القائمة

الرأي

“كلها فوق منو لي قاج عليه”

حال المؤسسات العمومية المغربية لا يخفى على أحد فجميعنا احتجنا يوما لوثيقة ما، و نعرف جيدا كيف تجري الأمور. إجراءات معقدة، زبونية وغياب الاحترام في التعامل مع المواطنين . لكن السؤال المطروح هنا هو إلى متى يبقى الحال على ما هو عليه؟

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

”كلها فوق منو لي قاج عليه” عبارة صريحة تختزل السياسة المتبعة في المغرب، سياسة طبقية بامتياز، سياسة تنفيذ الأوامر العليا، يحكم فيها الأقوى ماديا وصاحب النفوذ حتى إن لم يكن يستحق، ليبقى الشعب هو” المقجوج” عليه الوحيد بامتياز. 

       هاته العبارة أدلى بها أحد المسؤولين حينما ذهبت إلى إحدى المؤسسات بغية تغيير الاسم، تغيير فقط في الحروف اللاتينية لخطأ في النسخة الأصلية، استوجب  تغيير كل الوثائق الشخصية، وعلى قدر الحاجة الماسة للوثيقة كان التلاعب والتهاون من طرف المعنيين. 
       المسؤول قال العبارة عندما طالبته بضرورة الإسراع في إنجاز الوثيقة وأخبرته أن الخطأ صادر من عندهم -مقاطعا حديثا شخصيا بينه و بين أحد الموظفين-  ليجيب بطريقة عصبية غير أخلاقية تخلو من آداب التعامل و يقول أننا دائما نفضل الطرف الآخر(الغرب) ونعتبرهم الأمثل. حقيقة لا يمكننا إنكارها مهما حاولنا. فعندهم لا يهان المواطن إذا طالب بحقه، للأسف هذا ما نفتقده في دولة تسمى “دولة الحق والقانون”. هذا الحادث جعله يصر على عدم إعطائي الوثيقة مطالبا إياي بالقدوم في وقت لاحق بدعوى انشغاله.

        بعدما تم الحصول عليها بعد تدخل أحد المعارف إذ هكذا و للأسف تسري الأمور، اتجهنا إلى مصلحة أخرى حيث كان الوضع لا يختلف كثيرا، استقبلتنا أسوار الإدارة ومكاتب مغلقة وأخرى  فارغة تماما لأنه وقت الغداء، لكن حسب ما أتذكر فقد سمعت يوما بأنهم يعملون بالتوقيت المستمر، لقد كان ذلك في وسائل الإعلام. بين الفينة والأخرى يطل مواطن وعلى ملامحه حالة استغراب سرعان ما تتحول لابتسامة حين يرانا توحي بفهمه للموضوع. بعد ما يقارب الساعتين واقتراب انتهاء وقت العمل شرع بعض الموظفين في الدخول اجتمعوا في مكتب واحد، و الغريب أن بعضهم لم نراه صباحا ربما لأنهم يعملون بدوام جزئي، وقد كان اغلبهم نساء، يتحدثون عن بعض الأطباق والوصفات ومسائل شخصية تاركين ملفات المواطنين لوقت فراغهم.

        بعد طول انتظار أخبرنا بأن الوثيقة ضاعت. أمر عادي ما دام المواطن ضائعا في وطنه ومغتربا، هذا إن لم نقل ان الوطن ضائع بأكمله، فكل لما نشعر به هو إحساس الضياع وشعور داخلي يجتاحنا مطالبا إيانا بالبحث عن أنفسنا ومطالبتها بالتغيير. مع الخبر ضاعت أعصابنا ليشرع الجميع في البحث بعد احتجاجنا، وسط ارتياح و تأييد ممن كانوا هناك من  المواطنين، ربما لأني عبرت عن حالهم، و ما يمنعهم من القيام بالمثل هو الخوف، خوف ألزمهم الصمت خشية  عدم الحصول على ما يريدون، صمت كلفنا الكثير وسيكلفنا أكثر إذا بقينا على هذا الحال. لماذا نخاف من المطالبة بحقنا و نترك الآخرين يفعلون بنا ما يريدون؟

      وفي الأخير تم انجاز المطلوب  دون إيجاد الوثيقة الضائعة ليثبت أن كل هذه الأمور مجرد شكليات الهدف منها تكريه المواطن وإحاطته بتعقيدات هو في غنى عنها و لتؤكد  مدى الفوضوية المتعامل بها في الإدارات المغربية، وهذا كله انعكاس لمجتمع تائه صعب عليه إيجاد حلول للخروج من دوامة أدخله فيها من يسيروه وهو وضع يستفيدون منه وكنا نحن معهم الضحايا. مجتمع لا مجال فيه للتنظيم، فكل القطاعات تتحرك من طرف من بيدهم السلطة والمواطن مسير بما يخدم مصالحهم ويتماشى وأهواءهم.

     أضف إلى ذلك تلميحات بعض الموظفين من أجل الحصول على الرشوة من خلال تعابير محفوظة عن ظهر قلب صرنا جميعا نعرفها. كأن المواطن تنقصه المصاريف فكل واحد يبحث بشقاء عن درهم يومه ليأتي الآخر و ينهبه منه، يكفينا ما يفعله بنا “هادوك لي قاجين عليكم”. فالحكومة وحسب زعمها تحاول محاربة الظاهرة من خلال وسائلها المعهودة القديمة بحلة جديدة، لكن هذا شبه مستحيل فالظاهرة استفحلت. اجتثاث الظاهرة لن يكون بهكذا وسائل فالقضية بالأساس مسألة مبدأ و تربية و أخلاق في مجتمع أخر تتعبر هذه المسائل من قيمه، مسألة  ضمير وأداء الواجب المهني بعيدا عن أي مصلحة.

       عبارة أخرى رددها الكثير ممن التقيناهم يومها من المواطنين “الله يعفو علينا من هاد البلاد”، بل الأجدر بهم القول” الله يعفو على هاد البلاد” من أشخاص كهؤلاء . لا يجب أن نفكر في تغيير البلد والهجرة إلى مكان آخر ربما نجد فيه ما نطمح إليه من احترام وحياة كريمة، فهذا ما يريدونه إبعادنا حتى يحلو لهم ما يفعلون، لماذا لا نحقق أحلامنا في بلدنا بالوقوف في وجه من يريدون محاربتنا . فنحن لسنا أقل منهم قيمة، هم يملكون سلاح القوة و نحن لدينا أسلحة كثيرة يجب أن ندركها لنعرف استعمالها،  الفرق فقط يكمن في أنهم وجدونا صامتين نردد الولاء و الطاعة متى طلب منا ذلك، فطغوا هم، وبذلك أصبحنا نشعر بأننا غرباء في وطن ندرك انتماءنا له فقط من خلال بطاقة التعريف إن امتلكناها.

      أملا في غد أفضل نسعى إليه بالعمل، يحيى أصحاب الضمائر الحية الذين يقومون بواجباتهم انطلاقا من قناعاتهم واعتقاداتهم. ونتمنى أن نصل يوما  إلى مستوى ننكر فيه المصلحة الشخصية ونبحث فيه عن المصلحة الجماعية، ونحقق أهدافنا في تقدم الإنسانية في مجتمع أخر تحكمه هذه القيم.

زيارة موقع الكاتب: http://aknoul.net

منبر

أمين أكنول
طالب مجاز
أمين الشواي
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال