القائمة

الرأي

هكذا سقط رأسي في فبراير شهر العشق المتمرد

مطر في الدروب ، أناشيد للحرية ، باقات ورد ، فستان أحمر ، قبلات وقصائد وحكايات عشق ، ثورة لم تكتمل ، وربيع يولد عسيرا بعملية قيصرية .. هذا هو فبراير عاشق مرتبك، و ثائر مبهم، متردد بين الغيوم والشمس، وبين الشتاء والربيع.. شهر بأيام أقل ، لكنه كثيف الذكريات والأحلام والأمنيات المجهضة في شهر يوليوز .

نشر
DR
مدة القراءة: 3'

يأتي شهر فبراير نابضا بقلب شاعر، دافئا بمعطف ثائر، يوزع المناشير السرية في باقات الورد الأحمر، وينشد تحت المطر أغاني عاطفية بإسقاطات ثورية.. وفي الشارع الملتهب يتغزل في حبيبته بلافتة ثورية بإسقاطات عاطفية، تقول في وجه القمع والصور " لن أركع إلا لحبيبتي "..

 فبراير شهر الحالمين والساذجين والثائرين على الركوع والقبل.. هو شهر الحب والقبل ، وشهر الغضب ..ومن الركوع ما أغنى، ومن الكبرياء ما قتل.. 

في شهر فبراير قبل عامين ودستور ووهم وفي يومه العشرين ، كانت هتافات شعب أراد الحياة تملأ الساحات والشوارع ، كانت أصوات الحرية ترسم قصيدة عشق للوطن ، كنا هناك جميعا وفرقتنا الأكاذيب والسبل ..صدقنا نسمات مارس و شمس يوليوز ومسرحية نوفمبر .. و تركنا حلم فبراير ينتهي متلبسا بحشيش الحرية في الزنازين الباردة..

 فبراير شهر كالوشم المحفور بالدم في ذاكرة الوطن ، يقاوم التعتيم الرسمي و محاولات اسقاطه من مفكرة التاريخ ،يرفض أن يكون وهما، و ينبعث من تحت رماد الشهور كالجمر يذيب جليد الخوف والصمت،و يتسلل من جنح الظلام كأشعة الفجر..

 فبراير شهر سيء الحظ ،عصي الفهم وحربائي، يكون قزحيا أو ثلجيا وأحيانا رماديا وفي أوقات التمرد يصير أحمر ، شهر متعدد الفصول والطقوس والاستعمالات..يكون قنبلة موقوتة يهدد بتفجيرها الزعماء في هزائمهم السياسية ،ويصير شعارا مثاليا يوظفه المتنافسون في الحملات الانتخابية ،ولما تهدأ المعارك وتنتهي المسرحية ، يلعن الجميع حركته الثورية ويتهمها بالكفر والعدمية .. 

فبراير شهر رومانسي ومتحرر.. لا يفرض قيودا عاطفية، ولا يطالب العاشقين بالأوراق الشرعية، يبيح الهيام و الغزل ولا يفرض تأشيرة على سفرالرسائل الغرامية ، يوزع الهوى على المحرومين مجانا، ويسمح بحديث عن الحب في البرامج المسائية..لا تخيفه الفتاوى السلفية التي تتهمه بالفسق ونشر البدع الغربية.. فبراير هكذا مجنون و متطرف في ايديولوجيا العشق والحرية، يعتبر الحب حقا وقانونا وفرضا وضرورة وجودية.. فبراير، شهر متمرد على الشهور والفلك والنمطية ، شهر مختلف وفريد واستثنائي ، ان شاء يصير عشقا ،وان شاء يصير حربا ، وان شاء يصير ثورة ،وان شاء يكون صيفا أو زهرا أو ضجرا أو عاصفة..وان شاء أن يرحل ، لا ينتظر اليوم الثلاثين ، يرحل هكذا فجأة ويمضي غاضبا الى لقاء الربيع.. 

اعتراف نرجسي:

 في فبراير سقط رأسي في الرباط ، ولا أدري كيف كانت أمي تضبط ايقاع خصوبتها لتمنح لبناتها الحياة في هذا الشهر المتمرد ..ولا أدري لماذا اخترت اليوم أن أكتب عن فبراير ، ربما كانت حيلة أنثوية لأذكركم بعيد ميلادي.. 

و أجمل هدية تسعد امرأة تجاوزت الأربعين هي أن تنسىوا عدد الشموع وعام مولدها، تذكروا فقط أنها ولدت ذات ليلة ممطرة في شهر فبراير .

منبر

فاطمة الإفريقي
إعلامية
فاطمة الإفريقي
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال