القائمة

الرأي

مسؤولية ثقيلة

بعيدا عن الانتشاء بالنتيجة الإيجابية التي حققها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الجزئية الأخيرة في كل من طنجة ومراكش، وبعيدا عن تحليل أسباب الفوز وأسباب هزيمة باقي الخصوم، وبعيدا عن الدلالات الكثيرة التي يحملها هذا الفوز، فإن الخلاصة الأساسية أن الحفاظ على منسوب الثقة الموجود لدى شريحة هامة من الشعب في حق حكومة يقودها حزب العدالة والتنمية يلقي مسؤوليات ثقيلة على عاتق القائمين على هذه التجربة ويكبل أعناقهم بالتزامات جديدة...

نشر
DR
مدة القراءة: 3'

الشعب الذي يساند اليوم هذه التجربة ويمنحها ثقته، يدرك بوعيه الفطري أن نجاح هذه التجربة مرتبط بدعمه المتواصل لقوى الإصلاح واحتضانه اللامنقطع لمشاريعها ولمبادراتها الإصلاحية، مادامت متمسكة بمبادئها ومصرة على نهجها الإصلاحي مهما تعددت الصعوبات والعوائق..

الدلالة الكبرى لهذه المساندة الشعبية، والتي تحتاج إلى المزيد من النضال حتى تترسخ في وعي الجميع، هي أن الشعب هو مصدر شرعية الدولة، بل هو مصدر الشرعية الوحيد، وهو صاحب السلطة الفعلي يفوضها لمن يثق فيه ليدبر أمور اجتماعه السياسي والمدني..

المواطنون والمواطنات هم من يملكون الدولة وليست الدولة هي التي تملكهم، ولذلك فهم يستحقون الاستفادة من حقوقهم المشروعة، يسحقون الاستفادة من ثروات بلادهم، يستحقون توزيعا عادلا لما تجود به السماء والأرض على هذه البلاد من خيرات..

وهذه الحقوق تترسخ بواسطة مؤسسة تشريعية منتخبة تحظى بثقة الشعب وهي التي تسهر على مراقبة الحكومة ومتابعة تنفيذها لالتزاماتها وتسمع صوت الشعب داخل مختلف المؤسسات المعنية بصناعة القرار..

ثقة الشعب في أي حزب ليست توقيعا لشيك على بياض....ثقة الشعب هي تكليف وليست تشريفا فقط..ثقة الشعب هي مسؤولية ثقيلة ينبغي إدراك خطورتها ودلالاتها العميقة في وقت يحتاج فيها المواطن إلى جرعات جديدة من الأمل ليتصالح مع السياسة.. والشعب ليس مضمونا لأحد

مسؤولية حزب العدالة والتنمية في هذه المرحلة التأسيسية باعتباره حزبا يقود الأغلبية مسؤولية تاريخية تفرض عليه تقدير هذه الثقة والوفاء بمقتضياتها والاستمرار في نهج ممارسة سياسية مختلفة عما عاشه المغاربة في السابق..

مسؤولية الأغلبية الحكومية مسؤولية تاريخية أيضا، في تسريع وثيرة الإصلاحات المرجوة واتخاذ القرارات اليومية الضرورية التي تجعل المواطن يشعر بالتغيير ويلمسه على الأرض..

ليس المطلوب تحقيق إنجازات خيالية ليس بمقدور أي كان تحقيقها في بضعة أشهر، ولكن المطلوب هو وضع المغرب على سكة إصلاحات عميقة تؤتي أكلها ولو بعد حين..

المطلوب أيضا، قدرا أكبر من التواصل مع المواطن وتحسيسه بجميع الصعوبات والتعقيدات التي تحيط بشؤون الحكم، سواء كانت صعوبات ذات طبيعة سياسية أومؤسساتية، أوصعوبات موضوعية مرتبطة بالظرفية الاقتصادية الصعبة التي تمر منها البلاد..

طبعا ليس مقبولا اللجوء إلى الخطاب التبريري لتفسير بعض القرارات التي قد تكون خاطئة، المطلوب مصارحة المواطنين بالحقائق كما هي، حتى ولو كانت صادمة، لأنهم هم مصدر الشرعية ومصدر السلطة ومن حق الأغلبية عليهم تزويدهم بالمعطيات والمعلومات الضرورية..

طبعا، الديموقراطية ليست هي حكم الأغلبية، ولكنها هي حكم الشعب، وهذا معناه أن الأقلية لا تتمتع بحق المعارضة فقط، ولكن ينبغي أن تكون شريكة في صياغة معالم هذه المرحلة التأسيسية في أفق بناء الدولة الديموقراطية المدنية الحديثة..

كيف ذلك؟ ذلك ما سنتابعه في حلقة قادمة..

منبر

عبد العالي حامي الدين
أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال