القائمة

الرأي

عبد الواحد وشباط.. أحلاهما مر

غدا الأحد سيكون يوما طويلا وعصيبا وخطيرا في حياة حزب الاستقلال. أبو الأحزاب المغربية، الذي اشتعل رأسه شيبا وشاخ في السياسة دون أن يضع آليات ديمقراطية وسكة سلسة تنتقل فوقها القيادة من أمين عام إلى آخر، دون حروب أهلية. ودون فتن داخلية، ودون انقسامات سياسية وعائلية وتنظيمية، غدا «سيختار» زعيمه للأربع سنوات القادمة.

نشر
DR
مدة القراءة: 3'

يكاد يجمع المراقبون على أن المرشحين الرئيسيين «المتقاتلين» اليوم حول الأمانة العامة للحزب لا يصلحان لإدارة المرحلة المقبلة، ولا يتوفران على وصفة علاج لأمراض الجسم الاستقلالي. 

عبد الواحد الفاسي، ورغم أن لاسمه رنين الحنين إلى عائلة الزعيم علال، فإن الزعامة لا تورث، والكاريزما لا تنتقل عبر الجينات من الأب إلى أبنائه، ولهذا يعطي عبد الواحد الانطباع بأنه جاء «ليدخل» بخيط أبيض بين الأجنحة المتصارعة حول «غنيمة» الأمانة العامة، فهو رجل شخصيته السياسية ضعيفة، ومستقبله وراءه لا أمامه، وقد يعيد سيرة عباس الفاسي التي يتمنى الاستقلاليون نسيانها إلى الأبد… فهو بلا برنامج ولا رؤية ولا إرادة لإعادة بناء حزب خربته المصالح الذاتية والعلاقات الزبونية، والتماهي مع «المخزن» فقط للحفاظ للنخبة الاستقلالية على مظاهر الوجاهة والرفاهية، والحضور الدائم في الحكومة ومؤسسات الدولة… 

أما النقابي الشعبوي حميد شباط، فإنه اليوم يعض اليد التي أطعمته، فعباس الفاسي هو من يقف وراء تشجيع شباط على التمدد والانتشار في النقابة والشبيبة واللجنة التنفيذية. استعمل عباس شباط في معاركه الصغيرة والكبيرة لتصفية خصومه و«فوّت» له العمل القذر حتى لا تتسخ يده هو، وهكذا شجعه على «قتل» عبد الرزاق أفيلال وبعده الأندلسي، ثم استحلى اللعبة حتى صار شباط يلعب أدوارا أكبر منه، وساعدته على ذلك عمادة المدينة التاريخية للحزب، فاس، التي وفرت لشباط المال واللوجستيك اللذين تحتاج إليهما «السياسة» في المغرب. 

بعد أن ظهر لشباط أن منصة الأمانة العامة صارت فارغة، كان طموحه في البداية إلى أن يكون أحد الصناع الرئيسيين للأمين العام القادم، ثم تحول الطموح إلى طمع فأصبح يتطلع إلى الأمانة العامة للحزب، ولم لا؟ فهو أقوى من عباس الفاسي، وأذكى من عبد الواحد الفاسي، الذي ابتلع طعم محمد الوفا الذي «كذب عليه»، وقال له «إنني مرشح سيدنا في الحزب»، على عكس شباط الذي رد على «المراكشي»، الذي كان يريد أن يعلب «جوج وضما» في الربع ساعة الأخيرة دون الوصول إلى الأمانة العامة، حيث قال شباط للوفا، والعهدة على أكثر من قيادي استقلالي روى هذه الحادثة لكاتب هذه السطور: «إذا كنت مرشحا لسيدنا، فهو يتوفر على رقم هاتفي، ويستطيع أن يكلمني مباشرة، وإذاك مرحبا بك». لما افتضح أمر «مقلب الوفا»، انسحب هذا الأخير ولم يرجع إلى الحزب الذي هو وزير باسمه في حكومة بنكيران. هل رأيتم كيف انحدرت «السياسة والأخلاق» في حزب كان مرجعا في الوطنية في مغرب الاستقلال… 

أزمة حزب الاستقلال أعمق من «قيادة غير موجودة لإدارة المرحلة».. هذه نتيجة لأسباب كثيرة. أزمة حزب الاستقلال نبتت منذ عقود، وها هي الآن تؤتي أكلها. حزب يتعايش مع «الفساد» بلا مشاكل، ومع «العلاقات الزبونية» بلا حرج، ومع السلطوية بلا طموح ديمقراطي. خطاب القيادة في الرباط يقول شيئا، وممارسات جيش المستشارين الجماعيين والوزراء والنواب تفعل شيئا آخر. الطموح الكبير لقيادات الحزب هو البقاء قرب السلطة، وأخذ قسط من الكعكة، ولكي تنجح هذه الخطة، لا بد من بناء آلة انتخابية قوية تستقطب الجميع، الصالح والطالح، المهم هو أن تكون للمرشح القدرة على انتزاع المقعد بأي ثمن، والعبقرية الاستقلالية والنبوغ هنا هو تغليف هذه التركيبة بخطاب وطني وإيديولوجيا «تعادلية» ومطالب ديمقراطية. هذه الخلطة التي أتت بمرشح العائلة ومرشح «الآلة الانتخابية» ليس عليها خلاف بين المرشحين، وهذا هو ما يخيف، وليس وصول هذا المرشح أو ذاك. 

منبر

توفيق بوعشرين
صحافي
توفيق بوعشرين
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال