القائمة

الرأي

بنكيران واش فهمتي ولا لا

توقع الكثيرون أن يسمعوا من رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، أول أمس في بوزنيقة، تصورا اقتصاديا متكاملا، وحزمة إجراءات سريعة ومستعجلة للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، خاصة وأن هذا أول ظهور إعلامي له بعد توقيعه على مرسوم خفض ميزانية الاستثمار العمومي بحوالي 15 مليار درهم بضغط غير مباشر من صندوق النقد الدولي، الذي صدم من وصول عجز الميزانية إلى 7,1 في المائة سنة 2012، أي أن الحكومة أعدمت أكثر من 1200 مليار سنتيم شهريا كانت ستتحرك في السوق وتنتج مناصب شغل وضرائب وخدمات أساسية للمواطنين.

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

شيء من هذا لم يقع، فقد فضل رئيس الحكومة أن يبعث الرسائل السياسية إلى من يهمه الأمر، عوض أن يبعث رسائل اقتصادية إلى القلقين من تداعيات الأزمة. وهذا الاختيار له أكثر من دلالة، أولها أن رئيس الحكومة يعتبر أن السبب الأول في الأزمة الاقتصادية التي يعانيها المغرب سبب سياسي، وأن مخطط الحكومة لمحاربة الفساد والاستبداد -على حد تعبيره- لم يتحقق بعد، وأن الحزب الذي يقود هذه التجربة «ليس كراكيز جاء ليرقص ثلاث مرات ويذهب إلى حال سبيله».

ما معنى هذا الكلام؟ هذا له معنى واحد، وهو أن البلاد تعيش أزمة سياسية وأزمة اقتصادية، وأن رئيس الحكومة يعتبر أن مقعده في خطر، وأن هناك من يريده أن يتصرف مثل كراكيز، ثم بعد جولات قصيرة أن يجمع ملابسه ويرحل عن الحكومة.

ما هو الحل يا سيد بنكيران في مثل هذه الوضعية؟ لا جواب. طيب إلى متى ستستمر في الشكوى من العفاريت والتماسيح التي تعرقل خططك للإصلاح؟ لا جواب. من هم هؤلاء الذين يريدون منك أن تصير «ماريونيت» وتنسحب بسرعة من المشهد السياسي؟ لا جواب.

بنكيران، كعادته، يجرح ويداوي. قال بشأن حكاية الكراكيز إن عبد الله بها، رفيقه وكاتم أسراره، يقول حكمة مهمة في هذا الباب، وهي أن حزب العدالة والتنمية لم يصعد إلى الحكومة من أجل السلطة بل من أجل الإصلاح.


طيب، وإذا تعذر الإصلاح بدون امتلاك وسائل السلطة التي تحول الأفكار إلى قرارات، والبرامج إلى سياسات، والنوايا الطيبة إلى منجزات. ما العمل والحالة هذه؟

عبد الإله بنكيران لا يريد أن يخرج من جبة المعارضة رغم أنه في الحكومة منذ 15 شهرا، وهذا لا يعني أنه سياسي خلق للمعارضة وليس للحكم.. أبدا، بنكيران يستمر في تقمص دور المعارض لأنه لا يتوفر على حل للمشاكل التي تعترضه في السلطة، وعوض أن يقول لحزبه إنه لا يتوفر على خطة تسمح له بإدارة البلاد، كما وعد الناخبين بذلك، يلجأ إلى خطاب المعارضة لاستجداء العطف والحنان.

المغاربة لا ينتظرون من رئيس أول حكومة بعد الدستور الجديد أن يتحول إلى مكتب للشكاوى، أو إلى متخصص في ذرف الدموع. رئيس الحكومة في موقع هام من مواقع القرار في البلاد، وعليه أن يواجه المشاكل، وأن يجد الحلول لها، وأن يصارع من أجل إنقاذ البلد، ولهذا لدى الفرنسيين مثل دال في هذا الباب، يقولون: «الوزير عليه أن يغلق فمه أو يقدم استقالته». ماذا يعني هذا؟ الوزير الذي وضع الدستور في يده السلطة، والوزير الذي تفوض له صناديق الاقتراع صلاحية وضع السياسات العمومية، إما أن ينجز المطلوب منه، وإما أن يضع المفاتيح على الطاولة ويذهب إلى بيته. لا توجد حلول وسطى بين هذين الأمرين.

لقد تعب المغاربة من وجود حكومتين في المغرب؛ واحدة في الظل تقرر، والأخرى تحت أشعة الشمس تحترق. الدستور الجديد أعطى الحكومة الشرعية كل الوسائل لقتل حكومة الظل، إلا إذا اختار رئيس الحكومة أن يتعايش مع الأشباح، فهذا شأنه، وعليه أن يتحمل كامل مسؤوليته، وألا يحمل أحدا كلفة اختياراته.

بنكيران يشتكي من أن النخبة لا تفهمه، وأن الجماهير الشعبية أكثر قدرة على فهمه والإحساس به، وهذا أمر يحتاج إلى تدقيق وإلى تأمل، لكن في كل الأحوال، السياسة لا تصنعها الجماهير الشعبية.. السياسة تصنعها النخب في كل المجتمعات، وهي الأقدر على فهم تعقيدات شؤون الدولة، وهي الأقدر على تقييم السياسات العمومية. الجماهير تتبع السياسي إلى آخر المشوار ثم يكون حكمها قاسيا، أما النخب فلا تتبع القادة بلا تحفظ، ولا توقع شيكات على بياض، لهذا يرى بنكيران أنها لا تفهمه، أو بالأحرى هو لا يتفهم قلقها مما يجري في بلاد تخطئ كل يوم موعدها مع الإصلاح.

الناس البسطاء يشعرون بأنك قريب منهم، وهذه حقيقة، ويشعرون بأنك رجل يده نظيفة ونواياه سليمة، وهذا واقع، لكن النخبة تنتظر منك إنجازات على الأرض، وخططا لإنقاذ البلاد من الفساد والسلطوية والفقر والتهميش والحكرة التي تشعر بها فئات كثيرة.

واش فهمتي ولا لا، كما تقول أنت؟!

منبر

توفيق بوعشرين
صحافي
توفيق بوعشرين
كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال