القائمة

الرأي

مفهوم القوامة و تحولات أدوار الزوجين

تعرف مجتمعاتنا تحولات  جوهرية في بنياتها وبالتالي في نظمها الاجتماعية  .

ولقد عرفت مؤسسة الأسرة  باعتبارها أحد أهم الخلايا المجتمعية تحولات ملموسة  سواء من حيث البنيات أو الوظائف كما تؤكد  ذلك عدد من الأبحاث والدراسات في هذا الميدان .

ذلك أن أدوار الزوجين عرفت بعض  التغييرات مع خروج المرأة للعمل ومساهمتها في ميزانية الأسرة فلم يعد واجب الإنفاق المحدد شرعا لحساب الرجل حكرا على هذا الأخير، حيث أن مساهمة الزوجة أضحت أحد عناصر نجاح الزواج أمام إكراهات غلاء المعيشة ومتطلبات حياة استهلاكية لا ترحم .

بل أضحى راتب الزوجة وغناها وغنى عائلتها من أهم وسائل جذب "شريك المستقبل " الذي لم يعد فارسا لأحلام النساء إلا في المسلسلات الرومنسية التي تستهلك بإدمان يعبر عن عمق الحاجة إلى الحب والمشاعر الصافية بعيدا عن حسابات اليومي المثخنة بالإحباطات

نشر
DR
مدة القراءة: 5'

في هكذا سياق تغدو الفتاة الموظفة والمأجورة عموما مطمح أغلب الشباب المقبل على الزواج إن لم نقل كلهم بما في ذلك الذين تنبني معتقداتهم على قيم تقليدية و محافظة يستثنون منها "راتب الزوجة " أو "غناها " مع الحفاظ على مقولة الحفاظ على الرجال "قوامون على النساء " مشروخة من تتمتها المشروطة بالإنفاق .

 الزوجة والإنفاق :

    الإنفاق المتعادل:

لقد أدمج المجتمع المغربي  إنفاق الزوجة داخل الأسرة ضمن عاداته وقيمه بأشكال تختلف حسب التوافقات الزوجية المعلنة والخفية حتى و إن كان النقاش الصريح حول الموضوع لازالت تنتابه نوع من الضبابية والالتباس .
وقد تتبلورنسبة المساهمة حسب طبيعة  هذه  التوافقات بين الزوجين ومعتقداتهم وطريقة تدبيرها . فهناك  فئة تؤمن بالشراكة الكاملة وبالتي تكون مساهمة المرأة مناصفة وكذلك إسهامها في تدبير الأسرة واتخاذ قراراتها المهمة
 
  الإنفاق الداعم :

وهناك من يكتفي بنسب أقل تكون دعما للزوج الذي قد يتوفر على إمكانيات كافية  وبالتالي فمساهمة الزوجة تكون تكميلية  ليس إلا لأن الزوج يقوم بدور الإنفاق الرئيسي .علما أن هذه الفئة جد متقلصة .

 المرأة القوامة بالإنفاق و  الأدوار المقلوبة


وهناك أسر تكون فيها الزوجة هي المنفق الرئيسي ويكون  راتب الزوج تكميليا.

وقد تقوم بهذا الدور بشكل تلقائي إذا كان راتبها أكبر أو هي أكثر غنى من الزوج

وقد تضطر لذلك إذا كان زوجها من النوع "اللامسؤول" الذي  يتخلى عن واجب الإنفاق   بشكل يكاد يكون مطلقا .

علما أن الزوجة تتشبث بأسرتها حد التضحية بأغلب حقوقها  لأن ارتباط الزوجة عاطفيا  بالأطفال يكون دائما أقوى من ارتباط الأزواج فيستغل بعضهم هذا التفاني الأنثوي هاربا نحو رغباته بل حتى نزواته الخاصة و مهملا واجباته الزوجية والأسرية لأن هناك من يتولاها نيابة عنه ،فيستمر في حياة "العزاب"  مثل أي مراهق لم يودع بعد حياة  ما قبل الزواج  النزقة لمراحل قد تطول أو تقصر حسب عدد من الحيثيات .

  زوج يشترط الإنفاق من زوجته :

لكن التحول الأكثر تطرفا وربما طرافة أيضا هو أن يشترط بعضهم الإنفاق على الزوجة وما يتلوه من سكن ومسؤوليات أخرى كانت دائما وأبدا من واجب الأزواج .حيث  تنقلب الأدوار جملة وتفصيلا .
قد يبدو الأمر غاية في الغرابة لكن الواقع المجتمعي بدأ يفرز هكذا حالات أضحت تعبر عن نفسها هنا وهناك ,
بل إن "الحصول على "زوجة غنية " أو على الأقل "لها موارد كافية للعيش السليم "
غدا حلما يؤثت وجدان شباب أو حتى كهول عاجزين عن ترتيب مكانة اجتماعية وفق  المواصفات المعروفة والمتوارثة اجتماعيا ,,,,,وإعلانات الزواج عبر الجرائد والمواقع المخصصة لذلك تعبر عن هذه المتطلبات الجديدة اجتماعيا .

     زوج يشترط السكن على زوجته في العقد :

 ومن بين هذه الحالات  تلك التي تم عرضها مؤخرا  في برنامج "لخيط لبيض " في القناة الثانية حيث اشترط الزوج على الزوجة أن توفر له السكن الذي هو أصلا ليس ملكها بل ملك والدتها الأرملة فوجدت هذه الأخيرة نفسها تعيل ابنتها وأسرتها بوسائل جد محدودة

 ولقد صرح أمام ملايين المشاهدين  بأنه وثق ذلك في العقد "وقيل له سيكون بخير وعلى خير ما يخصو حتى خير ,",,,,

وعند حصول مشاكل تخلى عن زوجته وحتى عن ابنه ضاربا عرض الحائط بحق هذا الأخير في "هوية إدارية وإنفاق ورعاية تربوية ....ألخ .

  زوج بشترط عدم الحمل كي تشتغل عليه :

الحالة الأخرى كانت أكثر مأساوية وتعبيرا عن هذا النوع من الأزواج عندما صرح أمام الملأ مخاطبا زوجته التي يعاتبها عن حملها :"أنا تزوجتك باش تخدمي عليا ما شي باش تحملي " فهو يعيب على الزوجة أن تنجب  مقابل التفرغ الكامل للشغل والإنفاق عليه ويحرمها من حق الأمومة بشكل مطلق ويكون ذلك سبب الهحر ولا يعترف بالطفلة التي وضعتها إلا أمام  إكراه الحكم القضائي وخوفا من السجن "اللي معندو ليه صحة " ,,,,

,وبدت الزوجة أكثر نبلا لأنها تنازلت عن تنفيذ الحكم مقابل أن تكون علاقة هذا الأب  عادية مع ابنته التي هي في أمس الحاجة لأبوته من الناحية النفسية ,
نحن هنا أمام تحولات عاصفية في الأدوار بين الزوجين ، حيث تحل وظيفة الزوجة المنفقة  مكان الزوج المنفق عليه والمنهزم بشكل كامل  أمام  إكراهات حياة لاشك أنها قاسية   على الاثنين .

وتبرز نساء يتدبرن إحباطهن أمام غياب دورإنفاق الزوج بإيجابية .

فهن يواجهن مصاعب الحياة بشجاعة وبدعم من قانون الأسرة الجديد ومن  أسرهن الأصلية ، متشبثات بأمومتهن الطبيعية والاجتماعية بمعنويات تبدو عالية رغما عن فقرهن .

وهنا يحق لنا التساؤل  ما هو الحجم الحقيقي للمسافة بين بعض التمثلات التي يحملها العديدون عن  " أزواج منفقين  " سرعان ما يتخلون عن قوامتهم المالية والاجتماعية  أمام تحديات حياة عاصفة تاركين الجمل بما حمل لنساء  يعرفن اجتماعيا بأنهن أكثر هشاشة من الذكور ؟

عائشة التاج .

منبر

عائشة التاج
أستاذة وباحثة
كاتبة وباحثة
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال