل محسن يقع في ورطة.

وكانت هذه المشكلة التي وجد محسن نفسه ملزما بالبحث عن حل لها، انطلاقة فكرة المبادرة التي يطلق عليها "English street class" وقال "بالفعل قدم المتطوعون، لكن بدل المشاركة في المخيم، اقترحت عليهم فكرة إعطاء الدروس بالمجان، ورحبوا بذلك"، كان ذلك بشراكة مع "الجمعية الهارونية للتنمية والتضامن"، الواقعة بدرب أحمد هارون في الملاح القديم بالصويرة، وهو المكان الذي تعطى فيه الدروس لحد الساعة.

كانت البداية، مع أطفال الحي الذين تحمس آباؤهم جدا للفكرة، وبحكم عدم توفر محسن على معدات ولوازم للتدريس، طلب من الأطفال إحضار كراسيهم من البيت، وتكفل هو بالسبورة، إذ عثر على واحدة قديمة، قام بغسلها وتعليقها على حائط الدرب، وقال "قدمنا دروسا في عدة لغات، كان المتطوعون الاسبان يتقنون لغات أخرى ليس فقط الاسبانية، وأنا أعطيت دروسا في الإنجليزية. قمنا بهذا العمل التطوعي لمدة شهرين متتابعين".

لكن وبعد عودة المتطوعين إلى بلدهم، وجد محسن نفسه لوحده، وتوقف المستفيدون عن حضور الحصص الدراسية "كأن شيئا لم يكن"، لكنه لم يقف مكتوف الايدي، وقرر المحاولة مرة أخرى، بعد انقطاع دام لمدة شهرين تقريبا.

وخلال شهر أكتوبر من سنة 2017، كانت "ولادة جديدة" لمشروع محسن التطوعي، وبدأ الاقبال على الدروس من جديد بل أكثر من المرة السابقة، إذ لم يقتصر الامر هذ المرة على أبناء الحي فقط، بل على جميع الراغبين في ذلك "بعض الأحيان، كان بعض الأشخاص يحضرون الدروس وهم واقفين طيلة الحصة بسبب ضعف الإمكانيات وعدم توفرنا على كراسي كافية"، لكن بعد فترة وجيزة، وبفضل الصدى الإيجابي الذي أحدثته المبادرة، تمكن محسن من شراء سبورة جديدة وعدد لا بأس به من الكراسي، بمساعدة من بعض المحسنين.

وبفضل عمله الجمعوي مع عدة جمعيات ومنظمات، من بينها "منظمة السلام" الامريكية التي تنشط أيضا بالمغرب، اكتسب محسن أسلوبا متميزا في تواصله مع تلامذته "أحاول التقرب أكثر من الشباب، أحاول أن أكون صديقا لهم، من أجل تحبيبهم في اللغة وملء وقت فراغهم بأشياء مفيدة، هذا هو الهدف الأساسي من المبادرة".

وحول نوعية الدروس المدرجة في قائمة برنامجه قال "أقدم دروسا في الإنجليزية، وهناك دروس في التواصل، كما نقوم بألعاب تمكن المستفيدين من الاحتكاك مع الأجانب الذين يزورون الصويرة".

 وإلى جانب محسن يوجد متطوعون أجانب، يعطون دروسا في قواعد الصرف والنحو، ما يتيح للمستفيدين، الفرصة لإتقان اللغة بطريقة صحيحة:

"أتعرف على المتطوعين، سواء في الشارع أو المقاهي، وفي بعض الأحيان يعثرون على صفحتنا بفيسبوك صدفة، ويطلبون المشاركة في المبادرة خلال الفترة التي سيقضونها بالصويرة وأرحب جدا بالفكرة، لأن ذلك سيساعدني في تطوير وتوسيع مشروعي أكثر فأكثر، إذ أصبح حاليا يستقبل، 200 مستفيد أسبوعيا، من جميع الفئات العمرية، وهو عدد ليس يسيرا".

اختيار محسن للشارع كمدرسة، لم يأتي صدفة على حد قوله "فكثيرا ما يتعامل الانسان على طبيعته في الشارع أكثر من البيت أو المدرسة. هدفي بالطبع تعليم اللغة، لكن أيضا خلق فضاء، يجعل الانسان على طبيعته" وأضاف "نعطي الدروس طيلة الأسبوع من الساعة الثامنة ليلا باستثناء السبت، والأحد صباحا للأطفال الصغار" تحت إنارة الحي فقط.

ويقوم محسن خلال فترة غيابه عن الحي، بحكم أنه أستاذ في التعليم الابتدائي، في مجموعة مدارس تهلوانت بجماعة بيزضاض نواحي الصويرة، بالتنسيق مع المتطوعين لتعويضه في بعض الحصص، لكي يحافظ على السير العادي للدراسة.

وبالنسبة للمتطوعين الأجانب، يتم تخصيص دروس لهم أيضا في "الدارجة المغربية"، ابتداء من شهر أبريل إلى غاية نهاية فصل الصيف من كل سنة.

وبخصوص ما إذا كان محسن يخطط لتحويل مشروعه إلى أقسام حقيقة وإعطاء الدروس ولو بمقابل ضئيل قال "لم ولن أفكر في ذلك أبدا، هدفي ليس الربح المادي، المبادرة بدأت في الشارع بالمجان وستظل في الشارع وبالمجان". ‎

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال