القائمة

الرأي

قلعة عصية على الإصلاح

وحدها بقيت، طيلة 13 سنة من جلوس الملك محمد السادس فوق العرش، خارج مشاريع الإصلاح وإعادة الهيكلة وتجديد النخب. إنها المؤسسة التي توصف بكونها قلعة مغلقة وجهازا صامتا. إنها المؤسسة العسكرية التي يديرها جنرالات الملك الراحل الحسن الثاني منذ عقود طويلة... جل هؤلاء تجاوز العقد السابع، وأغلبهم ينتمي إلى مدرسة قديمة جدا، وضع أسسها الملك الراحل مباشرة لما انتهى من تنظيف مسرح انقلابين فاشلين (71-72). مدرسة تضع مؤسسة الجيش في مكان صغير داخل القصر، بعيدة عن السياسة وعن رقابة البرلمان وعن مجهر وزارة المالية وعن عيون الرأي العام... مؤسسة أصبحت هموم بعض قادتها تجارية وفلاحية واستثمارية. 

نشر
DR
مدة القراءة: 3'

لا وزير للدفاع. لا مناقشة لاستراتيجية الجيش. لا معلومات حول صفقات التسلح. لا حوار حول العقيدة العسكرية لحاملي السلاح. لا معلومات حول إدارة أكثر من ربع مليون شخص على رؤوسهم قبعات العسكر... كل ما يعرفه المغاربة والأحزاب والحكومات والبرلمان هو رقم ميزانية الجيش التي لا تُناقش في البرلمان، وأخبار استقبال عبد العزيز بناني للوفود الأجنبية. غير هذا لا شيء. 

بين الفينة والأخرى تنفجر ألغام صغيرة وسط قلاع الجيش الحصينة. ضابط يتحدث عن الرشوة، فيدخل السجن. عسكريان في وجدة يرفضان إغلاق فميهما فينتهي الأمر بهما في زنزانة باردة. طبيبان لم يتلقيا جوابا عن طلب التقاعد النسبي يُرمى بهما في سجن الزاكي مع معتقلي الرأي العام... أما المحاكمات التي تجريها المحكمة العسكرية فلا يعلم مقدار العدل والإنصاف فيها إلا الذي اكتوى بأحكامها... 

نحن بلاد لها نزاع طويل ومعقد مع جارتنا الجزائر في الصحراء وخارج الصحراء، ونحن بلاد لها نزاع تاريخي مع إسبانيا التي مازالت تحتل جزءا من الأراضي والثغور المغربية، ونحن بلاد في مفترق طرق تعبر منها المخدرات والمافيا ومجاهدو القاعدة وقوافل المهاجرين الأفارقة نحو «الجنة الأوربية»، كل هذه المخاطر الجديدة والقديمة تفرض على البلاد أن تتوفر على مؤسسة عسكرية قوية وحديثة وفعالة... 

من حسن الصدف أن صورة الجيش تحسنت كثيرا في العشرين سنة الماضية لدى عموم الشعب، حيث لم يتدخل الجيش للتصدي للمظاهرات منذ 1991 في أحداث فاس، بعدها صار الأمن هو المكلف بهذه المهام «غير النظيفة»، وهذا منطلق إيجابي لإعادة بناء صورة جديدة للجيش الملكي المغربي. لكن هذا يفترض أولا أن نفتح قلاع هذه المؤسسة لرياح الإصلاح، وتجديد النخب، وإعادة النظر في «البيروقراطية» الهرمة التي تحكم المؤسسة منذ عقود... 


إن صورة الجنود الأبطال، الذين اعتقلوا لسنوات طويلة في سجون وحفر البوليساريو والجزائر، وهم يواصلون الإضراب أمام البرلمان لعدة أشهر من أجل تحصيل حقوقهم.. إن صورة مثل هذه تؤثر في معنويات العسكريين والمدنيين على السواء، ولا يعقل أن تستمر «هذه الدراما» المؤلمة إلى اليوم، هل الحكومة عاجزة إلى درجة عدم القدرة على توفير بعض المليارات لشراء دم وجهها أمام جنود حولهم الظلم والفقر إلى أبطال بلا مجد. المؤسسة العسكرية بحاجة إلى وزير دفاع يفهم في شؤون الجيش، ويستمع إلى شكواه، ويدافع عن صورته في الداخل والخارج... 


إن إطلالة على طرق إدارة جيوش العالم اليوم تعطي الكثير من الأفكار حول الوظائف الجديدة لحاملي السلاح في معركة «الأمن القومي» التي لم تعد المعارك التقليدية سوى جزء صغير منها. إن وسط جيش المغرب شبابا وكهولا راكموا تجارب هامة، ويتوفرون على تكوين عال، لكن، للأسف، جلهم تعطلت طاقاته بسبب توقف دوران النخب العسكرية وسط مؤسساتهم... 

منبر

توفيق بوعشرين
صحافي
توفيق بوعشرين
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال