القائمة

أرشيف

العربي ميريكان.. مغربي قطع المحيط الأطلسي على متن قارب صيد نحو الولايات المتحدة فوجد نفسه في غويانا الفرنسية

خاض العربي بابمار أو "العربي ميريكان" كما يلقب، رفقة صديقه مغامرة غير مسبوقة، إذ قررا نهاية الثمانينات التوجه إلى الولايات المتحدة الامريكية، انطلاقا من ميناء الصويرة على متن قارب صيد صغير، وبعد أشهر وجدا نفسيهما في غويانا الفرنسية قرب البرازيل.

نشر
العربي بابمار
مدة القراءة: 5'

لأنها خارجة عن المألوف بل وصعبة التصديق قرر الكاتب المغربي حسن الرموتي، تدوين قصة البحار المغربي العربي بابمار في كتاب تحت عنوان "الامتداد الأزرق"، ونشرها سنة 2013، واعتمد في كتابه على مجالسة العربي والاستماع له وتدوين ما استرجعه من ذكريات عن رحلته التي دامت أكثر من ثلاثة أشهر.

لم يكن العربي صاحب الفكرة، وإنما كان صاحبها شخص يدعى محمد فوزي قدم من مدينة الدار البيضاء، وعرضها عليه، فوافق عليها بعد التشاور مع والديه وزوجته، ويحكي العربي في كتاب الامتداد الأزرق أن زوجته لم تعارض الفكرة لأنها كانت "تعتقد أن أمريكا قريبة جدا من هنا، فهي لم تدخل المدرسة يوما".

واعترف العربي أن حساباته قبل الرحلة لم تكن صائبة، رغم أنه كان يعلم أن بقاءهما في عرض المحيط سيدوم أيام طويلة، لكن لم يكن يتوقع أن يستمر ذلك لأكثر من 90 يوما، "لم أسأل من لهم دراية كبيرة ببعد المسافة بين شاطئ الصويرة وأمريكا. لقد كنت أعتقد أنني سأصل إليها رفقة صديقي خلال شهر تقريبا، والسبب أنني وصديقي لا نريد لأحد أن يعرف قيامنا بذه الرحلة، الجميع سيعارض ذلك ويعتبرنا مجنونين".

ولم يكن اختيار يوم 20 غشت 1989 لبداية المغامرة، اعتباطيا فهذا اليوم يصادف عيدا وطنيا، وهو ما يعني أن حركة رجال الأمن في الميناء ستكون أقل مما هي عليه في الأيام الأخرى، ويحكي العربي المزداد سنة 1950 بمنطقة الديابات القريبة من الصويرة، والذي تابع دراسته إلى المستوى الابتدائي أن رفيقه في الرحلة "عاد من البيضاء واقتنى بعض المواد مثل كمية من الشكولاتة والثمر والسكر والشريحة والسجائر والزيت بالإضافة إلى مواد أخرى لم أعذ أذكرها مع بيدوات لتخزين الماء وقنينتين صغيرتين من الغاز، ولم يفت صديقي أن يحمل معه بعض لوازم الصيد من خيط وسنارة، التي سيكون لها دور كبير عند نفاذ الطعام كما حمل معه مذياع صغير ومصباح يدوي للإضاءة عند الحاجة". 

"كان بعض الأصدقاء (الذين اختاروا اخبارهما) في توديعنا كما أن ابني الأصغر كان يومها حاضرا، ودموعه تنحدر من عينيه ما زالت عالقة في ذهني إلى اليوم".

العربي بابمار 

وتابع "لا أنكر بعد ثلاثة أيام من الإبحار فكرت بالعودة، لكن صديقي لم يبد أي رغبة في الرجوع (...) حين غادر الزورق الميناء كنت بين الفينة والأخرى ألتفت إلى الوراء، أرى اليابسة، أرى مدينتي تتضاءل رويدا رويدا، أحس بغصة وأنا أغادر الميناء، الذي يشكل جزءا من طفولتي وشبابي". 

وأوضح العربي بابمار أنه في "أول الأمر كنت أسجل الأيام على حافة الزورق بحفر علامة مميزة بواسطة آلة حادة، لكن بعد ذلك تخليت عن هذه العادة عندما أصبحت الأيام بالنسبة لي متشابهة". 

وأثناء الرحلة كان تبادل الحديث وسيلة لنسيان الزمن الذي طال، وبعد نفاد الطعام كان يصيدان السمك، "كنا نفرغ أحشاء السمك ثم ننشرها في الشمس لتصبح طعاما لنا في رحلتنا الطويلة". ويحكي أنهما واجها عواصف عاتية، لكنهما استطاعا النجاة بفضل حنكته وخبرته. 

"الأسماك الكبيرة التي كنا نسمع عنها فقد رأيتها مرة واحدة فقط، كانت واحدة تبحر وسط هذا اليم الفسيح، بدت لي أول الأمر كما لو أنها ظهر غواصة صغيرة (...) كانت الصلاة جزءا من طقوسي فريضة يجب المحافظة عليها، لأنها تعطيني شعورا بالاطمئنان أن الله معي وسط هذا العالم الرحب من الماء المالح".

لعربي بابمار 

غويانا الفرنسية بدل الولايات المتحدة

وبعدما بدأ المغامران يفقدان الأمل في الخروج من وسط زرقة المحيط إلى اليابسة، خصوصا وأنهما بدآ يعانيان من نقص في الوزن وصعوبة في الحركة، لأن رحلتهما تجاوزت الثلاثة أشهر، ويحكي العربي أن رفيقه كان "يقف في مقدمة الفلوكة وينظر بعيدا كما لو كان لديه إحساس بأنه سيرى شيئا، فجأة صاح بصوت مرتفع: سي العربي، إني أرى شيئا نعم أرى بعيدا صخورا ربما جزيرة..".

العربي الذي كان فاقدا للأمل في النجاة اعتقد في البداية أن ذلك "مجرد سراب، ربما غمام رمادي داكن في الأفق يشبه غابة. وأن عاصفة قوية قادمة، وعلينا الاستعداد، لكنه صف من الأشجار المتراصة...، ليست شواطىء أمريكا كما نأمل، بل عالم آخر جديد، دولة لم أسمع بها من قبل، عرفت بعد ذلك أنها غويانا الفرنسية".

بعد وصولهما أخبرا بعض البحارة الذين يتحدث بعضهم الفرنسية بصعوبة، أنمهما قدما "من المغرب وقطعنا المحيط وقفوا مشدوهين. ربما أنهم لم يصدقوا ما قلناه ولا يعرفون أين يقع المغرب".

إدارة الميناء لم تصدق حكايتهما أيضا، كما أن رجال الشرطة لم يصدقوهما، إلا بعد معاينة القارب وإجراء بحث للتأكد، وقاموا بعد ذلك بنقلهم إلى المستشفى، "تلقينا رعاية طبية واهتماما كبيرين من الأطباء والممرضين. لم نمكث هناك طويلا عند خروجنا قدمت لنا أوراق إقامة مؤقتة".

وشاع خبر وصولهما، وكان الزورق محط زيارات كثيرة، ويحكي العربي أنه "قيل لنا فيما بعد إنه حمل وعرض في مكان ما". وافترق العربي مع صديقه، الذي ذهب للعمل في البناء، فيما قرر هو العمل في البحر، لكن صديقه سرعان ما قرر العودة إلى المغرب، وانقطعت أخباره.

ويحكي العربي أنه أراد الاتصال بأهله لإخبارهم أنه على قيد الحياة، لكن لم يجد طريقة، والتقى صحافيا كان قد أجرى معه مقابلة، وأخبره، وبحث هذا الصحافي، وحصل على رقم الشرطة في الصويرة، و"أخبرت عميد شرطة وأرسل من يخبر عائلتي. لكن في المرة الثانية طلب مني عدم الاتصال بهذا الرقم".

وحصل بعدها على رقم هاتف مقهى "تحدثت مع أهلي كلهم"، وجمع قدرا من المال بعد قضائه في غويانا حوالي سنة وستة أشهر، وقرر العودة إلى الوطن.

"لم أجد مشكلة في السفر، لأن غويانا تابعة لفرنسا لذلك سافرت بنفس أوراق الهوية التي منحت لي في جزيرة غويانا. تذكرة السفر لم تكن باهظة الثمن، لأن الجزيرة هي مقاطعة فرنسية، ربما التذكرة كانت في حدود تسعمائة درهم مغربية".

العربي بابمار

وتوجه إلى مطار أورلي ومنه إلى المغرب، وفي مطار الدار البيضاء "كان رجال الشرطة بانتظاري بمجرد وصولي والتأكد من هويتي...، تم اقتيادي إلى مكان لا أعرف أين يوجد في الدار البيضاء...، في هذه البناية قضى معي المهاجرون السريون الثلاث الذي كانوا معي على نفس الرحلة ليلة واحدة ثم أطلق سراحهم. أما أنا فقد بقيت أياما أخرى".

وبعد أن أفرج عنه عاد إلى الصويرة، والتقى بأصدقائه وزوجته التي كانت غاضبة منه لأنه تركها دون معيل رفقة أبنائها.

وفي تصريح لموقع يابلاي قال الكاتب المغربي حسن الرموتي، إن العربي يبلغ عمره الآن حوالي 70 سنة، ويعاني من مرض الزهايمر، وحالته الصحية متدهورة، مؤكدا أن أرباح الكتاب تم تفويتها للمغامر المغربي.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال