القائمة

الرأي

كيف يُعاد خطأ تحويل 'البيجيدي' إلى ضحية؟

بدا واضحا الاتجاه نحو جعل الحزب الذي يقود الحكومة المغربية في موقع "الضحية" من جديد، عوض موقع المسؤولية والمحاسبة الذي هو موقع من يتولى إدارة الشأن العام واتخاذ العديد من القرارات والاختيارات.

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

لقد استفاد حزب المصباح بشكل واضح من التحالف الحزبي ضده قبل الانتخابات التشريعية، ومن مشاجراته وتلاسناته مع بعض رجال الدولة من المحيط الملكي ومن حزب الأصالة والمعاصرة بصفة خاصة، ونجح رغم موقفه السلبي من الحراك الشعبي المغربي في أحمد عصيدأن يقطف ثمار التحولات والوقائع الجديدة. وكان منتظرا أن الحزب الاسلامي سيفقد بالتدريج بريقه داخل العمل الحكومي، في ظرف صعب وفي إطار سياسي ودستوري لا يسمح له بممارسة حكم فعلي يمكنه من أن يفيَ بوعوده، إضافة إلى طموحه ـ شأن الأحزاب الإسلامية في دول أخرى ـ إلى الهيمنة على الدولة، وهو طموح مدمّر بسبب ما فيه من تهديد للاستقرار السياسي لهذه البلدان. كان تراجع "البيجيدي" إذن أمرا آتيا لا ريب فيه، لولا حماسة الخصوم وقلة صبرهم واستعجالهم القضاء على حزب المصباح قبل الأوان، مما جعلهم يعيدون ارتكاب الأخطاء السابقة، وهي التحالف ضد الحزب ومهاجمته ووضعه في موقع الحزب "المحكور"، في الوقت الذي يعمل فيه من داخل دواليب الدولة على التمكين لنفسه، من أجل معاكسة الخيار الديمقراطي وتهديد المكاسب الهشة للقوى الحداثية.

خطة البيجيدي واضحة وتشمل مستويين اثنين: في البداية محاولة الحفاظ على أسلوب اللعب على الحبلين بالدفاع عن خيارات السلطة والحكومة مع تكريس خطاب المعارضة القديم في نفس الوقت، واختلاق مناوشات مع وزراء الحكومة من الأحزاب الأخرى الحليفة، أو مع رئيس الحكومة نفسه، وهو الأسلوب الذي ظهر أنه لا ينفع بسبب القرارات اللاشعبية التي بدأت تصدر عن الحكومة والتي لا يمكن التغطية عليها بخطاب المعارضة المسرحية والحديث عن "العفاريت" و"التماسيح" و"الشياطين"، ولهذا انتقل حزب المصباح إلى مستوى ثان هو التحرك في المجتمع لكي يستعيد ما يفقده من نقط في الحكومة، إذ ظهر واضحا كيف أن خسائر الحزب في العمل الحكومي أضحت بالتدريج أكبر من انتصاراته، خاصة بعد تزايد أخطاء بنكيران التي لا تنتهي. وقد احتاج الحزب في ذلك إلى تحريك جناحه الدعوي الذي يلعب دور التعبئة في فترات الانتخابات، كما احتاج إلى شبيبته النشيطة.

تحركات البيجيدي وتجمعاته الجماهيرية لم تكن منتظرة من خصومه خاصة وأن المعتاد هو أن الحزب "الحاكم" لا يجد وقتا لغير العمل الحكومي، وهو ما ظهر بوضوح في تجربة حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي ما أن تولى مسؤولية قيادة تجربة التناوب التوافقي حتى جمّد أنشطته الجماهيرية، وهجر مقراته وأجهزته وخذل أتباعه والعاطفين عليه، وبدا كما لو أن مشروعه كله يتلخص في تولي مناصب حكومية.

هل الردّ الأنسب على تحركات "البيجيدي" من طرف خصومه هو التحالف ضده ومحاصرة أذرعه في المجتمع بالمنع والمصادرة كما حدث في طنجة ؟ أعتقد أن هذا هو الخطأ الذي ينبغي تفاديه في الظرف الراهن.

المطلوب من أحزاب المعارضة اليوم، المتواجدة داخل المؤسسات، حتى تتمكن من القيام بدورها بالشكل المطلوب القيام بالمهام التالية:
ـ استعادة روح المبادرة عوض الارتباط بمراكز السلطة العليا، التي تفضل التحكم في المشهد السياسي من وراء الستار، لكن بشكل أصبح أشبه بلعب أطفال غير مسلّ.


ـ ترميم البيوت الحزبية والبدء في مصالحة داخلية مع القواعد المتبرّمة والمحتقنة، والدفع في اتجاه تقاعد الوجوه غير المرغوب فيها، والتي ما زالت تقتات من بقايا شرعية تاريخية تم استنفاذها منذ زمن، أو من الوهم  المزمن بأنها الوسيط المقبول لدى الجهات العليا.


ـ التحرك الجماهيري والتواصل مع الناس وتنشيط المقرات الحزبية، فعوض اتهام "البيجيدي" بممارسة حملة انتخابية قبل الأوان، القيام بحملات تواصلية من أجل كشف نقط ضعف الحزب الإسلامي وأخطائه وما أكثرها، مع بيان البدائل الممكنة.


ـ تجديد الشبيبات الحزبية وإطلاق ديناميتها، عوض محاصرتها من طرف الشيوخ والقياديين المهادنين والمحبطين، والذين استنفذوا كل طاقاتهم وتحولوا إلى مومياءات سياسية عديمة التأثير.


ـ المصالحة مع النخب الثقافية الحزبية والاستماع إليها بتواضع، والتخلي عن خيار جعل المثقف ذيليا للسياسي، واستعادة الثقة في دينامية الفكر لتجديد الفعل السياسي الآسن.


ـ ضخ دماء جديدة في الصحافة الحزبية المعارضة، وفتحها على النقاش المدني والسياسي الحرّ.


ـ الانفتاح على المجتمع المدني والتحالف مع قواه الحية والديمقراطية التي تناضل من أجل الحرية والمساواة والعدل، ونبذ موقف التعالي وتحقير العمل الجمعوي.


إذا لم تكن الأحزاب السياسية المتواجدة خارج الحكومة قادرة على القيام بهذه الأدوار، وإنجاز هذه الخطوات، حتى نعيش حياة سياسية سليمة وتنافسا حقيقيا، فعلينا أن نسلم بأن سنوات السلطوية قد قضت قضاء مبرما على الروح الحزبية بالمغرب، وأن "البيجيدي" الذي يعمل في إطار ثوابت السلطة وبديهياتها،  لن يكون أفضل من سابقيه في جميع الأحوال، ولو بعد حين، ما يعني في الحقيقة أن لا حاجة إلى التحالف ضده.

منبر

أحمد عصيد
باحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية
أحمد عصيد
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال