القائمة

الرأي

الشباب وسؤال المواقع الاجتماعية

السؤال واسع ومتشعب, ويستوجب بحثا في علم الاجتماع كاملا من زاويتين اثنتين على الأقل:

+ الأولى لأن هذه المواقع والشبكات, متعددة ومختلفة ومتباينة الطبيعة. فجزء منها يشتغل في المكتوب أساسا, كما الحال مع الفايسبوك والتويتر, في حين أن بعضها الآخر كاليوتوب مثلا, متخصصة في تمرير وترويج مقاطع الفيديو, أعني فيما هو مرئي ومسموع. بالتالي, فبمقياس الطبيعة ثم الوظيفة, يبدو أن تقييم هذه المواقع وتحديد تراتبيتها, أمر ضروري وإن كان متعذرا بالوقت الحاضر, بحكم عدم استقرار شبكة الإنترنيت وتزايد المستجدات من بين ظهرانيها.

نشر
DR
مدة القراءة: 3'

+ الثانية, لأن فئة الشباب بحد ذاتها غير قارة, اللهم إلا إذا احتكمنا في ذلك إلى الجانب العمري وتقطيعات السن. هذا جانب عابر لا يجب أن يتم الاعتداد به كثيرا, لا سيما وأن الإنسان قد يبقى شابا طالما بقي نشيطا ومنتجا ومفيدا للجماعة.

هذه جوانب شكلية ومنهجية لا بد من إثارتها. أضف إليها أن هذه المواقع والشبكات ليست أدوات تواصل, إنها أدوات اتصال. والفرق بين المستويين كامن في أن الاتصال ذو طابع تقني صرف, ينحصر في ربط الناس فيما بين بعضها البعض, في حين أن التواصل يضم هذا المستوى, لكنه يضيف إليه جانب الحميمية والقرب واللقاء المباشر. لذلك, فنحن نعتبر هذه الشبكات شبكات اتصال وليست شبكات تواصل.

بالعودة إلى السؤال/الجوهر, نقول التالي بداية: هناك اليوم وفق بعض الإحصاءات أكثر من 3 مليون مغربي يلجأ لهذه الشبكات, نسبة مهمة منهم تتراوح أعمارهم بين 13 و  24 سنة، ويستعملون في غالبيتهم العظمى الموقع الاجتماعي فايسبوك, حيث يصنف المغرب من الدول الرائدة في استخدام هذا الموقع بشمال إفريقيا والمغرب العربي.

ونقول ثانيا بأن نسبة المغاربة الذين يتخذون من فايسبوك وسيلة للاتصال ثم التواصل تبلغ 30 بالمائة، أما الذين يتخذونه وسيلة لربط علاقات عاطفية, فتقدر نسبتهم ب 25 بالمائة، بينما تبلغ نسبة الذين يستعملونه للتأطير و"النضال" حوالي 21 بالمائة.

ونقول ثالثا بأن مميزات الفئات المستخدمة لهذه المواقع تختلف بين من يتخذ من الموقع أداة لربط علاقات عاطفية, وهم في غالبتهم شباب يتخذون من هذه المواقع وسيلة للتعرف على الجنس الآخر لهذا الغرض أو ذاك. وهناك من يركب ناصية هذه المواقع بغاية البحث عن عمل أو فرص شغل. وهناك من يتخذ منها أداة لما يسمى بالنضال الافتراضي, كالترويج لبعض مقاطع الفيديوهات التي تفضح هذا السلوك أو ذاك, بالصوت والصورة والكلمة أو بهم مجتمعين. وهم شباب أيضا غالبا ما يكون وعيهم متقدم نسبيا, وينتمون للطبقة المتوسطة سواء بالمدن أو ببعض مناطق "الهامش", حيث المادة, مادة ما يمكن تمريره بالشبكة, متوفرة وكثيفة.

وتبين بعض المعطيات الإحصائية, على ندرتها ودقتها النسبية, أن هذه المواقع ترتادها عموما الفئات العمرية ما بين 35 و 55 سنة. ويبدو بهذه النتيجة, أنه كلما تقدم "الشاب" في العمر, كلما كان تعامله مع هذه المواقع أكثر جدية وأكثر إفادة ونجاعة.

من جهة أخرى, فالذي يظهر من بعض الاستخدامات أنه كلما كان ثمة حدث عربي أو إسلامي ذو دلالة كبرى, إلا وكانت هذه المواقع حاضرة بقوة, والتبادل بين الأعضاء قويا. وهو ما يمكن أن نلحظه مثلا في أحداث الانتفاضات العربية, ثم الأحداث في سوريا, ثم حرب الثمانية أيام التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة بالأسابيع الماضية.

بهذ النقطة, نتصور أنه كلما كان ثمة وعي ومستوى في التعليم متقدم, كلما كان الاهتمام بالشأن العام أكثر, وكلما كانت "المجموعات" أكثر إفادة بالنسبة لأعضائها. أما إذا كان هذا الوعي ومستوى التعليم متواضعا, فإن الجوانب التي تطغى هي التي تحدثنا فيها من قبل, نعني ربط العلاقات بين الجنسين أو تمضية الوقت أو التسلية, أو التعارف الذي يكون في بعض الأحيان التعارف من أجل التعارف.

ونعتقد, إلى جانب كل هذا, أن الجامعات ومعاهد الإعلام والاتصال والمعلومات يجب أن تهتم بهذه الجوانب, على مستوى البحوث والدراسات, لا سيما فيما يتعلق بالبعد السياسي أو لنقل بعد الرفع من منسوب الوعي للمتدخلين في هذه العملية.

منبر

يحيى اليحياوي
أستاذ التعليم العالي
يحيى اليحياوي
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال