القائمة

الرأي

ريع شركات التأمين

عرفت دار الثقافة ببومالن دادس يوم السبت 2 مارس 2013 محاكمة قانونية وسياسية وحقوقية للقانون المنظم للتعويضات عن حوادث السير المعروف بظهير 2 أكتوبر 1984. ( للاطلاع على فصول هذا الظهير اضغط الرابط)

نشر
DR
مدة القراءة: 11'

 فقد نظمت جمعية نعيم للدفاع عن ضحايا حوادث السير ندوة وطنية تحت عنوان: «تعويضات ضحايا حوادث السير بين واقع الريع و الطموح»، وقد شاركت فيها مجموعة من الهيأت والفعاليات القانونية والحقوقية والمدنية من مدن ومناطق مغربية مختلفة. وقد أجمعت المداخلات على مطلب إسقاط هذا الظهير وتعويضه بقانون مواطن يحترم حقوق الإنسان ويكرس العدالة الاجتماعية بما يحترم كرامة ضحايا حوادث السير وبما سيكون محفزا لشركات التأمين على المساهمة في التوعية والتحسيس للتقليص من حوادث السير. كما كشفوا من خلال مرافعاتهم جملة من الاختلالات والتجاوزات الخطيرة التي تقع باسم هذا الظهير، الشيء الذي جعلهم يخلصون إلى إعتباره يكرس نوعا خطيرا من الريع يتعلق بريع شركات التامين الذي تظاهي خطورته حسبهم ما اسموه مافيات التأمين. وإعتبر كل المتدخلون أن مدينة بومالن دادس تكون بهذا الحدث/ الندوة تساؤل لأول مرة أحد أخطر الطابوهات التي لم يتجرأ أحد من قبل بالجهر بها. الندوة شرحت ظهير 1984 وفصلت في كشف تناقضاته مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ومع الدستور الحالي وأيضا مع أحكام الشريعة. ليطالبوا برميه إلى سلة المهملات غير مأسوف عليه. كما ذهبت المداخلات إلى أن هذا الملف الذي تطرحه الفعاليات الحقوقية يدخل في اطار النضال المتواصل من أجل احقاق العدالة والكرامة للمواطن المغربي.

في كلمة الجمعية المنظمة أشار الأستاذ الجلالي الهلاوي إلى الأرقام المهولة لأعداد ضحايا الحوادث وكذلك الميزانية المخيفة التي تكلفها على حساب المال العام، إضافة إلى أثارها النفسية والاجتماعية وما تضيعه من فرص التنمية، ففي كلمته أشار الهكاري إلى أنه بالرغم من المجهودات الكبيرة التي تقوم بها الدولة والمجتمع المدني من تعديل مدونة السير والمراقبة والتحسيس …فإن الأرقام المتزايدة في عدد الضحايا خاصة بعد حادثة تيشكا تساؤل العنصر البشري المتسبب في هذه الحرب القذرة بمختلف سلوكاته، لكن كما أكد الهكاري في كلمته يجب تشخيص طبيعة هذا العنصر البشري داخل النسق ككل وتحديد مسؤولياته سواء ذاتي أوالمعنوي. بما في ذلك تعليم السياقة، الفحص التقني، الماذونيات، شركات التأمين.. التي تدور في فلك اقتصاد الريع كما يؤكد الهكاري إذ إعتبر أن قطاع النقل والتأمين مجال انعاش الفساد بامتياز، وقال أن محاربته أصبح من أولويات المسؤولين لتخليق الحياة العامة بالنظر الى تكلفته الاقتصادية والاجتماعية المرتفعة، إضافة إلى عناصر أخرى كالمراقبة والصحة والبنيات الطرقية، وتنشئة السلوك المدني والجودة وحماية المستهلك.

وأبرز أن العنصر الهام المرتبط بشكل مباشر بالضحايا هو شركات التأمين التي تتحمل تكاليف التعويض لم تشمله الإصلاحات التي همت القطاع من أجل إعادة هيكلته، حيث بقي حبيس تشريعات وقوانين متجاوزة لا ترقى إلى مستوى حجم المسؤولية اتجاه الضحايا من خلال استمرار تعقيد مساطر الحصول على تعويضات التامين وهزالته أحيانا والذي لا يرقى الى قيمة الحياة كحق مقدس وقيمة العنصر البشري المغربي على شاكلة الدول المتقدمة التي نستورد منها القوانين والتشريعات. بالرغم من مساهمات هذا القطاع – التأمينات- في الاقتصاد الوطني وكذا الأرباح الطائلة التي ارتفعت سنة 2010 مثلا لتبلغ رقما صافيا فاق 3.81 مليار درهم وجمع احتياطات بقيمة 96.6 مليار درهم – حسب الإحصائيات التي قدمها التقرير السنوي لمديرية التأمينات والاحتياط الاجتماعي التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية- والتي تفيد بمساهمة القطاع عن طريق عملية التوظيفات الصافية في تمويل الاقتصاد الوطني بمبلغ 8.62 مليار درهم. فان المسؤولية اتجاه ضحايا حوادث السير تبقى دون مستوى وحجم المسؤولية وحجم هذه المساهمة نتيجة تخبط القطاع في اقتصاد الريع،  لينهي كلمته بأن وقف آفة حوادث السير تبقى بعيدة دون استئصال الريع من القطاع وإخضاعه لدفاتر التحمل. مطالبا الدولة بتحمل كامل مسؤولياتها اتجاها ضحايا حوادث السير.

وقد أشار ممثل المجلس البلدي لبومالن دادس ذ.بيهي موحى إلى أهمية أمثال هذه اللقاءات في تنمية الوعي الثقافي والقانوني بالمنطقة مؤكدا ما يليه أعضاء مجلس المدينة من أهمية ودعم لكل المبادرات الهادفة.

 كما نبه ذ.الحاج الغطاس باسم الجمعية المغربية للسلامة الطرقية إلى ضرورة تضافر كل الجهود في إطار المسؤولية الجماعية من أجل محاربة آفة حرب الطرق والتي تخلف نزيفا خطيرا في البشر والأموال. وأكد على أهمية تأهيل الطرق ونشر التوعية الطرقية.

الأستاذ النقيب محمد امزيان في مداخلة فصل السياق العام للموضوع بسط أرضية النقاش، حيث لامس الإصلاحات الفرعية للقوانين والتي أكد على أنها جاءت كلها في مصلحة شركات التامين ومنها ظهير 2 أكتوبر 1984  المنظم للتعويضات عن حوادث السير.  الذي حد من الصلاحيات المفوضة للقضاة، إضافة إلى تحديده الجزافي للتعويض بواسطة الجداول المعدة سلفا مما يعاكس مصلحة الضحايا المتضررين. كما أشار كذلك إلى مبدأ تشطير المسؤولية  واستبعاد ذوي الحقوق من التعويض. ليخلص إلى أن هذا الظهير ذو صبغة بورجوازية لا يساير التغييرات الواقعة في المجتمع بل اعتبر أن شركات التامين هي المستفيدة الوحيدة من مقتضياته .

أبرز المحامي محمد الخطار أن هذا الظهير لا يتماشى لا مع مبادئ الشريعة الإسلامية ولا مع مبادئ الدستور ولا مع المبادئ الإنسانية الكونية، فمن حيث احترام الشريعة أشار إلى عدم تطبيق مبدأ الإرث في التعويض عن فروع المتوفى بسبب حادثة، ومن حيث أنه لا يحترم مبادئ الدستور الجديد أشار إلى مبدأ المساواة، فيد إنسان غني تعوض أكثر من يد إنسان فقير. ليصف محمد الخطار ظهير 2 أكتوبر1984 بالظهير المشؤوم، حيث أعطى العديد من المؤشرات التي قال أنها  تجعل من هذا الظهير شؤما على الضحايا،  مفصلا في المعايير المعتمدة المبنية على السن والدخل مما يجعل نسبة التعويضات الممنوحة في خانة  غير منصفة وعادلة ولا تحترم مبدأ الحياة والكرامة الإنسانية، مشيرا إلى ضرورة التطرق إلى طابو الحديث عن ماهية شركات التامين التي أصبحت تنافس الأبناك في الأرباح لأنها تستثمر في مجال بدون محاسبة ومتابعة. التي تتعامل وفق مبدأ الريع وضرب كل التشريعات عرض الحائط، ناهيك عن تعقيدات المسطرة التنفيذية التي تتعامل بها هذه الشركات من الامتناع إلى التملص والتحايل قصد التغرير بالضحية وفق شروطها الخاصة قصد الرضوخ إلى مبرر الصلح.

ومن بين الإشكالات التي أثارها الخطار في كلمته ذكر الاختلافات بين المحاكم في الاجتهاد القضائي في بعض القضايا المتشابهة.

وأكد الأستاذ محمد الحبيب حاجي المحامي بهيأة تطوان أن طرح ملف إقتصاد الريع في قطاع التأمين ملف سياسي بامتياز وليس قانوني فقط، لأنه يندرج ضمن الصراع من أجل العدالة. ففي بداية مداخلته التي عنونها ب «التأمين ضمن أشكال الريع»، دعا إلى صوغ ما سماه مذكرة بومالن دادس التي ستنطلق منها الشرارة لمهاجمة اقتصاد الريع ومهاجمة الجاثمين على ثروة المغرب الجاثمين على المال العام بالمغرب، لتنطلق من بومالن دادس باعتبارها  منطقة من المناطق المهمشة. وقال: «لقد وصلنا في المغرب إلى درجة من النهب والسلب لا يجب السكوت عنها …»

وقال الحبيب حاجي: «أنه كما هناك كريمات النقل ومقالع الرمال …فكذلك شركات التأمين من أكبر قلاع الريع في المغرب، لأن الدولة وزعت ما يشبه رخص/ مأذونيات/ كريمات على أشخاص معدودون على رؤوس الأصابع ليستفيدوا من هذا الريع، وتسائل هل تعتقدون أن أي واحد بإمكانه تأسيس شركة للتأمين…» وقال أن هناك زبناء محددون لديهم إمبراطوريات ريعية، وقال لو إجتمع جميع الحاضرون لإنشاء شركة من هذا القبيل فلن يسمحوا بذلك. وقال لقد حان الوقت للقول بصوت مسموع أن شركات التأمين تدخل في منظومة الفساد السياسي الذي ينخر الدولة المغربية. واعتبر الحبيب حاجي في مداخلته التي تفاعل معها الحضور بشكل كبير أن شركات التامين لوبيات تمارس نشاطها في الخفاء على حساب حقوق الضحايا من أبناء الشعب والمال العام، متسائلا من يدافع عن شركات التأمين؟ وأضاف «أن معنى اللوبي لا ينطبق عليها لأن معنى اللوبي يعني مجموعة ضغط واضحة ومعروفة تمارس نشاطها في واضح النهار، لكن بالنسبة لشركات التأمين فهي اخطبوط يشتغل في الخفاء فهي مافيات مختفية تحرك أجهزة الدولة لصالحها ضد أبناء الشعب.»

وقد أضاف الحبيب الحاجي أنه «نفاجئ دائما بقوانين تخرج من الوزارات وتمر في البرلمان…وهي كلها تخدم شركات التأمين، فطرح التساؤل من يدافع ومن ينوب عنها بما أن لا برلمانيين ولا أحد يتحدث باسمهم في الوضوح؟»

وفي إشارته إلى ما اعتبره من مظاهر احتقار الإنسان شدد على الحق في الحياة كحق مقدس بالتالي فلازم أن يكون عليه تعويض ليستفيد منه ذوي الحقوق، وطالب بضرورة إعادة النظر في المسطرة المتبعة في قضايا حوادث السير بما فيها مسالة الشواهد الطبية التي تشترط الوصول إلى أكثر من 21 يوما من العجز، حيث يصبح الضحايا في صراع مع الأطباء كأن نفوذ هذه المافيات تصل للضغط على الأطباء. وفي جرده لما اعتبره إمتدادا لنفوذ شركات التأمين، قال أن المحكمة أكتر من ذلك ممكن تطالب بخبرة طبية غالبا ما تقلص من مدة العجز إلى النصف في أحسن الأحوال. وقال ما معنى النفاد المعجل؟ فشركات التأمين في وضعية جد مريحة ولا تنفذ إلا متى شاءت. الحبيب الحاجي تساءل بما أن حوادث السير هي حوادث غير عمدية ليتساءل لماذا تشدد القوانين على المتهم وتتساهل وتخفف العبء على شركات التأمين، مطالبا في الأخير بإسقاط هذا الظهير وتعديله بشكل جدري لإعداد قوانين عادلة ومنصفة. وقال أن على شركات التأمين أن تكون شركات مواطنة وليس لديها أي امتياز.

أما المحامي الحقوقي العموري زكريا قال: «أن هناك تواطؤ وسكوت منا كدفاع، نحن المحامين تواطأنا بشكل أو بآخر مع شركات التأمين، وأول من يجب أن توجه له هذه المذكرة هم جمعية هيأة المحامون بالمغرب لأنها هي المفروض أن تقود قاطرة الدفاع عن حقوق الإنسان». وأضاف «هل تعلمون أن أرباح شركات التأمين بالمغرب تسيل لعاب شركات التأمين في أمريكا، هذه الأموال الضخمة التي تضاهي ميزانيات دول، هل تدخل في المساهمة في الاقتصاد الوطني؟ هي إما مجمدة أو تستثمر في الخارج، وهي في حقيقة الأمر أموال عمومية لأنها تسير بعقود امتياز…نحن يجب أن نتحدث ليس فقط عن ضحايا حوادث السير، فالشعب المغربي ككل ضحية هذه الشركات…إنه ريع أكبر من ريع مقالع الرمال» في إشارته إلى ما اعتبره نماذج من بشاعة هذه القوانين حين يكون التعويض عن الضرر الذي تعرضت له دراجة نارية أكبر من تعويض ضرر أصيب به إنسان.دعا الحقوقي مولود بوفلجة عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بورزازات  إلى بلورة رؤيا شمولية في المنظومة ككل، وقال: «أن المشكل هو مشكل الدولة، هو مشكل محاماة في علاقته بالقضاء، المشكل مشكل ريع، وفساد في الصحة وفساد في تأمين التلاميذ في التعليم، فالمسألة سياسية في الدراجة الأولى، وأي مقاربة جزئية تعتبر ملامسة لا تأتي أكلها، منتقدا الحديث عن العمل على الاشتغال من داخل الدستور، وعلى أنه يجب أن نغير هذا الظهير أو ذلك، فالمغرب هو بلد الظهائر والمؤقت الذي يدوم، ما نريده هو مغرب الديمقراطية تتم فيه المحاسبة على الفساد…هذه هي المقاربة الشمولية التي نريد. من يتحدث عن الاشتغال من الدستور وتعديل قانون وظهير…وعلينا أن نحترم الدستور، هذا إذا  اتفقنا على الدستور وإذا كان الدستور دستورا ممثلا ومواطنا، فما نطالب به هو دستور يصاغ بطريقة ديمقراطية حينئذ سنجد في كل القوانين المواطنة والعادلة، بالتالي سنجد دستورا يمثلنا بالتالي لا حاجة لنا عندها لمناقشة مسألة الظهائر. وتساءل كيف نتحدث من داخل منظومة الفساد عن ورش الإصلاح؟ مشيرا إلى ما اعتبره الفساد المنتشر في جميع القطاعات من تعليم وصحة وقضاء، باعتبار المغرب بلد الأوراش المفتوحة التي لاتنتهي،…وقال أن المسألة في مجملها هي أن يحس المواطن انه مواطن»  كما طالب المحامين أن يتضامنوا هم أيضا من موقفهم النضالي مع ضحايا حوادث السير ويتنازلوا لهم عن حقهم في التعويض الذي قد يصل إلى %  25.

في حين أن المحامي محمد الحمدي عضو جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان، أثار الأنتباه إلى حالات يصعب فيها تعويض الضحايا كحالات فرار متهم صدم شخص ما،  ليتساءل عن دور صندوق ضمان حوادث السير؟ ما العلاقة الرابطة بين شركات التأمين وهذا الصندوق؟

كما أنه إستغرب عدم تعويض الطلبة والتلاميذ الذين ينقطعون عن الدراسة بسبب حوادث السير، على اعتبار أن الانقطاع عن الدراسة حرمان من النفع…وقال: «بما أننا استوردنا قانون السير من الدول الإسكندونافية فلماذا لم نستورد معها قانون التعويضات؟» 

وقد ختمت الندوة بالإشارة إلى بعض التوصيات التي ستتضمنها المذكرة التي سيترافع بها جهاز المحامون والحقوقيون لدى كل المؤسسات الدستورية والحقوقية والمدنية في شأن ظهير 2 أكتوبر1984، ومنها إلغاء الرسوم القضائية الخاصة بملفات حوادث السير، إلغاء مسالة الصلح في المسؤولية التقصيرية، الرفع من التعويض المعني و التعويض المفترض، الاستفادة من تخفيضات أقساط التامين لصالح السائقين عديمي سوابق ارتكاب حوادث السير، اعتماد شواهد طبية أخرى بالإضافة إلى الشواهد المتضمنة بمحضر الضابطة القضائية، الزيادة في الإرادات وفوائدها، إعادة النظر في تأمينات السيارات التابعة للدولة، إحداث تعويض خاص بالمكلف بالمعاق ضحية الحادثة، اعتماد استفادة ذوي الحقوق الزوجة والأبناء من التعويض عندما يرتكب الأب الحادثة، تحرير قطاع التأمين وجعله رهين دفتر تحملات في المتناول ونقاط أخرى تبقى في إطار النقاش الوطني المفتوح مع جميع الشركاء والمتدخلين قصد الترافع من أجل حماية المواطن ضحية الحادثة وضحية القوانين المجحفة في نفس الوقت.

وجدير بالذكر  أن جمعية نعيم  لازالت ترافع من أجل حقها في الحصول على وصل الإداع النهائي، بالرغم من ان السلطات سلمتها  وصلا مؤقتا إلا أن عامل اقليم تنغير الجديد رفض منحها الوصل النهائي على أساس أن أعضائها لهم سوابق في النضال كما صرح به المحامي الحبيب حاجي.

ينشر بالاتفاق مع موقع دادس أنفو

زيارة موقع الكاتب: http://isskela.blogspot.com

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال