القائمة

الرأي

بنموسى يضع أصبعه في عش العقارب

وضع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أصبعه في عش الأفاعي والعقارب. إنه اقتصاد الريع في الصحراء، الذي كان، على مدار 40 سنة، موضوعا مسكوتا عنه. الدولة تحول من خزينة البلاد المليارات من الدراهم كل سنة، ولا أحد يسأل إلى أين تذهب وكيف تصرف، وما هي نتائجها على القضية رقم واحد للمغرب.. الوحدة الوطنية. رمال الصحراء تشكل 59% من مجموع التراب الوطني، وتعداد سكان الصحراء اليوم يقل عن مليون نسمة (946000 نسمة)، أي حوالي 3% من مجموع سكان المغرب. 

نشر
DR
مدة القراءة: 3'

أول أمس قدم شكيب بنموسى تصور المجلس الأولي إلى الملك محمد السادس حول تقييم 38 سنة من إدارة الدولة لملف الصحراء اقتصاديا واجتماعيا، أما سياسيا، فلا أحد، إلى الآن، يملك الجرأة في الحكومة للقيام بالأمر. 

أرقام مخيفة ومفزعة كشف عنها بنموسى أول أمس، تظهر إلى أي حد «ضحى» المغاربة دافعو الضرائب من أجل استرجاع جزء من أرضهم، لكن النتيجة تكاد تكون صفرا على الشمال... 

6.5% من سكان الصحراء فقراء، فيما المعدل الوطني في باقي أراضي المغرب هو 10%. مؤشرات التنمية البشرية تصل في الصحراء إلى 0.729%، في حين أنها في باقي المناطق الشمالية لا تتعدى 0.672%. %84 من المنازل في الصحراء مربوطة بشبكة الكهرباء، في حين أن المعدل الوطني لا يتعدى 70%. 69% من المنازل يصل إليها الماء الصالح للشرب رغم ظروف الصحراء القاهرة، في حين أن 55% فقط من الأسر في باقي مناطق المغرب تفتح صنبور الماء في بيوتها. 

الدولة تخصص لـ3% من سكان الصحراء 4.6 ملايير درهم من المساعدات، أي أن كل قاطن في الصحراء يحصل سنويا على أكثر من 4600 درهم كمساعدة على شكل مواد غذائية، وإعفاءات ضريبية، وأجرة مضاعفة... المنطقة معفية من الضريبة على الشركات IS، ومن الضريبة على القيمة المضافة TVA، ومن باقي الرسوم المالية. مقابل كل هذه التضحيات التي كانت على حساب مناطق أخرى في المغرب، كيف كانت النتيجة؟ 

مع كل هذه «الامتيازات الاقتصادية»، فإن معدل البطالة في صفوف الشباب يصل إلى 29%، من جهة لأن نظام المساعدات خلق «عقلية اتكالية»، ومن جهة أخرى لأن أعيان الصحراء، الذين اغتنوا من وراء كرم الدولة، حولوا ثرواتهم وملياراتهم إلى استثمارات ومضاربات خارج الصحراء، إما في البيضاء أو أكادير أو مراكش أو طنجة أو في إسبانيا وجزر لاس بالماس... لماذا؟ لأنهم، للأسف، لا يثقون في المستقبل وفي الدولة التي رعتهم حتى أصبحوا قططا سمانا. 

هذا هو نصف الكأس الملآن، أما النصف الفارغ فهو أن تنمية المنطقة أعطيت لوزارة الداخلية بدون حسيب ولا رقيب، ودون إشراك أحد من سكان الصحراء، ولا من الحكومات المتعاقبة، تحت ضغط المقاربة الأمنية في الظاهر، وبسبب أطماع أصحاب المصالح الكبيرة في الباطن. ضاعت مليارات من الدولارات في جيوب «أمراء الحرب والسلم» من أعيان الصحراء وكبار موظفي الدولة... والنتيجة أن شباب الصحراء، وأمام الفراغ السياسي الموجود في الأقاليم الجنوبية، وأمام غياب مؤسسات الوساطة، وإحساسه بالغبن، أصبح يفجر غضبه عن طريق اعتناق أطروحة الانفصال! 

سيكتشف بنموسى وخبراؤه عجائب وغرائب عندما سيفتحون صندوق المليارات التي صرفت في الصحراء بدون عائد تقريبا، إنه الوجه الآخر لفشل السياسات المتبعة من قبل الدولة في تدبير ملف الصحراء، الذي تحول إلى جرح نازف سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا. 

منبر

توفيق بوعشرين
صحافي
توفيق بوعشرين
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال