القائمة

الرأي

أياد خشنة رغما عنها

اليوم8 مارس احتفل نساء الأرض بعيدهن. احتفال رمزي يذكّر النصف الآخر من المجتمع، أي الرجال، بأن أوضاع بنات حواء ليست على ما يرام، وأن تطور العصر والثقافة والإنسان ،يفرض على المجتمع كنس ما تبقى من ظلم وتهميش وميز فوق ظهور النساء، وإلقاء كل هذا في مزبلة التاريخ، ومطرح الأفكار البالية والممارسات غير المتحضرة.

نشر
DR
مدة القراءة: 3'

بلادنا ليست استثناء في دول العالم، وخاصة المتخلفة منها، المسماة نامية تأدبا ومراعاة لمشاعر أبناء هذه الدول، والطريق إلى المساواة بين المرأة والرجل مازالت طويلة، ورحلة البحث عن كرامة وسلامة واعتبار المرأة في المغرب أمامها حواجز عدة، تبدأ بالجهل، وتمر بالفقر، وتنتهي عند السياسة.

الجهل مرض مركب يصيب الذكور والإناث منذ الصغر، ويزرع في عقولهم «كليشيهات» خاطئة حول المرأة، ثم تأتي القراءات المنحرفة للدين والتقاليد والأعراف لتغلف هذه «الكليشيهات» بغطاء مقدس، فيما هي في الحقيقة ليست سوى ثقافة ذكورية متخلفة ترمي إلى جعل سلطة ونفوذ وهيمنة للرجل على المرأة دون وجه حق. العقلية الذكورية المتسلطة، التي تجعل من النساء «حريما»، ومن الشرف حكم إعدام، ومن التقاليد أغلالا في رجل المرأة.. هذه العقلية موجودة في ذهن المغربي والمغربية على حد السواء. الكثير من النساء في بلادنا لا يرين عيبا في ضرب الرجل للمرأة، ولا يرين نقيصة في فرض الزواج عليها، ويعتبرن أن تحرش شاب في الشارع العام بفتاة نصف جريمة، أما النصف الآخر فيقع على عاتق الفتاة نفسها، التي تثير الشبان، وهكذا... فالكثير من معالم الثقافة المتخلفة تجاه المرأة توجد في رؤوس الرجال والنساء، وهنا وجب الحفر بعمق وطول نفس لإزالة هذا «الكالكير» المترسب في باطن المجتمع المغربي.

الفقر واحد من أخطر الأسلحة التي تقتل كرامة المرأة ووضعها الاعتباري وحقوقها الآدمية، والفقر، كما الأمية، ليس موزعا بالتساوي بين الرجل والمرأة في بلادنا، فهو نفسه يميز بين الجنسين، فالمرأة أكثر عرضة لمخالب هذا الفقر، وهذا ما يزيد من سوء أوضاع الجنس المسمى لطيفا، والذي تجعله قسوة العيش خشنا رغما عنه. هنا أيضا ورش مفتوح لسياسات التمييز الإيجابي، ومقاربة النوع من أجل هزم الفقر المؤنث، وإعطاء النساء فرصا أكبر لولوج سوق الشغل والمدخول القار الذي يحفظ كرامتهن، ويعطيهن الوضع الاعتباري تجاه الرجل وتجاه المجتمع. إن المرأة التي لها دخل، ولها استقلالية مادية تجاه زوجها أو والدها أو أسرتها أو محيطها، تملك سلاحا فعالا للدفاع عن نفسها وحقوقها وكيانها، ولهذا وجب تطوير سياسات عمومية ذكية وفعالة، مثل إعطاء الدعم، الذي تنوي الحكومة صرفه للفقراء بمناسبة إصلاح صندوق المقاصة، للنساء، عوض وضعه في جيوب الرجال. هذا سيغير الكثير من عقليات الرجال في الأوساط المسحوقة، التي تنتج عنفا وميزا واضطهادا، أكثر من الفئات المتوسطة والغنية، تجاه المرأة.

ثم، ثالثا، تأتي السياسة. الحكومة اليوم في قفص الاتهام لأن بنكيران قبِل أن يضع امرأة واحدة فقط في حكومة بها 31 وزيرا، وهذا كان من أكبر أخطاء الذين أشرفوا على ميلاد هذه الحكومة. الذي يتطلع إلى صورة الحكومة مع الملك يوم التنصيب، وكيف أن لا أحد من الوزراء قدم الوزيرة بسيمة الحقاوي إلى الصف الأمامي لتقف إلى جانب الملك محمد السادس في الصفوف الأولى ولو من باب اللطف (la galanterie)، يدرك وضع المرأة في هذه الحكومة.

الآن هناك فرصة لإصلاح هذا الخطأ بمناسبة التعديل الحكومي القادم، فهناك عدد من الوزراء يجب أن يتركوا أماكنهم للنساء، والعديد من النساء، من داخل الأحزاب وخارجها، يجب أن يدخلن إلى لوائح السفراء والعمال والولاة وكبار المسؤولين في الإدارات العمومية.

حفظ كرامة المرأة ومساواتها بالرجل معركة صعبة وطويلة ومعقدة، لكنها ليست مستحيلة.

منبر

توفيق بوعشرين
صحافي
توفيق بوعشرين
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال