القائمة

الرأي

خذوا الإسلام جملة... البنك الإسلامي مثالاً

مثل ذئب جائع، ستهجم على المغرب الأسبوع القادم ما يُسمّى "بالبنوك الإسلامية".

هي مصطلحات غريبة ظهرت في حياة المسلمين في العصر الحديث، وألبست الّلباس الإسلامي ليكون شكلها الخارجي مقبولاً عند عامة المسلمين. و لكي تلقى قبولاً وترحيباً في معاملاتهم زُينت ببعض الفتاوى حتى تزداد ثقة الناس بها، و يُقدمون على التعامل معها بنفسٍ راضيةٍ مطمئنة...

نشر
DR
مدة القراءة: 5'

و دون الخوض في شرعية التعامل مع هذه البنوك من عدمها، بسبب جهلي بأمور الفقه، أريد الوقوف عند هذه التسمية المركبة من نقيضين: البنك + الإسلامي.

فإذا نظرنا إلى أصل كلمة "بنك" في المصطلح الغربي فمعناها و واقعها مؤسسة ربوية، ولا يوجد أي تجانس بين الواقعين أو بين المفهومين؛ أي بين كلمة بنك وكلمة إسلامي- وعملية المزج بينهما هي عملية تضليلية من أجل تحسين صورة هذا المفهوم في نظر الناس، ومن أجل كسر الحاجز بين المسلمين وبين هذا المفهوم النابع من فكرة الحريات الاقتصادية؛ أي من حرية التملك، وتنمية الملك، والانتفاع والتصرف بهذا الملك بكامل الحرية، فلا مانع في النظام الرأسمالي تنمية الأموال بطريقة الربا لأن هذا حرية اقتصادية، أمّا الإسلام فلا يوجد فيه أيّ حرية بهذه المفاهيم السقيمة. و إلباس هذه الكلمة اللباس الإسلامي لا يجعلها إسلامية.

أضف إلى ذلك أن كل نازلة تطرأ في الحياة المسلم إلا و قد شرع الله له من الأحكام ما يشمله. وشمولية الإسلام ليست آتية من مرونته وتطوره كما يدعى بعض المتأخرين بل آتية من اتساعه.

فليس الإسلام مرناً ليتطابق ويجري تطويعه ليوافق كل ما يجد، وليس الإسلام متطوراً ليطرأ عليه التغيير والتبديل كلما تبدلت وتغيرت الظروف. فقد روى ابن ماجه قال: «وعظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظةً ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله، إن هذه لموعظة مودع، فما تعهد إلينا؟ فقال: قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم والأمور المحدثات فإن كل بدعة ضلالة، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد».

نعم، ليس الإسلام مرناً فيطوى، ولا متطوراً فيُغير، ولكنه شامل واسع، وسعته آتية من أن الله شرع الأحكام على نحو يغلب عليه العموم والإطلاق أكثر من الخصوص والتقييد. وعند تطبيق الإسلام كاملاً تتجلى روعة التشريع وحسنه، فأحكام الإسلام تعاضد بعضها بعضاً، فيكتمل بمجموعها البناء ويزهو...

ولما حرم الله الربا وحرم أن يَجُرَّ القرض أي منفعة لقوله عليه الصلاة والسلام "كل قرض جرَّ منفعةً فهو ربا"، فقد رغب في الإقراض، وجعل من أقرض مرتين كمن تصدق مرة واحدة، وأوجب على الدائن الصبر في حالة عسر المدين، وجعل للمدين حقاً في الزكاة، وأوجب على الدولة سداد الدين حين انقطاع الأمل. و هكذا شجع الإسلام تحريك المال، وفك أزمة المحتاج دون خسارة الدائن أو إذلال المدين واستغلاله ومضاعفة دينه بالربا.

ولما حرم الله كنز المال، فقد شرع العمل والتجارة ورغب بهما، ولم يوجب على التاجر ترخيصاً يثقل كاهله أو ضريبة تسرق ماله، بل فتح له الأبواب على مصراعيها ليتاجر بماله، وأجاز له الشراكة، فأباح له أن يضارب بماله مع من يثق ويحب، فيستفيد من لا يجد مالاً ليعمل ومن لا يجد وقتاً ليعمل، فيجني أرباحاً لنفسه ويقدم الخير لغيره ويساهم في بناء اقتصاد أمته.

وهكذا كل أحكام الله تعالى، تبدو متجانسة متعاضدة لو طبُقت كلها ولم يجر تقطعيها، ولكن حينما تبتر الأحكام عن بعضها البعض، فيُعطل أحدها ويُتجاهل آخر ويؤخذ بثالث، تظهر المعالجة وكأنها غريبة لا تنسجم أو لا تصلح. وهذا ما أبتلينا به حينما غابت النظرة الشمولية للإسلام.

فلو قلت لأحدهم إن الربا حرام وإن البنوك مصارف ربوية لا يجوز التعامل معها، قال لك: ومن أين آتي بالمال لتأسيس شركة أو بناء منزل؟

وهكذا، يبدو وكأنك تطرح طرحاً لا ينسجم مع متطلبات الحياة، أو لا يتماشى مع العصر!

إن المشكلة تكمن في عدم أخذ الإسلام جملة. حتى بات إقناع بعض المسلمين بضرورة النزول عند حكم الله حين الحديث عن المعالجات وكأنك تتحدث عن مثاليات أو خياليات، و لو سلم معك عقدياً.

و في الختام لا بد أن نذكر أن الإسلام غير معنيّ بتقديم حلولٍ لمشاكل المبادئ الأخرى، فمشاكل المبادئ الأخرى كالرأسمالية التي جعلت حياة الناس جحيماً، وأدخلت البشرية في تناقضات لا تنتهي، هي من تُطالب بحل مشاكلها لنفسها ولا يُطالب الإسلام بحلها.

فمن الظلم للإسلام أن تقيّمه من خلال محاولة تطبيق حكم شرعي واحد ضمن سلسلة من الأحكام الرأسمالية المتواصلة، فلا يُقيّم الإسلام بتحريمه للربا وللمصارف الربوية من خلال ما تُدعى البنوك الإسلامية التي أساءت للإسلام وأحكامه بتسمية نفسها به، فقزمت النظام الاقتصادي في الإسلام إلى معاملة المرابحة، فبدت معالجة الإسلام وكأنها نشاز. في حين أن مطالبة الإسلام حل مشكلة الربا في ظل نظام رأسمالي بكل عناصره وبنيته هو النشاز بعينه.

إن عدم أخذ الإسلام جملة والقبول بتطعيم النظام الرأسمالي ببعض الأحكام الشرعية، أو تقديم حلول شرعية لمشاكل المبادئ الأخرى يسبب تشويهاً لصورة الإسلام الحقيقي، ويورث ضبابية عند المسلمين، ولنا في الحركات الإسلامية التي دخلت في أنظمة الحكم التائهة في البلاد الإسلامية مثالاً على ذلك، فقد أساءت إلى الصحوة الإسلامية وأخرت النهضة الحقيقية.

وعليه فإن تقديم الحلول لا يجب أن يكون انجراراً وراء الواقع وتفاصيله، بل يجب أن يُطرح الحل على مستوى حل مبدئي لا حل ترقيعي.

هذا بعض ما يؤدي إليه تجزئة الإسلام وعدم أخذه جملة، فالحذر الحذر من المساومة على هذه القضية. فإن أردتم أن تروا عظمة التشريع الإسلامي وصلاحه فخذوا الإسلام جملة.

ولا تنسوا قوله تعالى" أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ".

خذوا الإسلام جملة... البنك الإسلامي مثالاً
الكاتب : Homechore
التاريخ : في 28 أبريل 2013 على 22h30
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
بوركتم اخي عمر على هذا التنبيه القيم لكن اذا نزلنا الى واقعنا المعاش المسلمون فيهم و فيهم سامح الله من لا ياخذوه بجدية ونسال الله لهم عودة طيبة قبل فوات الاوان اما نحن القليلون الذين يعرفون دينهم و يخافون ربهم و يجاهدون في تطبيق سنة نبيهم صل الله عليه و سلم نجد صعوبة في تطبيق شرع الله في حياتنا اليومية في المعاملات المادية اين نضع مالنا و اين نشتري متطلباتنا بدون قروض و بالتالي من غير الربا اي الفوائذ و من اين لنا ان نتاجر و نربح تحت تطبيق ما احل الله لنا وما حرمه اذن اين الحل اخي اللهم هذه البنوك "الاسلامية" كما يدعون او نبقى دوما على الهامش بل توجب علينا فقط الاطلاع على شروط و مقترحات هذه البنوك ان احلت ما احل الله تبارك الله و ان كانت كالاخرين فلا داعي للمعاملة معا ها فقط وجب التحري و التيقن و الله المستعان و فقط للتنبيه اخي الحديث كل قرض جرَّ منفعةً فهو ربا فهو غير صحيح و لكم ان ترجعو الى هذا الرابط :
http://www.dorar.net/enc/hadith?skeys=%D9%83%D9%84+%D9%82%D8%B1%D8%B6+%D8%AC%D8%B1%D9%8E%D9%91+%D9%85%D9%86%D9%81%D8%B9%D8%A9%D9%8B+%D9%81%D9%87%D9%88+%D8%B1%D8%A8%D8%A7&xclude=&t=*°ree_cat0=1

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
النظرة الشمولية والمكتملة للإسلام
الكاتب : MPHilout
التاريخ : في 28 أبريل 2013 على 14h36
شكرا لك يا عمر، كاتب هذا المنبر: لقد فهمت وأفهمتنا أن الإسلام كل يا يتجزأ.
فتبا للذين حرموا ما أحل الله وتشبثوا بجزئيات منه. لن تفلح أعمالهم. قال تعالى "إنكحوا من النساء ما طاب لكم مثنى وثلاث ورباع..." وسنة نبينا تدلنا أن لا حد لذلك إذ خلف لنا تسع نساء حرم القرآن عليهن الزواج بعد موته
فالخلفاء العثمانيون الذين تركوا لنا حرما وافرا وحرموا الزواج لأرملاتهن كانوا راشدين ومرشدين لنا. وليس هو حال أمراءنا اليوم حيث يقيدون تعدد الزوجات لآباءنا ويحرمونهم نكاح طفلات في سن التاسعة كما نصت عليه سنة نبينا المختار

جازاك الله يا عمر على هذا التذكير وعلى هذا التفكير الإسلامي السليم من أي خلل.

فإما نعمل بالإسلام كلية أو نترك العمل به كلية لأنه منظومة كليانية شمولية وليس لنا أن نختار منها ما نشاء أو نتابع نسخ الناسخ أو المنسوخ منه وكأنما حملنا رسالة نبوية بعد وفاة خاتم الرسل والأنبياء

أنا مثلك دلول كالجمل. فيمكن إذن لصاحب الأمر أن يقودنا حيثما شاء بما في ذلك إلى المسلخة، ولا يشاء إلا أن يشاء الله.
Dernière modification le 28/04/2013 14:43