القائمة

الرأي

أصوليو المغرب وفتات "الربيع الديمقراطي"

أثر ما يسمى ب"الربيع الديمقراطي" الذي عرفته المنطقة العربية والمغاربية، بصعود التيارات الاسلامية، ليعش هذا الاخير عصره الذهبي مقارنة مع المراحل السابقة، لما بعد استقلال هاته الدول والصراع حول بناء شكل نموذج الدولة الوطنية، مما يعكس أن هذا التيار كان يعيش مرحلة الانحطاط، الشيء الذي يفرض سؤال: كيف أصبح الاسلاميون يروجون "لنموذج مثال" حسب "ماكس فيبر" للمجتمع والدولة المثاليين ويلقى تجاوبا؟

نشر
DR
مدة القراءة: 6'

لقد تم تحليل الاسلاميين، من قبل باحثين ومراكز البحث العلمي من عدة زوايا: سياسية واجتماعية واقتصادية، مما جعل التحليل سوسيولوجي يطغى على هذه الانتاجات المعرفية، ولكن كانت بعيدة عن دراسة المخيال والتمثلات الذهنية للبيئة (سواء سياسية أو اجتماعية)، التي يعيش فيها هذا "الصوت القادم من الجنوب" كما سماهم "فرانسوا بورغا" وللأثر الملموس الذي قد تولده هذه البيئة في تبوأ الاسلاميين المقاعد الامامية في المشهد السياسي.

في التجربة المغربية أدت التحولات الاجتماعية التي عرفها، سواء في بنية "الاسرة" التي تحولت من أسرة أبوية (باطريكية) الى نموذج أسرة منفتح غير محددة المعالم، والطفرة الديمغرافية وصعود أجيال جديدة حاملة لمطالب واحتياجات راهنة، وولوج المرأة لسوق الشغل، بالاضافة الى التقسيم الاداري سنة 1976 الذي فكك النبيات والانتماءات التقليدية لصالح المقاربات الامنية والانتخابية،(أدت) إلى بروز ممارسات اسلامية حسية بعيدة عن الممارسة السياسية، باعتبار أن السلطة الاجتماعية ( الاسرة ، المجتمع، القوانين، الفقهاء...) لم تعد قادرة على تأطير المجال الديني وفرض الامتثال لسلوكات وممارسات دينية معينة، فأضحى الانتماء الديني والعقائدي للمجتمع مجرد "ظاهر خارجية".

فالمغاربة جلهم ينتمون إلى الاسلام ولكن كهوية وطنية وليس كظاهرة إيمانية، تترجمها عدد الوافدين على الحانات واللجوء الى القروض البنكية واللباس والانتماء للمجتمع المدني والحركات الحقوقية التي تطالب بأولوية المرجعية الدولية على الخصوصية الداخلية.

في مقابل ذلك داخل المتجمع السياسي، صعدت التيارات التي ترى في الاسلام أيديولجيا سياسية وتؤمن بأن أسلمة المجتمع تمر بالضرورة ببناء الدولة الإسلامية وليس بمجرد تطبيق الشريعة الاسلامية.

الدولة أيضا قبلت بحد أدني من الاعتراف بهذه التيارات الاسلامية لما تؤديه من دور فاعل في هيكلة المسرح السياسي، فهي بالاضافة الى تعبأة الفئات الاجتماعي العازفة عن السياسة، تقدم بعض الأجوبة السياسية في "ميزان توازن القوى"، كما أنها تقوم بتسيس الطبقة المتوسطة.

هذا "الادماج" الذي عرفه "حزب العدالة والتنمية" و"الاقصاء" لجماعة العدل والاحسان، جعل الدولة في المرحلة الراهنة تنتصر لمنطق السياسة على حساب منطق التدين، وهذا الانتصار هو تقاطع للتيارات الاسلامية مع أنظمة الحكم، فالتيارات الاسلامية تجعل دائما في سلم أولوياتها "السياسة"، فالشريعة الاسلامية تنحو في اتجاه "الدولة السياسية" بشرط أن تكون "إسلامية"، ويمكن في هذا الاطار التذكير برسالة "الخميني" الى "خامنائي" سنة 1994 الذي حثه "على إعطاء الأولوية السياسة على القوانين الدينية". إلا أن غياب أي تصور مجتمعي في الشق الاجتماعي والاقتصادي والتحولات الدولية الكبرى، جعلهم ينغمسون رغم تواجدهم في مواقع تدبير الشأن العام في ميادين الاخلاقية والاداب العامة، وفسح المجال السياسي على مصراعيه لصالح "الدولة".

ولكن يبقى في الاخير ما هي البيئة التي سمحت للأصوليين بالصعود بالمغرب؟ رغم الوعي بمحدوديتها في صناعة التغيير، وكيف انتقلت من منطق البحث عن "الاعتراف" خاصة بعد أحداث 16 ماي الى منطق "الضمانات" بمجرد تعيين بنكيران كرئيس حكومة "مكلف"؟.

هنا توجد فرضيتان ليس بالضرورة معزولتين عن بعضهما بل قد تكونا متلازمتين:

تحالف الاصولية السياسية مع الاصولية الدينية:

لابد من التمييز بين الاصولية السياسية المتمثلة ب "الصقور" في "دار المخزن"، الرافضين لاي تغيير أو إصلاح لانه يمس مصالحهم الاقتصادية والسياسية، أي المحافظون في هرم السلطة، وأصولية دينية تتمثل في الاسلام السياسي، تمت إدماجه في اللعبة السياسية بعد صفقة دبرت بين الدكتور "الخطيب" و"البصري" مع رفاق عبد الاله بنكيران، حيث تم إدماجهم في حزب الحركة الاجتماعية الديمقراطية التي أصبحت تحمل اسم "العدالة والتنمية".

للاشارة أنه توجد حدود مبهمة بين الإسلاميين والمحافظين، فالاول يريد الدفاع عن القيم التقليدية في "الشريعة" وبناء "مجتمع افتراضي" يوجد في مخيلته فقط، والثاني يكرس خطاب القيم الدينية وعدم المساس بالمقدسات وثواب الامة والدولة، الشيء الذي يجعلهما حلفاء في الخفاء.

يتقاطع الاسلاميون مع المحافظون في معادلات شاذة، فعوض ممارسة العمل السياسي وفق "الممنوع" و"المسموح" به قانونيا، تصبح المعادلة خارج النسق السياسي وفق قواعد "فوق دستورية"، ويصبح التأثير الخارجي محدد في "العلبة السوداء" للنظام السياسي، وقد لقبها الاستاذ "عبد الرحمن اليوسفي" ب"حكومة الظل" و"جيوب المقاومة"؛

انفلات الهامش الديني:

تحدث الاستاذ "محمد الطوزي" في كتاب "الملكية والاسلام السياسي في المغرب" عن الدور الذي لعبته الدولة في انشاء الجامعات والمدارس الاسلامية ودور القران وذلك بهذه الحد من المد اليساري الذي كانت تعرفه الجامعات في بداية السبيعنات والثمانينات.

 الشيء الذي جعل هذه الجامعات تعرف تراكم كبير في الاطروحات والرسائل التي تناول موضوع الإسلام والدولة. هذا المؤشر له وجهان: وجه النزعة الدينية التي أصبحت تتميز نخبة من الطلبة الباحثين وجيل جديد من الفئات الاجتماعية الصاعدة، أي إغراق المجتمع بأناس يحملون الفكر الاسلامي ومستعدين للدفاع عنه، ومن جهة أخرى وجه الضغط على الدولة لاسلمة المؤسسات والوظائف العمومية من أجل امتصاص بطالة هؤلاء الطلبة الحامليين للشهادات العليا تخصص الدرسات الاسلامية أو الشريعة.

إن مجارات الدولة للتحديات السياسية، بإنشاء هذه المدارس والجامعات ودور للقران لصناعة فئة جديدة من رجال الدين قريبون من السلطة، ظهرت في مقابله "فضاءات جديدة" غير نظامية، وتعمل على استراتيجية التعليم الذاتي للافراد، وهي "فضاءات" "الاشرطة السمعية" و"الاقراص المدمجة" و"الكتب الدينية" التي تباع أمام المساجد وفي الاحياء الشعبية والهامشية، بالاضافة الى غزو "الموقع الاليكترونية" و"القنوات الفضائية" بفضل "البيترودولار" السعودي الوهابي، الشيء الذي جعل فئة جديدة من رجال الدين تصعد لمنافسة شرعية "فقهاء البلاط" وتنصب نفسها الحاملة للدين النقي؛

الخطورة في فئة الدين الثانية، ذوي التعليم الذاتي، أنها عكس الطالب الجامعي الذي يضطر للسنوات من الجهد والكد للحصول على شهادة التخرج، ومن تم يبقى دائما طالبا أمام العلماء والفقهاء الاوليين، فإن الثاني يصبح متعلما وفقهيا في الان معا، بمجرد الانتهاء من متابعة برنامج معين أو الاستماع لقرص مدمج يتحول في اللحظة ذاتها الى واعظ ومرشد، فينصب نفسه بنفسه وصي على المجتمع والافراد، خارج ضوابط الدولة.

على سبيل الختم:

إن "الواقع المغربي" يعرف فصلا بين الدين والسياسة، وما إعادة التركيب "النظري" بينهما إلا عملية "قسرية" في جسد الدولة والمجتمع، وهو التركيب الذي قد يؤدي الى ما لا يحمد عقباه باتخاذ أشكال مختلفة بما فيها الاصولية الدموية (محافظة كانت أو اسلامية).

زيارة موقع الكاتب: http://idamine.blogspot.com

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال