القائمة

الرأي

عبد الإله بنكيران ، ما له و ... ما عليه !!

على غرار مجموعة من الدول العربية ، شهد المغرب  حراكا شعبيا غير مسبوق ، إذ تدفقت الشوارع و مدن المملكة منذ 20  فبراير من 2011 ، بمسيرات شعبية هادرة ، طالبت بإسقاط كل مظاهر الفساد و الاستبداد ، و السعي نحو إيقاف الانتظارية المميتة المنذرة ب " الانفجار العظيم " ، و الإصرار على طي صفحات التعامل الكارثي مع قضايا الأمة المصيرية ، و الدعوة إلى إقامة نسق سياسي عصري قائم على المواطنة و احترام حقوق الإنسان

نشر
DR
مدة القراءة: 5'

و لئن كانت بعض "الأنظمة" العربية قد فشلت في فهم أسئلة الشعوب الثائرة ، و لجأت إلى وسائلها المعتادة و السهلة : القمع و إراقة الدماء و التصدي للمواطنين العزل بأفتك الأسلحة الموجعة ، فإن أصحاب القرار المغاربة أدركوا أن الأمر جد " و ما هو بالهزل " ، فجنحوا إلى إعداد مغرب ما بعد 20 فبراير ، عبر خطوات استراتيجية ملموسة أقلها ؛ خطاب العاهل المغربي محمد السادس (9مارس) والانتخابات البرلمانية وتشكيل الحكومة  .. و يمكن القول إن المملكة المغربية لم تعرف منذ حصولها على الاستقلال هكذا استحقاقات تشريعية سليمة عموما ، لقد أضحى تزوير الإرادة الشعبية جزء لا يتجزأ من الأنظومة السياسية المغربية ، كما اننا لم نتعود على حكومة شعبية جاءت نتيجة تصويت المواطنين ، أجمع الكل على صدقيته ، و رئيس حكومة " ناطق " ، يختلف اختلافا شبه كلي عن الوزراء الاولين الغارقين في صمت القبور ! و في نفس المضمار لم تشهد حكومة مغربية على الإطلاق هذا الاهتمام المنقطع النظير كما شهدته الحكومة الائتلافية الحالية ، التي يتزعمها الحزب الإسلامي المعتدل " العدالة و التنمية "  بقيادة السيد عبد الإله بنكيران  . فما هي " الحصيلة " السياسية التي قد تكون من نصيب هذه الحكومة بعد مرور سنة من تشكيلها ؟ و ما هي الإنجازات الجزئية التي من المفترض أن تناسب هذه المرحلة الزمنية المحدودة ، و إلى أي مدى كان فريق الحكومة متناغما ومقتضيات برنامجه الانتخابي و روح الدستور الجديد و البرنامج الحكومي المصادق عليه ؟ ..

 فإذا وضعنا جانبا المقالات " الصحفية " المتحاملة و المندفعة و غير المسؤولة ، و اقتصرنا على المساهمات الموضوعية و الجادة  المنطلقة من المعايير الموضوعية و الحياد الإيجابي ، سنستنتج أن حكومة عبد الإله بنكيران جاءت  بقيم مضافة لا ينكرها إلا جاحد أو عدمي ، منها أنه لأول مرة في التاريخ السياسي المغربي المعاصر نجد حكومة  مسؤولة بنص الدستور و تشتغل على تنفيذ برنامجها الخاص ، و ليس برنامجا موحى به إليها " من وراء حجاب " . و لأول مرة تطرح في الساحة السياسية العمومية قضايا كانت شبه محرمة أو تنتمي إلى دائرة " اللامفكر فيه " ، من قبيل استهداف جزئي  لبنية الريع السياسي و الاقتصادي و الإعلامي .. عبر نشر لوائح " المستفيدين " من رخص  الصيد في أعالي البحار و النقل و مقالع الرمال و الصناديق السوداء و ميزانية القصر.. مثل هكذا مواضيع لم تكن تخطر ببال " الحكومات " السابقة ؛ المكونة من الأحزاب " الوطنية الديمقراطية العتيدة  " ! كما أننا نسجل بإيجابية الرغبة الملوسة لدى الحكومة في عقلنة المنظومة التربوية عموما ، نشير هنا إلى المذكرة الوزارية التي تمنع أساتذة التعليم العمومي من العمل بالمؤسسات الخاصة إلا ضمن ما يسمح به القانون ، و مذكرة منع اطباء القطاع العام من العمل في المستشفيات الخاصة ، و المنشور الرسمي القاضي بتخليق مرفق الإدارة العمومية ، و وضع حد لظاهرة التغيبات غير المشروعة للموظفين ، و الاقتطاع من أجور الموظفين المضربين عن العمل ، خاصة و أن بعض الإضرابات " النضالية " أضحت عطلا طويلة الأمد و على قدر كبير من التسيب و الرعونة  على حساب " القوات الشعبية " ! و فرض الضريبة على أجور ما فوق 25 ألف درهم .. و أخيرا و ليس آخرا عودة الروح إلى الفعل السياسي و المناقشة الشعبية العامة لقضايا المجتمع ، و انفتاح الرأي العام و لو بشكل نسبي على المنجز السياسي الوطني ، بقدر ملحوظ من الجرأة غير المعهودة ؛ لقد جرت مياه قوية تحت جسر الصمت فانكسر جداره !

و إذا كنا نعتبر ما تمت الإشارة إليه إنجازات الحكومة الحالية ، إلا أننا نقر في الآن عينه أن طريق إسقاط الفساد و الاستبداد ما زال طويلا و محفوفا بالأشواك و الأسلاك الكهربائية ، و أن المواطنين المغاربة لا يستشعرون تغييرا جوهريا يمس حياتهم المعيشية و اليومية . ندرك صعوبة الأوضاع المالية الدولية التي أثرت بشكل عميق على الوضع الاقتصادي المغربي ،  و ندرك مدى خطورة جيوب المقاومة  و مسلكيات التماسيح و العفاريت الذين يسعون سعيا إلى إسقاط الحكومة مهما كلف ذلك من ثمن بهيض ، للحفاظ على مصالحهم الانتهازية و الفئوية الضيقة و ليذهب الوطن إلى الجحيم ! و مع ذلك لا بد مما ليس منه بد ، لا بد من إعادة النظر في الزيادة في المحروقات التي تعاني منها الفئات الاجتماعية المحرومة ، و تنفيذ ما يعرف بمحضر 20 يوليوز ، احتراما للمواثيق الاجتماعية غير القابلة للإهمال أو التأجيل ، و التوقف النهائي عن قمع الحريات النقابية و الاحتجاجات المطلبية مادامت تمر في أجواء سلمية و بعيدا عن الإضرار بالممتلكات العامة ، و فتح أبواب وسائل الإعلام السمعية – البصرية لكل المواطنين باختلاف انتماءاتهم السياسية و نزعاتهم الأيديولوجية ، للتعبير عن مواقفهم و مطالبهم و تطلعاتهم دون إقصاء أو استثناء ما داموا يؤمنون بالديمقراطية وسيلة لتدبير الاختلاف و القبول بالتعددية ، ويحترمون القيم الدينية و مبادئ حقوق الإنسان و القوانين المتعارف عليها دوليا ، و العكوف على إصلاح أخطر ركن من أركان الدولة و نقصد الإدارة العمومية ؛ التي تشكو من التعفن و التكلس و الجمود ، و الإسراع في إصلاح منظومة القضاء ،  و عدم الاقتصار على  الاستقواء على الفئات الشعبية المغلوبة على أمرها ، فلا إصلاح و لا تغيير بحصر المعنى ما لم يشملا الفئات  المحظوظة و المحرومة و المتوسطة على حد سواء . و في هذا السياق تحسن الإشارة إلى أولوية إصلاح صندوق المقاصة بما يعود بالنفع على جميع المواطنين لانتعاش دورة الاقتصاد الوطني ، و خلق فرص الشغل ، و مضاعفة العمل في سبيل استجلاب رؤوس الاموال  و الاستثمارات الأجنبية و وضع حد لتهريب الاموال خارج الوطن ، و عدم الانجرار نحو خوض معارك وهمية  عديمة الجدوى ،  و الحقيقة التي لا مراء فيها أنه لا يمكن تحقيق أي إقلاع تنموي أو حضاري فاعل من دون تلبية نداءات الشعب المغربي بالحرية و العدالة و الكرامة و الديمقراطية بالمعنى الكوني . و نحن إذ نعرض وجهة نظرنا الصريحة و المتواضعة حول تجربة  ديمقراطية وطنية راهنة، فلأننا نعتز بها و نريد لها السداد و حسن المآب ، و في هذا المنحى  يقول الشاعر العربي  علي بن الجهم :

و من  ذا الذي  ترضى سجاياه  كلها                     كفى المرء  نبلا  أن  تعد  معايبه  !

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال