القائمة

أخبار

9 سنوات على "دسترة" الأمازيغية في المغرب.. ماذا تحقّق لـ"تيفيناغ"؟

جدل جديد في المغرب بسبب مشروع للبطاقة الوطنية لا يتضمن أيّ إشارة إلى الأمازيغية، لكن المتأمل في التجربة المغربية، يتأكد أن مكاسب "تيفيناغ" قليلة جدّاً رغم وجود الأمازيغية في دستور المملكة، فما هي الأسباب؟

 
نشر
DR
مدة القراءة: 5'

تسع سنوات تقريبًا بعد تصويت المغاربة، على دستور نصّ على كون الأمازيغية لغة رسمية في المملكة، بيدَ أن استخدام هذه اللغة لا يزال ضعيفًا في الكثير من نواحي الحياة اليومية بالمغرب، خاصةً فيما يتعلّق بالوثائق الرسمية التي يعتمد جلها على الحرف العربي و/أو الحرف اللاتيني، وتحديدا اللغة الفرنسية، فيما لا يزال حرف "تيفيناغ" الذي تُكتب به الأمازيغية، غائباً بشكل كبير.

وفتح مشروع قانون صادقت عليه الحكومة تحت اسم "رقم 04.20 يتعلّق ببطاقة التعريف الوطنية" الجدل مجددًا حول وضعية الأمازيغية، إذ ينصّ على كتابة معلومات المواطنين بالحرفين العربي واللاتيني، رغم تأكيد القانون التنظيمي الخاص بتفعيل الأمازيغية على وجود هذه اللغة إلى جانب العربية في الوثائق الرسمية كبطاقة التعريف الوطنية.

وتعرّض المشروع الذي تقدمت به وزارة الداخلية إلى انتقادات واسعة من هيئات سياسية وحقوقية، وطالب عدد من النواب بتعديله حتى يتضمن حرف تيفيناغ. وصادقت لجنة في مجلس النواب، أمس الخميس (26 يونيو، على إحالة المشروع على "المجلس الوطني لحقوق الإنسان" لأجل مراجعته من الجانب الحقوقي، في وقت يراهن فيه الكثير من الفاعلين على البرلمان لمنع تمرير المشروع بصيغته الحكومية.

"وتيرة إدماج الأمازيغية في الحياة العامة عرفت تعثرًا لعدة أسباب، جزء منها يرجع إلى بطء عملية التشريع، فالقانون التنظيمي للأمازيغية لم يُصادق عليه إلا عام 2019، ما ترك قطاعات وزارية تتحجج منذ مدة بانتظار صدور هذا القانون"، تقول ابتسام عزاوي، نائبة عن حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، متابعة أن الحكومة "تخاذلت كذلك في إنصاف الأمازيغية بما أنها لا تتوفر على أطر قادرة على خلق تصورات لتنفيذ القانون التنظيمي في الحياة العامة".

 

استهداف للأمازيغية؟

"الأمر يتعلق بعقلية تُبقي القوانين حبرًا على ورق. هناك عادة سيئة في المغرب هي إحداث القوانين ثم عدم الاكتراث بها، وهو من الأسباب التي تعيق التنمية في المغرب، فالنصوص تتغير لكن لم تتغير العقليات" يقول الناشط الأمازيغي أحمد عصيد لـDW عربية، مشيرًا إلى أن مشروع تعديل البطاقة الوطنية يعود لعام 2007، ولم يتم المصادقة الحكومية عليه إلّا عام 2020، دون استحضار وجود دستور جديد.

وفسرّت وسائل إعلام مغربية غياب "تيفيناغ" بوجود إشكال تقني، إذ قالت إن شيفرة البرمجة في هذه البطاقة، الموجودة لأغراض أمنية، لا يتضمن حروف تيفيناغ، بينما قالت مصادر أخرى إن المشكل يوجد في أن سجلات المواطنين كعقود الولادة غير مدرجة بالأمازيغية، فيما لم يرد وزير الداخلية المغربي على هذه الملاحظات.

وتقدمت الحركة الأمازيغية، بطلب لأجل كتابة العبارات الثابتة (كاسم البطاقة) في البطاقة الوطنية الجديدة بالحرفين العربي والأمازيغي لأجل تجاوز مشكل السجلات، بينما تضاف التعديلات الخاصة بالمعلومات الشخصية إلى حين تعديل سجلات المواطنين وفق ما أكده عصيد، غير أنه يرى أن مصادقة الحكومة على المشروع دون الأمازيغية يبين أن هناك "إرادة لدى السلطة" ببقاء الأمر على ما هو عليه.

وترى عزاوي أن مشروع القانون "المخيب للآمال"، يضع النواب البرلمانيين أمام امتحان مدى توفرهم على الإرادة السياسية للترافع عن تنزيل الأمازيغية في الحياة العامة، وأن تتحول التصريحات بالدفاع عن الأمازيغية إلى مواقف سياسية، لأجل تعديل المشروع و"الانتصار لروح الدستور وللهوية المغربية".

 

ماذا تحقق؟

كان المغرب أوّل دولة في شمال إفريقيا تؤكد أن اللغة الأمازيغية لغة رسمية. انتصار حققته الحركة الأمازيغية عام 2011 لثقافة من الأقدم في التاريخ، إذ احتفل الأمازيغ قبل أشهر بالعام 2970 من التقويم الأمازيغي (يُعرف كذلك بالسنة الفلاحية)،كما تتحدث العديد من المصادر أن حرف "تيفيناغ" ظهر في عهد مملكة نوميديا التي حكمت أجزاء كبيرة من شمال إفريقيا قرنين قبل الميلاد.

بيدَ أن حتى طريقة دسترة الأمازيغية كانت "بشكل متحفظ' حسب عصيد، إذ ذُكرت جملة "ملغومة" في الدستور هي "ذلك لكي تتمكن (الأمازيغية) من القيام مستقبلاً بوظيفتها"، ما خلق نوعا من "التمييز" بينها وبين العربية حسب الباحث ذاته.

وينضاف هذا الكلام إلى تحليلات أخرى رأت أن الفصل 5 من الدستور نصّ أولاً على العربية، ثم جاء في بداية فقرة أخرى ليؤكد أن "الأمازيغية أيضا لغة رسمية".

وبدأ المغرب تجربة التدريس بالأمازيغية منذ 2003 في المدارس الابتدائية، غير أن الحصيلة بعد 17 عاما كانت مخجلة، إذ اعترفت وزارة التعليم، عام 2017، أن 20 بالمائة فقط من تلاميذ الابتدائي يدرسون هذه اللغة، وأنه سيصعب تعميمها في جميع المدارس. ويؤكد عصيد أن أساتذة الأمازيغية صار يعهد لهم بتدريس لغات أخرى إلى جانب الأمازيغية، ما يعدّ تراجعًا حقيقيًا وفق قوله.

غير أن هناك من يرى أن المشكل داخلي في طريقة كتابة الأمازيغية. فداخل الحركة الأمازيغية هناك من يطالب بكتابتها بالحرف اللاتيني كمؤرخ المملكة السابق حسن أوريد، وهناك من يطالب بكتابتها بالحرف العربي، ومبرّرات الطرفين أن الحرفين يساهمان في انتشار الأمازيغية بشكل أكبر. ورغم أن بدايات هذا النقاش تعود إلى سنوات خلت، إلّا أن التراجع الحاصل في انتشار تدريس الأمازيغية، والمشاكل التقنية في إدخال "تيفيناغ" إلى الأنظمة البرمجية قد يحييانه من جديد.

كما لا تزال الحركة الأمازيغية في عمومها تنشر وثائقها وبلاغاتها باللغة العربية وأحيانًا الفرنسية، بينما لا يزيد حضور حرف "تيفنياغ" عن الحضور سوى في العبارات الثابتة كأسماء المنظمات. إلّا أن عصيد يقول إن الدولة هي من تنشر اللغة وليس الأشخاص أو التنظيمات، معطيًا المثال بالعربية، إذ "كان من يكتب الفصحى قليل جدًا، لكن بعد تعميم العربية في التعليم، أضحى لدينا مواطنون كثر يكتبون بها، والأمر ذاته مع الفرنسية قبل وبعد فرض الحماية على المغرب (1912-1955)، أما الأشخاص فهم يستخدمون اللغة لأجل التواصل مع جمهور متعدد ومتنوع".

ينشر بشراكة مع DW

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال