القائمة

أخبار

دياسبو # 130: قصة يامنة ماكسويل.. اليهودية المغربية التسعينية التي رفضت الهجرة إلى إسرائيل واستقرت بالولايات المتحدة

ولدت يامنة ماكسويل البالغة من العمر 90 سنة، بالقرب من مدينة مراكش وسط عائلة مغربية من أصل يهودي. ظلت صامدة أمام الفقر طيلة حياتها التي عاشتها بالمغرب قبل هجرتها إلى الولايات المتحدة الامريكية. تحلم الآن بزيارة مسقط رأسها مرة أخرى.

نشر
يامنة ماكسويل
مدة القراءة: 5'

وُلدت يامنة ماكسويل في قرية بالقرب من مراكش سنة 1929، حسب ما تشير إليه شهدة ميلادها، نظرا لعدم معرفتها بتاريخ ولادتها الحقيقي. ففي دجنبر 2019، احتفلت يامنة التي تعيش حاليا في مدينة كولورادو الامريكية، بعيد ميلادها التسعين.

وفي حديثها ليابلادي، تتذكر يامنة حياتها بالمغرب قائلة "أستغرب الطريقة التي نجوت بها" بعد الفترات العصيبة التي واجهتها بتيزڭين، وهي قرية في إقليم الحوز ولدت فيها، لأبوين يعتنقان الديانة اليهودية.

وتابعت يامنة حديثها قائلة "لم أنس أبدا المنزل الذي عشت فيه بتيزڭين. لم يكن هناك سوى اليهود والمسلمين، الذين كانوا رائعين بالنسبة لنا"، وأشارت إلى أنها لم تعش مع الدها الذي كان يقطن بعيدا عنها بحكم عمله، ما جعل الامر صعبا عليها وعلى أسرتها، إذ كانوا يعانوا كثيرا من أجل توفير لقمة عيشهم، وقالت "أتذكر عندما كنت طفلة صغيرة، كان المسلمون، يرحبون بنا داخل بيوتهم، لنأخذ كل ما نريد، من زيتون وبطاطس ... لازالت تلك اللحظات راسخة في ذهني".

قضت يامنة طفولة فريدة من نوعها، فمن بين الاحداث التي تتذكرها بكل تفاصيلها، هي تلك اللحظة التي قرر فيها والدها العودة إلى المنزل، وقالت "كان يوم أحد، كنت جالسة بمكان خارج البيت، ورأيت رجلا قادم من بعيد، لم يكن يركب حصانا ولا حمارا".

كان هذا الرجل والدها، لكنها لم تتمكن من التعرف عليه وقتها، بحكم غيابه عن منزل أسرته لفترة طويلة، لكن والدتها تعرفت عليه، وقالت يامنة "أخبرتني أمي أن أذهب إلى المنزل، لكنني بقيت وراء الباب وسمعتها تقول له إنه لا يمكنه الدخول إلى المنزل".

واضطر حينها إلى قضاء الليلة في منزل جيرانه المسلمين، الذين قدموا بعدها بلحظات إلى بيتها لإبلاغ عائلته بوفاته، وأخبروا يامنة ووالدتها أنه "قبل وفاة أبي روى قصته لهذه العائلة المسلمة، وقال لهم  إنه جاء إلى تيزكين ليموت بالقرب من عائلته بعدما شعر بالتعب" مشيرة إلى أنه للوصول إلى القرية "جاء مشيا من ليلة الجمعة حتى ليلة الأحد".

بقيت يامنة في القرية لفترة من الوقت، ولم تكن تعرف لا القراءة ولا الكتابة، لأنها لم تذهب قط إلى المدرسة، ورغم ذلك كان عليها البحث عن عمل من أجل تأمين لقمة عيشها "كانت أسرتي ذات أخلاق رائعة، لكن أفرادها كانوا فقراء، وكنت أعاني من الجوع في أغلب الأحيان".

ومن أجل البحث عن مستقبل أفضل، انتقلت يامنة إلى مراكش، حيث كانت تنتقل من منزل لآخر للعمل والعيش مع أسر من أصل يهودي أيضا، كما اشتغلت عند عائلة متدينة كثيرا في الحي اليهودي الواقع في المدينة الحمراء، حيث شهدت هناك واحدة من أكبر الأحداث التاريخية في مراكش.

كنت أشتغل عند عائلة غنية في حي الملاح، ولم يكونوا يتوفرون على الماء، لذلك كنت أضطر للذهاب إلى النافورة لجلب المياه إلى المنزل. كنت أنتظر حتى ينتهوا من تناول الطعام وأمشي إلى هناك حافية القدمين، ما كان يتسبب لي في تقرحات في أصابعي بسبب الطقس البارد والجاف".

يامنة ماكسويل

في أحد الأيام وهي في طريق عودتها إلى المنزل التي كانت تعمل به، سمعت سيدة البيت تتحدث إلى والدها المتدين، الذي كان يصر في حديثه معها على ضرورة مقابلة التهامي الكلاوي، وهو باشا المدينة وقتها وقالت "أخبر ابنته أنه رأى حلما بأن شخصًا ما داخل منزل الباشا وكان يحاول قتله وأخبر ابنته أنه يتعين عليه إنقاذه". وهو ما حصل بالفعل، إذ قام الرجل الذي كانت تشتغل عنده يامنة، وهو الحاخام بنحاس ها كوهين، بإنقاذ باشا مراكش من الموت على حد قولها.

وقالت "ذهب للقاء الباشا لكلاوي، وأحضرت الخادمات الشاي والحليب. وأخبره بأن لا يلمس أي شيء وأحضر قطا وجعله يشرب الحليب، وإذا به يموت على الفور".

وخلال حياتها في مراكش، قابلت يامنة زوجها الأول وأنجبت منه ابنها الأول، لكن لم يدم زواجهما لفترة طويلة، بعدما قرر زوجها الهجرة إلى إسرائيل، وقالت "طلب مني الذهاب معه ورفضت لأنني أردت البقاء في المغرب مع عائلتي".

بعد ذلك، قررت الانتقال إلى مدينة الدار البيضاء لإعالة ابنها، وهناك عرضت عليها سيدة فرنسية العمل بمطعمها، إلا أن يامنة لم تكن تتوفر على وثائق شخصية، وساعدتها هي في ذلك، وتم تحديد سنة 1929 كتاريخ ميلادها المحتمل.

أثناء تواجدها في الدار البيضاء، قدم أخ يامنة غير الشقيق من الرباط للبحث عنها، رافقته بعدها وعاشت معه لفترة، لكنه سرعان ما قرر هو الآخر الذهاب إلى إسرائيل، حيث توفي لاحقا، وتتذكر قائلة "بقيت معه لمدة سنتين، ثم ذهب إلى إسرائيل، ولم أكن أريد الذهاب معه، لأنني كنت مصرة على البقاء في المغرب بالقرب من عائلتي وأصدقائي".

استقرت الفتاة الشابة حينها بمدينة الرباط، ووجدت وظيفة جديدة. وبدأت العمل في مصنع، كانت تخيط به أزرار الملابس العسكرية.  انتقال يامنة إلى العاصمة، كان بمثابة فرصة لها أيضا للقاء زوجها الجديد، وهو مواطن أمريكي كان يعمل في القوات الجوية الأمريكية. وفي سنة 1956، غادرت يامنة، هي وزوجها وأطفالها المغرب في اتجاه الولايات المتحدة، لبدء حياة جديدة في هذا المكان الذي تعتبره جنة على الأرض.

أثناء ذهابها إلى أمريكا لم تتكن يامنة، تتحدث الإنجليزية، لكنها تمكنت من التأقلم واكتشاف أشياء جديدة، وعملت حينها في مطعم. وهي الآن، أم، وجدة، وجدة كبرى أيضا، ولازالت تحتفظ لحد اليوم بذكرياتها في المغرب وقالت

"أمريكا جيدة ولكن المغرب جميل، اعتدت أن أقول دائما يا ليت، لو كانت أمريكا مرتبطة بالمغرب حرفيا، من ناحية الاكل والطقس".

يامنة ماكسويل

وتزور يامنة معبدا في المنطقة التي تسكن بها، حيث تلتقي فيه بأصدقائها وتتذكر القصص التي عاشتها بالمغرب، إذ تأمل أن تعود في يوم من الأيام إلى القرية التي ترعرعت بها.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال