القائمة

أخبار

المغرب : ثلاثون حالة إجهاض كل ساعة

نحو 30 امرأة تجهض كل ساعة في المغرب. إحصائيات مرتفعة ولكنها غير رسمية وتظل بعيدة عن الواقع المعاش الذي يشهد نموا كبيرا في سوق الإجهاض. سوق يمتهنها بسهولة وحرية مشعوذون، أطباء، قابلات وآخرون... ثلاثة أيام بالمغرب لعبت خلالها دور فتاة تريد التخلص من حملها بأي ثمن، لتجد جميع الأبواب مفتوحة أمامها في بلد لا يريد تشريع الإجهاض بحجة مكافحة "الرذيلة"سوق العرافات أو "الجميعة" بدرب السلطان، أول عنوان نصحت به في المغرب حين بدأت أسأل عمن يساعدني على الإجهاض.

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

سوق مقام في مكان بعيد عن المارة بقلب الدار البيضاء، أكبر المدن المغربية وأكثرها عنفا، على بعد 5 دقائق فقط من أحد أجمل القصور الملكية ومن مركز الأمن الإقليمي كذلك... سوق كل الممنوعات. نحو 20 عطارا ذاع صيتهم داخل المغرب وخارجه، يتقاسمون يوميا مئات الزبائن معظمهم من النساء.

دخلت متجر بائع في الخمسين من العمر، الثعالب والثعابين المحنطة تضج بمدخله، قلت له، جئت من بعيد أبحث عن أعشاب لإسقاط حملي الذي دخل أسبوعه السابع، بعد دقائق قليلة حضر لي خليطا من الأعشاب لم يرض أن يكشف عن جميع مكوناتها مقابل 200 درهم (نحو 20 يورو) مع بعض التردد في تأكيد النتيجة بسبب حملي المتقدم نوعا ما.

تركت بائع الثعابين، وقصدت "فقيها"، سمعته انتشرت في سوق الإجهاض والشعوذة، ولأنه لمح على وجهي نوعا من التوتر وأنا أردد أمامه مأساتي مع هذا الحمل غير المرغوب فيه، أدخلني في حالة من الترهيب وتأنيب الضمير بدكانه الخلفي حيث التقيت بسيدة في العشرين من عمرها جاءت هي الأخرى لتقضي حاجتها بالبحث عن "شداق الجمل" (القليل منه يصيب الإنسان بالجنون، وغرام واحد يقتله نهائيا). 

حاولت التركيز على وجه البائع وتفادي النظر إلى السقف حيث علقت رؤوس حيوانات وزواحف تثير الاشمئزاز. خاطبي البائع قائلا "عليك الإسراع في إسقاط الجنين، فبعد أيام سيصبح الأمر مستحيلا بواسطة الأعشاب، لذلك عليك الاختيار بين وصفتي التي تكلف 2000 درهم (200 يورو) أو العملية عند الطبيب مقابل الضعف 4000 درهم".

وصفته السحرية كما يقول تجهض المرأة في يومين حتى ولو كان حملها متقدما، خليط يحتوي على بعض الأعشاب الضارة تدخل في رحم المرأة لتقتل الجنين بسمها خلال 24 ساعة.

تركت عالم الأعشاب والشعوذة، لأجرب حظي الآن مع الصيدلي، فظاهرة الإجهاض عبر تناول الأدوية توسع انتشارها في الآونة الأخيرة، رغم أن السلطات منعت منذ سنوات بيع الحقن المجهضة.

تفاجأت بأن الكثير من الأدوية الأخرى ذات المفعول القوي المخصصة للالتهابات الحادة والأمراض المزمنة تباع في الصيدليات من دون وصفات طبية.

ويبقى الدواء الأكثر استعمالا هو "إيتوتيك" المضاد للالتهابات، دواء في متناول الجميع في الصيدليات رغم علم السلطات الصحية بأنه يستعمل لغير أغراضه.

حل ثالث أمامي وهو إيجاد امرأة عجوز أو كما يطلق عليها هنا في المغرب "قابلة" لتساعدني على الإجهاض في البيت، فوسائل الإعلام كتبت كثيرا عن دورهن في عمليات الإجهاض خاصة في القرى والمدن النائية.

بعد عناء كبير، اهتديت إلى سيدة طاعنة في السن تقطن في ضواحي الدار البيضاء، أجلت موعدنا عدة مرات وألغته في النهاية ربما توخيا للحذر فموضوع الإجهاض في هذه الفترة على كل لسان وعلى كل القنوات المغربية.

لكن ممرضة توليد لا تزال تزاول عملها في قسم الولادات بمستشفى المحمدية أكدت لي الدور الكبير الذي تقوم به هؤلاء القابلات بالمغرب، فإن للبعض منهن طرقا "حكيمة" في الإجهاض اكتسبنها بفعل التجربة، أخريات كثيرات يلجأن إلى إدخال إبرة لغزل الصوف أو أغصان خشنة من البقدونس في الرحم لتقطيع الكيس المائي الذي يحمي الجنين، وإسقاطه بعد دقائق قليلة.

آخر حل بقي أمامي هو الأطباء، فعددهم ارتفع في السنوات الأخيرة وسوق الإجهاض صارت تدر على الكثير منهم المال الوفير شهريا، حتى أن بعضهم صار يخصص لها نصف ساعات عمله، وذهب البعض الآخر للتخصص في هذا المجال، رغم مواجهتهم لاحتمال السجن وعدم ممارسة مهنة الطب طوال الحياة.

وللوصول إلى هذا الطبيب الذي يرضى "المخاطرة" بمستقبله لإجراء عملية إجهاض لي خاصة في الوقت الحالي حيث خبر الباخرة الهولندية على كل لسان، استعنت ببعض معارفي الذين دلوني على طبيب يقوم بالعملية مقابل 3000 درهم.

المشكل الوحيد هو أن مساعدته هي "سيدة المكان" كما هو الأمر في جميع العيادات الخاصة في المغرب، فالظفر بموعد مع الطبيب يتطلب أولا المرور بمساعدته وكسب رضاها ببعض الأوراق النقدية، مكالمة من هاتف عام لمرافقتي أخبرتها بأنني أريد الإجهاض وأنها تعرف الطبيب، جعلتها تفتح لي الباب من دون أي مشكل، بعض الأسئلة عن حياتي الخاصة، من عذريتي إلى هوية الرجل الذي جعلني حاملا، وبعد دقائق قليلة من المجاملة، أعطتني موعدا مع الطبيب في الساعة نفسها لإجراء فحص أشعة على البطن ليعرف مدى تقدم حملي ويحدد لي بذلك كلفة العملية التي تتراوح بين 2000 درهم و 15 ألف في حال كان الحمل متقدما.

وأنا أدردش مع الممرضة، دخل الطبيب (رجل وسيم في الأربعين من عمره) ودخلت خلفه فتاة محجبة، جاءت بدورها لتجهض جنينها.

ومن دون فتح أي ملف طبي لي في العيادة، ولا حتى التعرف على أوضاعي وسوابقي الصحية للعودة إليها في حال تعقدت الأمور خلال العملية التي تتطلب تخديرا كاملا، أخذت موعدا لإجراء العملية في اليوم التالي بالعيادة نفسها.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال