chargement...
عاد الحديث بقوة عن "الأطفال الزهريين" في المغرب، بعد الإشارة إلى ضلوع باحث عن الكنوز في قضية احتفاء ومقتل الطفلة نعيمة بدوار تفركالت الواقع بجماعة مزكيطة التابعة لإقليم زاكورة، وكذا بعد اختفاء طفل يبلغ من العمر عشر سنوات ضواحي مدينة زاكورة، واتهام عائلته باحثين عن الكنوز بالوقوف وراء اختطافه.
وتشير وقائع وأحداث متكررة إلى أن أطفالا "زهريين" يتميزون عن غيرهم ببعض الصفات والعلامات الجسدية، يتم اختطافهم من قبل مشعوذين لاستخراج بعض الكنوز من باطن الأرض، وغالبا ما يتعرض هؤلاء الأطفال للأذى الجسدي، وقد يصل الأمر إلى قتلهم بعد انتهاء الخاطفين من مهماتهم.
وحسب ما هو متعارف عليه في الروايات الشعبية، فإن "الطفل الزهري هو الذي يوجد في كف يده اليمنى خط مستقيم، يقطعها عرضا، وعيناه ذات بريق خاص، إضافة إلى صفات أخرى.
كنوز في باطن الأرض
وفي تصريح لموقع يابلادي عزا أحمد أمالك أستاذ التاريخ بجامعة القاضي عياض بمراكش، وجود كنوز أرضية في بعض المناطق، إلى عوامل تاريخية في الأساس. وقال إن الكنوز التي يبحث عنها هؤلاء المشعوذون، تعود إلى أزمنة غابرة، وأوضح أن "النصوص التاريخية التي تتحدث عن هذا الموضوع شحيحية جدا. والمغرب قديما كانت تصله كمية كبيرة من الذهب والفضة، كما أن الجند كانوا يتقاضون رواتبهم بالمعادن النفيسة".
وتابع "وكان الناس قديما عندما يريدون السفر من مدينة لأخرى، يعمدون إلى إخفاء أملاكهم من المعادن الثمينة عن طريق دفنها في التراب، خشية سرقتها، خصوصا وأن القبائل كانت تتحارب فيما بينها".
وأضاف أن "بعض القوافل كانت تقوم بدفن المعادن النفيسة في حال الإحساس بالخطر، لأن موضوع انعدام الأمن أو ما يعرف بالسيبة كان منتشرا في المغرب، لذلك نقرأ أن كثيرا من السلاطين كانوا دائمي الحركة"، وأوضح أنه يتكلم عن فترة تمتد من الدول التي حكمت المغرب كالمرابطين والموحدين وإلى غاية الحماية الفرنسية.
زهري بدماء خاصة
وتمكنا في موقع يابلادي من التواصل مع محمد، وهو شخص سبق له أن نشط في مجال البحث عن الكنوز، وقال "من يعتمد على الطفل الزهري في البحث عن الكنوز يقوم بطقوس شيطانية، يستغلونه لاستخراج الكنز وفي الأخير لا يعطونه شيئا".
"الزهري يمكنه التواصل مع الجن، له طاقة تقربه منهم ويتواصل معهم. الزهري هو إنسان أعطاه الله دماء تمكنه من رؤية ما يوجد تحت الأرض كالكنوز أو السحر، عنده طاقة خاصة. والجني ينتقم من الزهري لأنه يفضحه، ويسخر في ذلك الباحثين عن الكنز، ويطالبهم بقتله وإحضار أعضاء من جسده".
وأضاف أن الاعتماد على الزهري "عمل من أعمال الشعوذة" وتابع في "مجال الكنوز هناك من أعطاه الله القدرة، ويتجه إلى مكان الكنز وإن وجده مملوكا من قبل الجن يقرأ القرآن، وإن كان من نصيبه يأخذه دون الاعتماد على الزهري".
وبحسبه فإن "جل الباحثين عن الكنوز لا يصلون إلى هدفهم، والدليل أن أغلبهم فقراء". وزاد قائلا "اتضح لي أن البحث عن الكنوز مجرد شعوذة، بعد سنتين من بحثي في العديد من المدن، تيقنت أنه إن لم تكن تتوفر على جهاز أو إشارات، فيبقى الأمر مجرد شعوذة".
فيما قال رشيد وهو باحث سابق عن الكنوز أيضا لموقع يابلادي "هناك عدة طرق لاستخراج الكنوز. من لا يتقون الله سبحانه وتعالى يستخدمون الطفل الزهري لاستخراج الكنوز، وبعد ذلك إما يتركونه هناك، أو يصبح تابعا لهم يستعملونه دائما".
وتابع "من يعمل بالطرق الشيطانية يكون محتاجا لدماء الزهري...، لكن الإنسان عندما يصل إلى درجة متقدمة من العلم في هذا المجال يستغني عن هذه الطرق، ويصبح أكثر قناعة، ويعلم أن هذه الكنوز مجرد وسخ من أوساخ الدنيا".
"منطقة شمال إفريقيا تفخر بوجود كنوز ليومنا هذا، هناك مجموعات تبحث عنها ليل نهار، لكن دون أن تكون لهم وثيقة أو مرجع، ويبحثون بطريقة عشوائية، لذلك نادرا ما يصلون إلى الهدف. أما الذين تكون أمورهم مضبوطة، ويملكون "التقييدة" فيصلون إلى مبتغاهم، وكم من مكان قصدناه لم نجد فيه أي شيء أو سبقنا إليه آخرون وظفروا بالكنز".
وأكد أنه غادر هذا الميدان "سنة 2001 بعد تجربة مريرة، من يعملون في هذا الميدان أسميهم شخصيا لصوص وعصابات ومشعودين".
خرافات وشعوذة
بالمقابل قال الدكتور محسن بنزاكور استاذ التعليم العالي المختص في علم النفس الاجتماعي لموقع يابلادي، إنه للحديث عن هذا الموضوع "يجب أن نعود إلى الفلسفة، لأنه بدون فلسفة لا يمكن أن نحارب الفكر الخرافي"، وتساءل "هل يأخذ هؤلاء الأشخاص مسافة زمنية بينهم وبين أنفسهم ويطرحون أسئلة أم لا".
وأضاف "ما المقصود بالكنز: هل لا زلنا نعيش حروبا، هل لا زالت السفن تخرج عن وجهتها إلى وجهة غير معلومة؟ الآن لا يمكن أن يوجد شيء تحت الأرض إلا في مخيلتهم".
"لا يزال الفكر الأسطوري والخزعبلات والإيمان بالشعوذة منتشرا في مجتمعنا. لازال الناس يقصدون الشوافات، لا زال هؤلاء يعتقدون بوجود أطفال أيديهم أو أعينهم زهرية، ويظنون أنه بقتلهم سيتمكنون من العثور على الكنز".
وتابع أن "الفكر الخرافي لا يزال معششا في مجتمعنا بشكل خيالي. المال السهل دون بذل مجهود ودون علم، هذا الثلاثي هو سبب هذه المشاكل الكبرى".
وحمل بنزاكور الدولة مسؤولية استمرار مثل هذه الخرافات وتساءل "لماذا لم تسع الحكومات المغربية المتعاقبة لمحاربة مثل هذه الأمور. مثلا المتهم في قضية مقتل نعيمة سيعاقب على القتل ولن يعاقب على الشعوذة، ولن تقوم القيامة في المغرب وتعقد الندوات لمحاربة الشعوذة".
وبحسبه فإن "الفكر الخرافي في المغرب يجب أن تخصص له ندوات وطنية، كفانا من مثل هذه الأفكار، العالم ينعتنا بالسحر، يجب أن نخلق رأيا عاما يتشوق إلى العلم والمعرفة حتى لا تبقى مثل هذه الأمور مستفحلة في بلدنا، وأنا لا أعمم، ولكن لن يقبل العقل أن يموت طفل من أجل خرافة. لا يعقل أن تشوه جثة طفل من أجل خرافة".
وأضاف "أعوان السلطة يبلغون عن أمور بسيطة، ويسكتون عن المشعوذين، لماذا تكريس هذا الفكر الخرافي في الوطن؟ مادام الأمر يشكل تهديدا على أبنائنا وعلى الأجيال القادمة، ألم يحن وقت إزالة الطابو عن الفكر الخرافي؟"
آخر الأخبار
المقالات الأكثر...
