القائمة

الرأي

هل اسقطت الثورة الطغاة لتكرس الطغيان ؟

"لن نفرط في السلطة!"

عبارة رددها راشد الغنوشي عندما إقترح حمادي الجبالي رئيس الحكومة التونسية الاستعاضة عن حكومة الترويكا، التي تتزعمها حركة النهضة، بحكومة كفاءات وطنية جراء تداعيات اغتيال المناضل الشهيد شكري بلعيد.

نشر
DR
مدة القراءة: 3'

إن حادث الاغتيال يعتبر بحق صفعة قوية على وجه ثورة الياسمين اعتبارا لوزن الرجل، واستحضارا لتاريخه الحافل بالمواقف المناهضة للدكتاتورية قبل وأثناء الثورة، وبعد ذلك معارضته لمحاولات مصادرة مكاسب الثورة والالتفاف على مطالبها، لكن قرار الجبالي تقديم استقالة حكومته على على إثر ذلك، والإكتفاء بتغيير أسماء ووجوه في الحكومة هو في الحقيقة صفعة أقوى للشعب، لأنه قرار يلتف على المسؤولية.

صحيح أن هذا القرار قد يفسر على أنه نقد ذاتي واقرار بفشل الحكومة في حفظ أمن التونسين، لكن أليس من الأجدر الإقرار بالمسؤولية والاعتراف بالتقصير الفاضي إلى الجريمة وليس فقط التعبير عن الفشل؟ إن المتتبع للشأن التونسي ولو من بعيد سيلاحظ لا محالة عدم الإعتراف بأية مسؤولية  من طرف الحكام الجدد عن الحادث وعن جرائم أخرى كثيرة، وأول هؤلاء الحكام قادة حركة النهضة الذين يصرحون بمناسبة أو بدونها أنهم لن يفرطوا في السلطة متحججين أن الشعب قد فوضهم إياها متناسيين أنه قد حملهم أمانة تدبير أموره المعيشية لا أقل ولا أكثر، لأن الثورة قامت أصلا لإرجاع السلطة والسيادة إلى الشعب، إذ يحاولون التماهي والإنغراس في دواليب الدولة استدرارا لمزيد من السلطة واستدامة لها، ليظهر أن هؤلاء الإسلاميين لا يفكرون في حسن تدبير وتسيير شؤون البلاد بقدر ما يبحثون عن تأبيد جلوسهم على الكراسي.

إن أي نظام ديموقراطي - غير عربي ولا اسلامي ولو إلى حين طبعا – على اثر أي حادث ولو أقل شأنا من اغتيال المناضل بلعيد سيسارع مسؤولوه إلى الاعتراف بتقصيرهم والتنحي عن المسؤولية واعتزال أي نشاط سياسي إلى حين تبرئة ذمتهم من طرف القضاء، لكننا ويا للعجب العجاب ففي الوقت الذي يبرهن المسؤول عن الإدارة الترابية بتونس عن فشله الدريع في مهمته ( انزال علم التونسي من على مؤسسة تعليمية وتعويضه بعلم أسود، الهجوم على السفارة الأمريكية من طرف مجموعة من السلفيين، اغتيال شكري بلعيد...) يكافأ ويكلف بتشكيل حكومة جديدة، والأغرب من ذلك هو هرولة قوى سياسية جديدة إلى دعمه.

فهل الشعوب العربية مكتوبة عليها النكسات؟ فقد سالت دماؤها لتحرير رقابها من أثون الإستعمار الغربي المباشر، لتكتشف أن دماءها سالت سفاحا لما استولى على مقدرات أمرها أشخاص ليسوا إلا توابع لذلك الإستعار، بل الأدهى أن مستعمريهم كانوا أرحم بهم من حكامهم الجدد. فقد استباح هؤلاء أرواحهم وأرزاقهم تحت شعارات التحرر والاستقرار وبناء الدولة الوطنية، وعاثوا فيهم تفقيرا وتشريدا وتقتيلا وتهجيرا وإهانة...

بعد ردح من الزمان ليس باليسير، وعلى اثر تضحيات جسام، هبت الشعوب اخيرا وازاحت العديد من رموز تلك الحقبة وهزت عروش اخرين كثر... بعدما شاخ وشاب وهرم العديدون في انتظار هذه اللحظة التاريخية، بل ومات اخرون وأصبحوا ترابا ورميما.

 

إن هذه التضحيات قد تذهب سدى، وقد يستفيد منها من لا يستحقها، إذا استثب الامر لظواهر سياسوية رضعت أثداء الطغاة وشبت علي حليبها، وتصلب عودها في الاقتداء بنهج أساليبهم ذاتها، فتفننوا في تقليدهم في النهب والاحتيال لغصب السلطة والثروة والثورة، وخلع رداء السيادة عن الشعب للاتشاح به.

يبدو أن قاطفي ثمار الثورة التونسية، معتقلو ومنفيو الأمس، يجلدون الشعب بنفس السياط التي كانوا يجلدون بها، يعيدون إنتاج الديكتاتورية بوجوه أكثر تطرفا، هم لا يريدون التفريط في السلطة فقط ( على حد قول الغنوشي ) بل يسعون إلى الإفراط فيها لتصبح بذلك تسلطا، فحذار من بطش التابع إن أصبح متبوعا! وحذار أن يفل الطغاة ليسطع الطغيان!

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال