القائمة

الرأي

أمولاي محمد، الشعب خاصو العدل!

"ما الناس إلا الماء يحييه جريه"

شاعر سها البال عن اسمه

عام 1964، في عز احتدام الصراع على السلطة بين الحركة الوطنية والقصر، قام شباب مفعم بالحيوية والحماس، ليقول بلسان فصيح وهو يخاطب الملك الراحل من قبة البرلمان: "أمولاي الحسن، المغاربة خاصهوم الخبز"!

نشر
DR
مدة القراءة: 3'

لم يكن هذا البرلماني سوى الاتحادي عبد القادر الصحراوي، الذي سيصبح وزيراً للإعلام، وعلى عهده سوف تشهد الصحافة أسوء مراحلها، خاصة مع سنه لقانون يُلزم بقراءة الصحف في وزارة الداخلية قبل أن تعرف طريقها إلى المطبعة فالنشر، ويقال إنه هو من كان وراء فكرة الرقيب!

اليوم يمكن أن نصرخ بأعلى حناجرنا ونحن نتوجه بالخطاب إلى جلالة الملك محمد السادس: "أمولاي مُحمد، المغاربة خاصهوم العدل!" دون أن نشتهي مصيراً مماثلا لعبد القادر الصحراوي الذي طالب الملك الحسن الثاني بتوفير الخبز للمغاربة، فقد نشترك في نفس الصرخة دون أن نشترك في ذات المصائر.أينما وليت وجهك، تحس أن فقراء البلد يلهجون بالشكوى من الظلم والحرمان، تشم في حكايات مآسيهم رائحة شواء أكبادهم، كلمات ملتهبة مثل الجمر تخرج من فمهم مملوءة بالسخط والتذمر سوداء مثل الفحم ليس من شدة الحرمان فقط، بل من الإحساس العميق بالحيف، الغبن واللا عدالة، "فالفقر، كما يقول محمد عابد الجابري، ليس واحداً، بل هو أنواع: هناك الافتقار إلى الضروري من المعاش، وهناك الفقر الذي يُحس به الفرد على مستوى المنزلة والمكانة حين يرى أن هناك من هم أقل منه يصعدون السلم، بينما هو مكبل في وضعية لا يغادرها، بعبارة أخرى الفقر هو دائما نتيجة لظلم" (مواقف العدد 42).

لذلك نصرخ بملء حناجرنا: "أمولاي محمد، الشعب خاصو العدل".

ركبت سيارة أجرة، كانت المسافة كافية لكي ينبري السائق للحديث إلي بدون سابق إنذار، شاب حاصل على الإجازة، امتثل لإكراهات صهد الواقع وضرورات الحياة عكس اتجاه أحلامه، واشتغل كسائق طاكسي صغير، ظل يسب ويلعن، وفجأة أخذ يداري الدموع التي تلألأت في مآقي عينيه، فسألته دون فضول، لكثرة ما أصبح المغاربة يشتكون، وبسبب ما يلجأ إليه البعض من اختلاق حكايات مأساوية لتُشفق على حالهم وتكون سخيا معهم:

- آودي ياك لاباس؟!

فعرفت أن الرجل تعرض لكريساج من طرف لصين سلباه كل ما حصل عليه طيلة الصباح، وأنه الآن سيجري ما تبقى من الوقت فقط لتوفير "الروسيطة" لصاحب الطاكسي، وتمنى الموت من قلبه على الأقل ليرتاح، ولما أردت أن أهون عليه بأن المصيبة إذا عمَّت هانت وأنه لا زال شاباً، يجب ألا يفقد الأمل، والدنيا أحوال، فيها سواد وبياض... أخذ يسرد علي ما ألمسه يوميا من المقهورين والمحرومين، بأن أبناءه على عتبة الدخول المدرسي وليس معه فرنك لواجبات شراء اللوازم المدرسية.

بالمعاريف، في ملتقى شارعي بئر انزران وإبراهيم الروداني حيث اعتدت تناول الإسفنج كل سبت عند الزيتوني، أقرأ الدفتر المفتوح لشكايات البسطاء مرفوقاً بالآهات الحزينة أو بصراخ اللعنات والسباب... كلها تختزل الإحساس بالغبن والمذلة، الظلم والحرمان.. الذي يحسه هؤلاء المواطنون في احتكاكهم بمحكمة أو إدارة، وما يعانونه يوميا في تفاصيل حياتهم في الشارع، العمل، الحي... ولأن الفقر يكاد يكون كفراً، فإن الظلم أشد أنواع الفقر والقهر والإذلال، لأن تفاقمه يؤدي إلى حقد أعمى وعاصف تجاه المجتمع، والحقد الاجتماعي يولد الغضب الذي لا توجد في ساعته أي عقارب.. الظلم يُفني الأمل، ومن لا أمل لهم يصبحون قنابل موقوتة تجاه ذاتهم ومحيطهم، و"أولى الحريات هي أن يتحرر الإنسان من الفقر الذي يستعبد فكره وإحساسه وإرادته، ومن الظلم الذي يشوش على البصر والبصيرة، ويجمد العقل ويطلق عقال اللاعقل".

فأمولاي محمد.. راه المغاربة خاصهوم العدل!

منبر

كوكاس عبد العزيز
رئيس تحرير أسبوعية المشعل المغربية
كوكاس عبد العزيز ...
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال